وسط عاصفة ثلجية وشوارع امتلأت بمياه المطر وتراكمت علي جوانبها الثلوج يوم الجمعة الماضي في الثامن من مارس احتفالا بيوم المرأة العالمي نظمت عشرات الجمعيات الأهلية مظاهرة حاشدة في نيويورك بالقرب من موقع الأممالمتحدة من عدد كبير من بلدان العالم رافعة مجموعة من الشعارات التي تدين العنف ضد المرأة، وتدعو لكسر الصمت حول هذا العنف وتجريمه قانونيا وملاحقة مرتكبيه حتي لا يفلتوا من العقاب.وكان ممثلون وممثلات لهذه الجمعيات والمنظمات قد جاءوا من كل أنحاء العالم للمشاركة في الدورة السابعة والخمسين للجنة وضع المرأة في الأممالمتحدة التي انعقدت تحت شعار مناهضة العنف ضد النساء وشارك فيها مندوبون عن كل دول العالم الذين قدموا تقاريرهم عن أوضاع النساء في بلدانهم وعن العنف الواقع عليهن حيث تتعرض 75% من نساء العالم للعنف تفاوتت الإحصائيات التي قدمتها الدول عن مستوي العنف فيها وبرزت تناقضات واسعة بين ما قدمته الدول وبين رؤية الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تعمل علي الأرض، فبينما قدم مندوبو الدول والتجمعات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبعة وسبعين ومجموعة الآسيان تقارير تعبر في مجملها عن أن هناك سعيا حثيثا علي المستويات الرسمية لمواجهة العنف ضد النساء قدمت المؤسسات الأهلية أشكال التقصير خاصة بعد ملاحظة أن العنف ضد النساء يتزايد، كما لاحظت تراجعا في خطاب الأممالمتحدة نفسه، وهو التراجع الذي تجلي في مخرجات الدورة السادسة والخمسين للجنة وضع المرأة التي انعقدت في عام 2012 حين عجزت الدورة عن الخروج بوثيقة أو بتوصيات تتعلق بالعديد من القضايا، إذ عرقلت بعض الحكومات محاولات التوافق حول هذه التوصيات، ونشبت خلافات واسعة حول المساواة بين الجنسين وزواج الأطفال والحقوق الإنجابية للنساء. ولفتت مشاركة الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس «محمد مرسي» في الدورة اهتمام وقلق المشاركات لأنه كان من المفترض أن تقدم السفيرة «ميرفت التلاوي» رئيسة المجلس القومي للمرأة كلمة مصر باعتبارها رئيسة الوفد. والأهم من ذلك أن خطاب باكينام الشرقاوي أثار استياء بعض المؤسسات الأهلية المصرية والمشاركين والمشاركات، إذ أكد الخطاب حقيقة تشكيل سبع عشرة دولة ائتلافا يضم كلاً من السعودية وإيران ومصر وباكستان وسوريا وروسيا وبنجلاديش والجزائر والعراق وأندونيسيا واليمن والبحرين والهند والكويت وماليزيا يدعو لمراعاة ما سماه بالخصوصية الثقافية التي طالما وضعها دعاتها في مواجهة الخطاب العالمي الخاص بالحقوق والمواثيق التي أصدرتها الأممالمتحدة باعتبارها مشتركا إنسانيا عالميا. دعوة للتوازن قالت الشرقاوي «يجب علينا عند رسم السياسات الدولية لمواجهة هذه الظاهرة «العنف ضد المرأة» أن ننطلق من الموازنة بين دائرة المشترك الإنساني، وبين دائرة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للدول والشعوب، والتي قامت الأممالمتحدة علي أساس احترامها». وأضافت «نطمح أن تنجح اللجنة هذا العام في الوصول إلي صياغات متوازنة ومحددة في استنتاجاتها النهائية تراعي التنوع في الثقافات والمعتقدات، دون محاولة فرض مفاهيم أو تعريفات غير متفق عليها». ثم نوهت بأن دستور مصر 2012 جاء ليؤكد علي حقوق المرأة واعتبارها مواطنا كامل الأهلية. واعتبرت المؤسسات والجمعيات الأهلية المصرية خطاب الشرقاوي فضلا عن قفزها علي موقع «ميرفت التلاوي» كرئيسة للوفد جزءا من الحملة الضارية التي يشنها الإسلاميون في الحكم وممثلو وممثلات الإخوان المسلمين ضد المجلس القومي للمرأة الذي يريدون تحويله إلي مجلس للأسرة والاستيلاء عليه كما سبق أن استولوا علي المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تحول إلي ذراع للإخوان المسلمين، بعد أن قدم المشاركون من التوجهات الديمقراطية والليبرالية استقالاتهم منه تباعا. ويدلنا تحليل خطاب «الشرقاوي» علي التوجه الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة حول وضعية المرأة وحقوقها باعتبارها في الأساس أما وزوجة. فبينما أكدت الشرقاوي عالمية ظاهرة العنف ضد المرأة تضمن خطابها دعوة للتراجع عن المشترك الإنساني المتمثل في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين واتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد النساء والإعلان العالمي لمناهضة التمييز ضد المرأة إلي آخر منظومة الحقوق التي تتوافق عليها البشرية عبر الأممالمتحدة والمواثيق والعهود التي توقع وتصدق عليها الدول. وفي هذا الصدد لابد من التذكير بأن المشترك الإنساني هو أيضا خصوصية وطنية لأننا نحن المصريين مسلمين ومسيحيين شاركنا بفاعلية في كتابة هذه المواثيق التي عبرت عن القيم العليا والإيجابية في كل الحضارات والثقافات وحيث كان إنشاء الأممالمتحدة وتطورها هو نفسه تعبيرا عن المشترك الإنساني، ومن الثابت تاريخيا أن كل الثقافات والحضارات تنتج في ظل الصراعات ما هو سلبي وما هو إيجابي وعلينا أن نلتقط الإيجابي ونتشبث به ونطوره، وما الدعوة للخصوصية إلا محاولة للانتفاض من حقوق المرأة ومصادرة حريتها. وتجاهل خطاب الشرقاوي كل هذه الحقائق وتضمن دعوة للعودة إلي الوراء فيما قبل صدور هذه المواثيق التي وقعت وصدقت عليها مصر كدولة لا حكومة، وما وقعت عليه الدولة المصرية ملزم لكل الحكومات، ولا يمكن قبول الادعاء بأن الحكومة تغيرت ومن حقها الرجوع عن التزامات الدولة بل إن مصر الرسمية شاركت في تأسيس تحالف رجعي يضم عددا من الدول التي تري أن خصوصيتها الثقافية تتمثل في إخضاع النساء لشروط المجتمع الأبوي والسيطرة عليهن وإهدار حقوقهن في ظل الوصاية مع دعوة ضمنية للتراجع عن الالتزام بهذه المواثيق. التراجعات ويعبر خطاب الشرقاوي أيضا عن التراجعات التي طالت أوضاع النساء المصريات علي يد الحكومة التي تمثلها حين أصدرت دستورا هو موضوع نزاع لا توافق، كما أنه يهدر حقوق النساء ويفتح الباب واسعا أمام القوي المعادية للمرأة باسم الخصوصية الوطنية، بينما تقول هي إن الدستور ينصف النساء. وبينما تكافح النساء في مصر لإلغاء ما تبقي من تحفظات علي اتفاقية السيداو ودعوة الحكومة للتوقيع علي البروتوكول الاختياري، تشتد حملات الإرهاب الجنسي ضدها دون أي تحرك من قبل الحكومة، بل إن الحكومة أصدرت قانونا للانتخابات يلغي نظام الكوتة لاستبعاد النساء بكل الأساليب من الميدان العام وإبقائهن في المنازل. وأصدر وفد المنظمات غير الحكومية بيانا أدان فيه خطاب الشرقاوي وممارستها، بينما انسحب بعض أعضاء الوفد خلال إلقائها، كما خرجت السفيرة ميرفت التلاوي من القاعة. لا يحبون الإعلام هذا وشاركت «إيرينا بوكوفا» مديرة منظمة اليونسكو في ندوتين نظمتهما اليونسكو واحدة عن المرأة والتعليم والثانية عن الصحافة وفي المرتين أكدت الموقف الإنساني ذي الطابع العالمي لمنظمة اليونسكو، وأكدت أن الهجوم علي النساء الصحفيات والإعلاميات هو عدوان علي حرية التعبير، كما أن إلزامية التعليم وشموله هي مسئولية الدولة. ونظمت استراليا ندوة حول استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة في مناهضة العنف ضد المرأة والفتيات وبالمشاركة بين النرويج والهيومان رايتس ووتش نظمت جنوب أفريقيا مائدة مستديرة حول «العنف القائم علي النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان ودولة القانون، وغصت قاعات المؤتمرات كبيرها وصغيرها بالمشاركين والمشاركات في أكثر من ثلاثين ندوة وورشة عمل ومائدة مستديرة كل الدوائر الحاكمة في العالم لا تحب الصحافة برزت هذه الحقيقة بوضوح في ندوة الصحافة التي بينت الشهادات فيها كما أن الصحافة هي مهنة خطرة حيث تعرضت صحفيات في مناطق النزاع للاعتداء الجنسي والاغتصاب، وتتعرض الصحفيات للأذي في حياتهن الشخصية بسبب عملهن. نظمت المجموعات الإقليمية ندوات حول عملها المشترك وأهدافها ومن ضمنها المجموعة العربية التي قدمت مطالبها حول ضرورة الالتزام بمقررات مؤتمري السكان وبكين إلي لجنة صياغة الوثيق وطالبت بإدراجها فيها، بينما لاتزال الصياغات النهائية للوثيقة قيد المناقشة بل وتتعثر نتيجة للضغوط التي تمارسها بعض الدول في مطالبتها بالرجوع عن قرارات سابقة للأمم المتحدة مثل التأكيد علي الصحة والحقوق الإنجابية، ويلعب وفد الولاياتالمتحدةالأمريكية دورا سلبيا لأن أمريكا لم توقع علي اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة ويزعجها الاعتراف العالمي المتزايد بهذه الاتفاقية. مكملة للرجل وتفاوتت لغة الخطابات التي ألقاها ممثلو الدول فبينما استخدمت السودان علي سبيل المثال تعبير النصف المكمل للرجل وهو ما يذكرنا بالمناقشة الدائرة حتي الآن في تونس حول المرأة المكملة للرجل أم المرأة المواطنة طالبت سويسرا بمعالجة الإجحاف الاقتصادي والاجتماعي والتفاوت بين النساء والرجال في هذا السياق وقالت إن 60% من النساء يتعرضن للعنف، وقالت تايلاند إن معظم الدول لديها قوانين لمكافحة العنف ضد النساء، ولكن تبقي البنية الذكورية للمجتمع راسخة كعقب كأداء، ودعت مثل دول أخري إلي تعديل مناهج التعليم لبناء عالم لا يتقبل العنف ضد النساء بينما دعت معظم الدول لضرورة الالتزام بمنهاج بكين الذي بلوره المؤتمر العالمي الرابع للمرأة هناك، بينما عبر آخرون من خشيتهم أن ينعقد المؤتمر الخامس حتي لا تؤثر موجه التراجع العالمي علي أعماله. ولما كان خبر موت الرئيس «شافيز» قد وقع علي المؤتمر كالصاعقة قدم مندوب كوبا تعازيه لشعب فنزويلا ونسائها ثم ندد بالحصار المفروض علي بلاده منذ خمسين عاما منذ خمسين عاما من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وعرض سجلا لتقدم النساء في كوبا رغم الحصار وقال إن 70% من طلاب التعليم العالي من النساء و56% من القضاء و6.48% من نواب البرلمان، واثنتان من نواب الرئيس وأكد للمشاركات أنه بوسعهن الاعتماد علي تضامن كوبا لتعزيز حقوق المرأة كجزء من حقوق الإنسان وقد كان هذا هو التوجه الأساسي في كل أعمال المؤتمر وقالت ممثلة أندونيسيا إن سبع من كل عشر نساء في العالم تعرضن للعنف، وأكدت علي الحاجة لسياسة منهجية متكاملة للحيلولة دون وقوع هذا العنف سواء علي المرأة الفقيرة أو المهاجرة أو المعوقة أو المصابة بالإيدز أو المرأة المسنة وقالت إن 20% من ميزانية أندونيسيا تذهب إلي التعليم شهدت أروقة الأممالمتحدة وقاعاتها مناقشات صاخبة ما بين الشهادات الواقعية من كل بلد علي حدة صعودا إلي المشترك الإنساني الذي تمثله المواثيق الدولية وسوف تنتهي الدورة في الخامس عشر من هذا الشهر دون أن يتوصل المشاركون إلي وثيقة ليفتح هذا الفراغ الباب لانتصار المنادين بالخصوصية، هذه الخصوصية التي تحولت في كثير من الأحيان إلي امرأة خاضعة للوصاية الأبوية والمجتمعية، وفي هذا الإطار تندرج محاولات الحكم في مصر لتحويل المجلس القومي للمرأة إلي مجلس للأسرة. لم تنس إسرائيل أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قبل أسابيع قد صوتت بأغلبية كاسحة لقبول فلسطين دولة غير كاملة العضوية فيها مما يحطم محاولة إسرائيل لتصوير احتلالها للأراضي الفلسطينية باعتبار هذه الأراضي متنازع عليها وبعد قبول الجمعية العامة لفسطين عضوا مراقبا أصبحت أراضيها محتلة طبقا للقانون الدولي. ردا علي هذه الضربة نظمت الوفود الإسرائيلية حفلا غنائيا موسيقيا غنت فيه «ريتا» اليهودية من أصل إيراني تدعو للسلام، واحتشد بين الجمهور يهود كثيرون لسماعها قادمين من لوس أنجلوس التي تضم أكبر جالية يهودية من أصل إيراني، وهو ما يؤكد حقيقة تقول إن إنشاء إسرائيل لم يجعلها بلداجاذبا ليهود العالم كما يدعون.