عندما اشتدت تداعيات ازمة كورونا على الاقتصاد المصرى ، بدأت الحكومة فى اتخاذ مجموعة من الاجراءات الاحترازية فى محاولة -ليس لمنع تلك التداعيات -ولكن لتحجيم اثارها . لكن رغم تلك الاجراءات وما قدمته من تسهيلات فىً الضرائب والجمارك وتأجيل سداد المستحقات وتخفيض اسعار الطاقة سواء كهرباء وغاز طبيعى وكذلك مجموعة من الاجراءات فيما يتعلق بالمواطنين والعمالة الموسمية وكذلك اصحاب المعاشات فيما يتعلق بصرف العلاوات الخمس هذه الإجراءات الاقتصادية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، كانت عبر حزمة قرارات تتكلف 100 مليار جنيه، ثم تبعه خفض أسعار الفائدة، وتأجيل ضريبة البورصة وخفض أسعار الغاز للمصانع وخفض أسعار الكهرباء، كإجراءات محفزة للنشاط الاقتصادي، ثم تأجيل الضريبة على القطاع السياحى والغاء القوائم السلبية بالبنوك، وهى قرارات كلفت الخزانة العامة مبالغ طائلة، تم توفيرها من موازنة الدولة التى كانت تحقق فائض أولى حوالى 2 % نتيجة برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الحكومة منذ 2016 الا ان الحكومه بعد شهرين تقريبًا من الاحراءات الاحترازية فيما يتعلق بوقف حركة الطيران والسياحة وتأثر العديد من موارد النقد الاجنبى ، عاد مره ثانية الحديث والجدل الذى عادة ما يسبق عمليات التوجه الى صندوق النقد الدولى خاصة الذى سبق ايضا توجه الحكومة الى الصندوق عام 2016 ، وهنا نتذكر جيدا الجدل الذى اثاره وزير الاستثمار الأسبق فى احد المؤتمرات اشرف سالمان عندما قال : هل من الأفضل استنزاف الاحتياطى النقدى ام تخفيض قيمة العملة؟ 14مليارا استثمارات أجنبية خرجت من مصر ..و514 مليار دولار انخفاضا فى الاحتياطى وفى الحقيقة فان هذا الوضع وان اختلفت الظروف هو ما يحدث الان بصورة غير مباشرة . هل من الممكن ان تقبل مصر بشروط غير معلنة فيما يتعلق بقيمة الجنيه خلال شهرين من الازمة تقريبًا انخفض الاحتياطى النقدى بقيمه 5,4 مليار دولار ولم يتوقف الامر عند ذلك الحد بل خرجت استثمارات اجنبية فى أدوات الدين بقيمة تصل تقريبًا الى 14 مليار دولار ، وبالتالي رغم تمسك الحكومة بمقولة ان التوجه الى الصندوق ليس له علاقة بأسعار السلع والخدمات وربما يكون ذلك صحيحا الا ان الشرط الوحيد فيما يتعلق بقرض الاستعداد الائتماني ربما يكون سعر العملة فمازال الصندوق يتمسك بمقولة “سعر صرف مرن ” لذلك لم يكن غريبًا ان يكشف رئيس الوزراء ان هناك قطاعين السياحة والطيران تحملا الجانب الأكبر لتداعيات وباء “كورونا”، مشيرا إلى أن جزءا من التمويل الذى تسعى الحكومة للحصول عليه من صندوق النقد سيخصص لدعم مثل هذه القطاعات حتى تنحسر تلك الأزمة، مضيفا أنه سيتم توفير التمويل أيضا للقطاعات الأخرى الواقعة تحت الضغط جراء الأزمة. لكن ربما اثار الانخفاض المفاجىء للاحتياطى الدولارى للبنك المركزى خيفة الحكومة من جراء بدء استنزاف الاحتياطيات من النقد الاجنبى مع ضبابية الموقف فيما يتعلق بمدى انتهاء تداعيات فيروس كورونا مع استمرار غلق بعض المنشآت الانتاجية والمصانع وكذلك القطاعات الحيوية مثل الطيران والسياحة وربما مع استمرار تلك الحالة ربما تتزايد فى المقابل الضغط من جراء هبوط متوقع في التحويلات من المصريين العاملين في دول الخليج الغنية بالنفط، وسداد ديون، وانهيار في إيرادات السياحة، وتراجع في أسعار الغاز العالمية. خاصه وان هناك تفسيرات بان البنك المركزي المصري، مثل بنوك الاقتصادات الناشئة الأخرى، يبذل جهودا لثبات الجنيه في الأسابيع الأخيرة باستخدام بعض احتياطياته من النقد الأجنبي. لذلك يرى اغلب المحللين إن اتفاق تمويل محتملا مع صندوق النقد الدولي قد يزيد الضغط على الجنيه في الأجل المتوسط. خاصه بعد ان اعلن محافظ البنك المركزى طارق عامر إنه سحب من الاحتياطيات الاجنبية ليغطي جزئيا خروج محافظ استثمار أجنبية ولتلبية احتياجات السوق المحلية من العملة الصعبة لاستيراد سلع استراتيجية فضلا عن سداد التزامات خدمة الدين الخارجي. ويرى المحللون فىً مؤسسات وبنوك اجنبية مهتمة بالشأن الاقتصادى المصرى ان التدخل المستمر أتاح لسعر الصرف ان يرتبط بسعر العملة المحلية فى حدود بربط العملة عند 15.75 جنيه مقابل الدولار لكن تضررت احتياطات مصر من النقد الاجنبي مع هبوطها عشرة بالمئة إلى 40 مليار دولار في مارس وفقا لبيانات رسمية، وهو معدل انخفاض يقول اقتصاديون ان البلد لا يمكن ان تتحمل تداعياته لان إستراتيجية السحب من الاحتياطيات لإدارة العملة لا يمكن أن تستمر.. ستقود إلى المغالاة في قيمة الجنيه لكن قد يؤدى الى الانخفاض في القيمة في الأجل المتوسط. اذا كانت مصر قد استطاعت ان تتعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على مدار الشهرين الماضيين عندما قال الدكتور مصطفى مدبولىً ان الاقتصاد المصري نجح في الصمود بفضل الإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال السنوات الأربع الماضية، وهو الأمر الذي يظهر جليا في توافر السلع، وعدم اهتزاز أسواق النقد فان ذلك كان نتيجة قيام القطاع المصرفي بضخ الكثير من الأموال وفى الحقيقة فقد ارتفعت الالتزامات الأجنبية خلال تلك الفتره في البنوك إلى251.36 مليار جنيه في نهاية مارس من 235.77 مليار في نهاية فبراير وقامت البنوك التجارية ببيع الدولار لتلبية طلب النقد الأجنبي وهو ما يعنى انه من المتوقع أن تكون البنوك قامت بتسوية التدفقات الخارجة التي لم يقم بها البنك المركزي المصري . لذلك اتجهت مصر على الفور الى صندوق النقد الدولى للحصول على تمويلين : احدهما من مخصصات الصندوق للازمة تحت برنامج "أداة التمويل السريع" وهي أداة تمكن مصر من الحصول على تمويل عاجل وسريع من صندوق النقد الدولي، ويتم تحديد قيمتها وفقا لمؤشرات ومحددات معينة، في ضوء المؤشرات الاقتصادية والإنجازات التي حققتها مصر على صعيد برنامج الإصلاح الاقتصادي ، على أن يتم سداد قيمة هذه الحزمة التمويلية خلال أجل متوسط قد يصل إلى 5 سنوات. اما الحزمة التمويلية الثانية تتمثل في برنامج اتفاق الاستعداد الائتماني وفيه تتقدم الحكومة المصرية بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على هذه الحزمة وفق احتياجاتها، ويتم الاتفاق عليه مع الصندوق مثلما حدث مع برنامج التمويل السابق، لكن مدة هذه الحزمة سنة واحدة فقط، على أن تسدد على آجال ممتدة، ولمدد أفضل من مدة الحزمة الأولى. لكن من الأمور التى عجلت بالتوجه للصندوق هو تدهور سوق السندات حيث تعرضت سندات مصر لضغوط في الأسابيع القليلة الماضية. وصعدت تكلفة التأمين على ديونها السيادية ضد مخاطر التعثر إلى ما يزيد كثيرا على 600 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2013، بحسب بيانات آي.إتش.إس ماركت. فىً الوقت الذى رصدت فيه مصر فى موازنة العام المالى الجديد طرح سندات وأذون خزانة باكثر من 986 مليار جنيه فى وقت يتعين فيه ووفقا لحسابات جيه.بي مورجان على مصر أيضا سداد سندات دولية بقيمة مليار دولار حان موعد استحقاقها في 29 أبريل ، وكذلك مدفوعات فوائد بقيمة 1.824 مليار دولار على ديونها بالعملة الصعبة في 2020. وفي الوقت الذي يجري فيه تداول عوائد السندات الدولارية عند حوالي ثمانية بالمئة في أعقاب تراجع السوق في الآونة الأخيرة، فإن طرق أسواق رأس المال الدولية يبدو باهظ التكلفة بالنسبة لمصر شأنها شأن الكثير من الأسواق الناشئة الأخرى.