بعد أن خسرت القوي المدنية الديمقراطية معركة الرئاسة فهي مطالبه الآن بأن تحشد كل قواها وخبراتها من أجل معركة الدستور الذي لا ينبغي أن تقبل تحت أي ظرف فكرة كتابته بالأغلبية، ذلك أن الإسلام السياسي الذي كسب بتحالفه مع المجلس العسكري كرسي الرئاسة يتشبث الآن بكل قوته بالتشكيل الثاني للجمعية التأسيسية التي لم تختلف – إلا قليلا – عن تشكيل الجمعية الأولي التي أبطلها القضاء، وهم يفعلون ذلك تحسبا لإصدار دستور مدني ديمقراطي لدولة حديثة وعادلة تستمد مشروعيتها من الشعب وتحترم الديانات كافة وتفصل بين الدين الثابت الذي هو لله سبحانه وبين السياسة التي هي نتاج صراع بشري متغير واضعة نصب عينيها شعار الثورة المصرية الوطنية في عام 1919 «الدين لله والوطن للجميع». وسوف يقاتل الإسلام السياسي لاستبعاد هذا الشعار كحقيقة تقدمت عبرها الشعوب التي سبقتنا في مدارك الديمقراطية لأنهم عرفوا كيف يتلاعبون بالدين والمال لتعبئة المواطنين البسطاء واستغلال فقرهم في كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية وضربوا عرض الحائط باشتراطات اللجنة العليا للانتخابات التي منعت استخدام الشعارات الدينية والرشاوي المالية لأنهم اعتادوا علي فرض الأمر الواقع بالترهيب والتخويف والابتزاز باسم الدين والتزوير المباشر خارج الصناديق وداخلها. مسألتان رئيسيتان لابد أن تركز عليهما القوي المدنية بعد أن تكسب معركة التأسيسية وهما تحصين الحريات العامة التي تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان بما فيها حقوق النساء وتحصين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بصياغات واضحة وقاطعة تخصص نسبا محددة في الموازنات العامة للصحة والتعليم والإسكان والتأمين الاجتماعي تستمدها بدورها من المعايير الدولية كآلية ناجزة لإعادة توزيع الثروة القومية بين المالكين والكادحين. وعلينا أن نتوقع أن يكون هذان البابان في الدستور موضوعين لصراع قادم جديد، فقوي الإسلام السياسي تسعي لربط الحريات العامة وبخاصة حريات الاعتقاد وحريات النساء بتفسيرها هي للشريعة الإسلامية، وقوي الرأسمالية الطفيلية المتوحشة تسعي لتجنب أي اقتطاع من أرباحها الباهظة لصالح العاملين والكادحين عبر أشكال مختلفة من الضرائب علي الأرباح. معركة الدستور إذن هي في العمق منها شكل من أشكال الصراع الاجتماعي الحضاري الذي سوف تكسبه قوي الثورة المصرية مهتدية بأهدافها عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية.. سوف تكسبه قوي الثورة في آخر المطاف حتي لو خسرت مؤقتا. بقلم : فريدة النقاش