تحصين الحريات العامة سوف تكون معركة تحصين الحريات العامة والشخصية دستوريا واحدة من أهم المعارك التي تدعو كل القوي الديمقراطية لخوضها حتي النهاية في سياق دفاعها عن دستور لكل المصريين، وتزداد المسألة أهمية حين تتبين لنا بعض النوايا الخفية لنواب الإسلام السياسي ولمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين الذين لا يخفون عزمهم - علي لسان مرشحهم للرئاسة خيرت الشاطر بشأن «تشكيل هيئة للحل والعقد تساعد البرلمان علي تطبيق الشريعة الإسلامية». فضلا عن أننا لا ندري حتي الآن أي شيء عن طبيعة النص علي مرجعية الشريعة في الدستور، وهل ستتأسس هذه المرجعية علي المبادئ كما هو النص في الإعلان الدستوري، أم علي الأحكام كما يطالب حزب «النور» السلفي الذي دعا في سياق مطالبته بالنص علي الأحكام بدلا من المبادئ إلي تطبيق الحدود. وتعلمنا التجربة الإنسانية في البلدان الإسلامية التي طبقت الحدود من الرجم للجلد لقطع الأيدي والأرجل من خلاف كم تشوهت صورة الإسلام في نظر العالم، وكم من المآسي قد حدثت، والآلام التي تسبب فيها هذا النهج خاصة أنه ارتبط بتكثيف الاستغلال الطبقي ضد الكادحين الذين دمرهم الفقر والبؤس جنبا إلي جنب جرائم من يدعون أنهم يطبقون شرع الله، ودفعت النساء علي نحو خاص في كل من السعودية وإيرانوأفغانستان والسودان ثمنا باهظا. ولعلنا نتذكر في هذا الصدد فيلم «موت أميرة» الذي مثلته الفنانة القديرة «سوسن بدر» وجري إنتاجه في بريطانيا وكيف جري قطع رقبتها وسط حلقة من المتفرجين لأنها تجرأت علي تقاليد القبيلة وقررت أن تتزوج رجلا أحبته، كذلك لايزال ساريا تقليد رجم الزانيات في إيران زيادة في الإيلام قبل الموت والحال نفسه في أفغانستان رغم الفروق بين السنة والشيعة هنا وهناك إلا أنه تم «الإجماع» علي إيذاء النساء في النظامين باسم الدين. ورغم أن القرآن الكريم قال بنص العبارة «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فإن من سماهم الكاتب والمفكر التونسي «مجانين الله» يتربصون بالكتاب والمفكرين والمبدعين، ويتلمظون لوضع نصوص لا تجرم حرية الاعتقاد فحسب، وإنما أيضا حرية الفكر والتعبير والإبداع، وربما سوف يكون الصراع علي هذه الأرضية هو الأشد ضراوة لأنهم يريدون أن يفرضوا قانون السمع والطاعة علي الجمهور المصري كله بعد أن فرضوه علي أعضائهم فتدربت أجيال وأجيال من الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين تنظر إلي النص الديني نظرة حرفية، وتتوقف عند ظاهره لا معناه ومغزاه وقد سبق لهم أن حرضوا ضد الباحث «فرج فودة» لأنه دعا المسلمين لقراءة التاريخ الإسلامي قراءة موضوعية نقدية تزيح عنها عباءة التقديس لأنه تاريخ صنعه البشر وأسفر هذا التحريض عن قتل المفكر غدرا. ولم تتوقف الجماعة عن إنتاج الجواب الواحد الجاهز والمعد سلفا عن كل الأسئلة، ولكن من حسن حظ الحريات العامة والشخصية أن شبانا بلا حصر يغادرون الجماعة أو يختلفون معها لأنهم قرروا أن يطرحوا الأسئلة ورفضوا أن يتلقوا الأجوبة الجاهزة فمارسوا حريتهم واحتكموا إلي العقل والقلب وشاركوا في ثورة 25 يناير كاسرين مبدأ السمع والطاعة لأن قادتهم طلبوا إليهم ألا يشاركوا. وأصبح هؤلاء وغيرهم من الشباب العصري الحر المتسائل المرتبط بثورة الاتصال وبالعالم ذخرا لقضية الحريات العامة وقوة كامنة حين يحتدم الصراع دفاعا عنها وتحصينا لها في الدستور. يقول مدافعون عن الإسلام السياسي: فلنجرب أن نتجاوز الماضي، ولتكن لنا بداية جديدة، وأظن أن ملايين المصريين الذين صوتوا لهم في الانتخابات قالوا ذلك مؤكدين أننا لم نجربهم حاكمين من قبل، ولكن، وآه من لكن اللعينة تلك، إذ أثبتت تجربة الشهور القليلة التي اعتلوا فيها العرش أن تزمتهم، وشهوة الاستحواذ علي كل السلطات لديهم، وتربصهم بالحريات العامة والشخصية هي جميعا نزعات تكوينية متأصلة في بنية الحزب الذي يخلط السياسة بالدين، تماما كما هو الحزب العنصري أو الجماعة الدينية في أي مكان. تبشرنا الانسحابات المتوالية من لجنة الدستور بأن القوي المدافعة عن الحريات العامة التي تتأسس علي مبدأ المواطنة وضمان الحريات العامة والشخصية من حرية الاعتقاد للتبعير ومن حرية التفكير لحرية التنظيم لحرية الاختيار هي أوسع كثيرا جدا مما يتصور خصوم هذه الحريات سواء كانوا ينطلقون من علي أرضية الاستبداد المدني أو أرضية الاستبداد الديني، وما يحدث الآن في تجربتنا هو تزاوج الشكلين من أشكال الاستبداد إذ يحتمي كل منهما بالآخر، وسوف تخوض القوي الديمقراطية والعلمانية كافة هذه المعركة علي كل المستويات بادئة بفض الاشتباك بين الشكلين من أشكال الاستبداد وصولا إلي تحصين الحريات العامة والشخصية في الدستور الجديد.