أقدمت رئاسة الجمهورية على إجراء لقاءين متتابعين، لمسئولي الوقف والجهات السيادية والرقابية، لمتابعة الجهود المبذولة فى سبيل استعادة أجزاء كبيرة من الوقف، تمت إضاعتها لسنوات نتيجة تعديات مختلفة تسببت فى خسائر بالمليارات وهو الامر الذي استدعى تدخل رئيس الجمهورية، لوضع حلول من شأنها استعادة ما تم استنزافه على مدى السنوات الماضية. اللقاء الأول، والذي عقد فى ديسمبر الماضي، جمع بين الرئيس السيسي والدكتور أحمد عبد الحافظ رئيس هيئة الاوقاف، ووزير الاوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، ورئيس المخابرات العامة اللواء خالد فوزى، ومحمد عرفان رئيس الرقابة الإدارية، بهدف بحث سبل الاستفادة من أموال الأوقاف وأصولها. أما اللقاء الثاني، والذي جاء نهاية الاسبوع الماضي بحضور نفس الشخصيات المذكوره، لعرض إجراءات الحصر والاستثمارات المقترحة والمشكلات الخاصة بالوقف، بالاضافة لعرض ممتلكات مصر بالخارج. إجراءات صارمة ومن جانبه أكد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، أنه سوف يتم الانتهاء الكامل من حصر ممتلكات الأوقاف فى مارس المقبل، وشدد على عدم التهاون فى اراضي الوقف المغتصبة خاصة وانها لا تسقط جرائمها بالتقادم، وأعلن الوزير عن مكافاة مالية لمن يقوم بالابلاغ عن اراضي أو عقارات وقف مغتصبة، مطالبا المتعاملين مع الاوقاف بتقنين اوضاعهم لدي الهيئة خلال يناير الجاري. حصر واسترجاع وبدوره رئيس هيئة الأوقاف الدكتور أحمد عبد الحافظ، أكد ان الهيئة تبحث فى كل الجهات فى الداخل والخارج لاعادة ممتلكاتها، لافتا الى أن ماتم حصره يتخطى مليارات الجنيهات، موضحًا أن اجتماع الرئيس بهذه الشخصيات دلالة كبيرة على أن مال الوقف أصبح تحت رعاية الدولة بالتعاون مع الأوقاف، مؤكدا أن هناك ارادة سياسية قوية لإعادة ما تم اغتصابة، خاصة أملاك الأوقاف فى الخارج إلى جانب استثمارها بما هو يرجع بالايجاب على الاقتصاد المصري، مشيرا الى ان لجنة المهندس إبراهيم محلب لاسترداد الاراضي أجرت حصرًا كاملًا لأراضي الوقف وتم الانتهاء من حوالي 18 منطقة فقط حتى الآن، ليقدر قيمة هذه المناطق ب 450 مليار جنيه على أن يتم استكمال باقي الحصر فى شهر مارس المقبل، لافتا الى أن استغلال هذه القيمة ستحدث طفرة كبيرة فى إيرادات الهيئة، وأوضح رئيس هيئة الأوقاف أننا نتعامل مع ملف الوقف أولا بإزالة التعديات عليه، والأمر الثاني التفاوض وهذا يتم مع الحالات الإنسانية والاجتماعية كالقرى الكاملة المنشأة على أراضي أوقاف، خاصة أن هناك عددًا كبيرًا من القرى قائمة على وقف. حماية للمال العام وفى السياق ذاته أكدت الدكتورة نوال التطاوي وزيرة الاقتصاد الاسبق، ان تحرك الدولة تجاه اموال الوقف وبحث استثمارها هو امر فى غاية الاهمية خاصة أن اموال الوقف تعتبر مالا عاما تجب حمايته، مشددة على ضرورة بحث سبل استثمار الوقف فى ظل احتياج الدولة الى مثل تلك الاموال التي تساهم وبقوة فى النهوض بالاقتصاد المصري بما تمثلة من مليارات سنويا، واوضحت نوال التطاوي، أن وجود ادارة اقتصادية من شانها ان ثمثل فارقا فى تحقيق الطفرة المرجوه من مال الوقف، لافتة الى أن استثمار اموال الوقف من قبل الدولة حق لها، خاصة أنه مال عام يخدم كثيرا من المشروعات. غير قانوني بينما قال الخبير الاقتصادي شريف الدمرداش، إنَّ أصول الأوقاف تنقسم إلى قسمين "أوقاف أهلية"، والهدف منها الإنفاق على ورثة الواقف عبر الأجيال المتتابعة، حتى يبقى اسمه وفضله حاضرين لدى ذريته جيلًا بعد جيل، و"الأوقاف الخيرية" التى يوقفها الواقف على عمل خيرى معين، مثل الإنفاق على المدارس والكتاتيب، أو المستشفيات، أو رعاية الفقراء، أو حتى على الرفق بالحيوانات وغيرها، لذلك فإن مال الوقف له استخدمات خاصة وفقا للقانون، ولا يجوز للدولة ان تتدخل فى الامر كونه غير قانوني خاصة ان مال الوقف يقصد به وقف اموال وعقارات أشخاص لأعمال خيرية فقط، مؤكدًا ان هيئة الأوقاف من المفترض أن تدير هذه الاموال فى الاغراض التي وقف من أجلها، مشددا على ضرورة تغيير القائمين على ملف الاوقاف اذا ثبت بأن هناك فسادًا بالهيئة، على ان يتولى من بعدهم اشخاص تدير هذه الاموال للغرض التي اوقفت من أجله والتي تحقق الهدف المرجو منها، وليست الهدف التي تريده الدولة. صاحبة الرأي فيما قال هشام الصوفى الواعظ بالأزهر، إن مرجع التصرف فى شئون الوقف وأصوله، فى يد وزارة الأوقاف وحدها، وهي صاحبة الحق الأصيل فى التصرف إما أن تأخذ برأي الجمهور فى عدم جواز استبدالها، أو تسير برأي الأحناف بجواز استبدالها لوجود المصلحة الراجحة، مشدداً أن شروط الواقف يجب أن تنفذ كونها تدخل تحت قول النبي "المؤمنون عند شروطهم"، وأوضح الصوفي، أن الأصل فى الوقف أنه حبسٌ للموقوف على الموقوف عليه، لما نص عليه الفقهاء من أن شرط الواقف كنص الشارع، ويجب اتباعه، حيث يجب اعتباره وتنفيذه كوجوب العمل بنص الشارع، لقول ابن نجيم الحنفى فى الأشباه والنظائر، موضحًا أن شرط الواقف يجب اتباعه لقولهم "شرط الواقف كنص الشارع" أي فى وجوب العمل به، وقول تقي الدين السبكي الشافعي فى "الفتاوى" والفقهاء يقولون: شروط الواقف كنصوص الشارع. وتابع، من طريق الأدب، أن تسير وزارة الأوقاف على شروط الواقف واعتبارها بمنزلة نصوص الشارع، فإذا كانت مخالفة للنص تقتضي نقض الحكم؛ فمخالفة شرط الواقف تقتضي نقض الحكم، غير أن العين الموقوفة قد يرد عليها ما يمنع الانتفاع بها، أو يقلله، مما يعود على أصل مقصد الوقف بالإبطال أو التعطيل، مما جعل الفقهاء يجيزون استبدال الوقف بغيره نظراً للمصلحة التي تحقق مقصده؛ فأباح الأحناف استبدال الوقف لمجرد مصلحة راجحة؛ كاستبداله بآخر أكثر ريعا منه، أو استبداله بالدراهم؛ بأن يحول الموقوف إلى أموالٍ سائلة تصرف فى مصالح الوقف. الخارج ورصدت "الأهالي" أبرز ممتلكات الأوقاف، بعدد من الدول منها اليونان والسعودية تركيا، بعدما أكد رئيس الهيئة أن ملف أوقاف مصر بالخارج تتولى إدارته جهات سيادية بشكل منفصل، بالاتفاق مع محامٍ دولي. حيث تمتلك هيئة الأوقاف المصرية، عدة اراضي ومبان فى الجزر اليونانية منها جزيرتى تشيوس وثاسوس ومدينة كافالا، حيث تضم مجمعا معماريًا ضخما يعرف باسم الإيمارت بجزيرة كفالا، وهى مقسمة الي قصر والد محمد على باشا، حيث ولد محمد على باشا فى كافالا اليونانية عام 1769، والمدرسة البحرية التى بناها محمد على عام 1847 على بحر إيجه، وقصر ومبنى بمساحة 11 ألف متر، و17 قطعة أرض، الذي تحول إلى متحف فيما بعد، والمدرسة تحولت إلى فندق وقطعتي أرض مساحة إحداهما 11700 متر مربع والأخرى 4150 مترًا مربعًا، بخلاف بساتين شجرية نادرة، وحصلت الحكومة المصرية على قرار بأن هذه الأملاك مُسجلة باسمها فى عام 1984. ومبانٍ تاريخية أخرى وأراضٍ فضاء وبساتين مثمرة، وبعض المنازل القديمة التى تم بناؤها على الطراز الفرعونى، إلى جانب أوقاف مصر بالمملكة العربية السعودية، منها وقف باكير أغا الخربوطلي ومساحته 20 ألف متر مربع بحي المسفلة بمكة المكرمة، ووقف عمر مستحفظان، ووقف "آلجلبى"، ووقف صالح باشا فريد وزوجته، ووقف محمد الخروطلي، ووقف إبراهيم بك الكبير ومساحته نحو 20 ألف متر مربع، ووقف تكية الأغوات، ووقف زين الدين القاضي، وقف «عمر مستحفظان» فى منطقة جبل عمر بمكة المكرمة، ووقف عائشة هانم صديقة حرم صالح باشا فريد بالمدينة المنورة، بعض هذه الأوقاف تم استغلالها فى توسعة الحرم المكي، وقال رئيس الهيئة أن الحكومة المصرية تعتزم التحرك دوليًا خلال شهر فبراير المقبل لإثبات ملكيتها بأوقاف تقع بمحيط الحرمين الشريفين فى السعودية. عصر محمد على فى عام 2015 كشف الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، عن امتلاك وزارته حُججًا (عقود) لأراضٍ زراعية وقصور أثرية مصرية بتركيا تعود إلى عصر محمد على باشا، ومنها وقف محمد كتخدا الخربوطلي. ونشرت جريدة الأهرام الحكومية عام 2016 وثيقة نادرة تكشف عن أملاك مصرية كانت توجد بمدينة إسطنبولبتركيا صادرة عام 1883م وتظهر مطالبة الجانب التركي بضرائب عليها فى وقت وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي. وأظهرت الوثيقة أملاك مصر فى عدة مناطق بإسطنبول تشمل ناحية "جالمجا" التي كتبتها لغة الوثيقة "جالمجة"، والتي تعد من أهم المناطق السياحية حاليًا بتركيا، حيث بها "تلة جاملجا" والتي تعد أعلى نقطة فى الجزء الآسيوي من إسطنبول حيث يُرى من خلالها مضيق البوسفور والجسر المعلق. كما ضمت الأملاك المصرية مناطق بإحدى جزر إسطنبول، وصفتها لغة الوثيقة بجزيرة البلاطي، كما تظهر الوثيقة مطالبة الجانب التركي بأموال باهظة دون مراعاة ظروف مصر التي كانت مطالبة آنذاك برد الديون التي استدانها خديوي مصر من الدول الأوروبية، وهي أحد الأسباب التي أدت إلى وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني. ساحل العاج وكشفت دراسة أجرتها منال متولي باحثة الدكتوراة بجامعة القاهرة، والتي أعدت دراسة كاملة عن أملاك مصر بالخارج ورفعتها إلى جهة سيادية، عن وجود أملاك لمصر فى دول إفريقية عديدة، وخصوصًا بساحل العاج، التي يُوجد بها مبنى يرجع تاريخه إلى قرن من الزمان، وتقدر قيمته بمئات الآلاف من الدولارات، وهذا المبنى تابع إلى شركة النصر للمقاولات، التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام. وتعمل منال متولي، حاليًا على دراسة لحصر جميع أملاك مصر فى الدول الخليجية مثل السعودية والكويت والإمارات، والمملوكة لهيئة الأوقاف، وكذلك بدول أوروبية.