* بعد أن جردت الأمة من سلطتها والحكومة الأهلية من هيبتها آمن المصريون بأن الانجليز طامعون لا مصلحون، وأخذ كل موظف يحتمي برئيس انجليزي، والعمد والاعيان يستعينون في قضاء اعمالهم بالتقرب من الانجليز. * وفي سنة 1909 أرادت الحكومة بعث قانون المطبوعات الذي كان قد صدر أيام الثورة العرابية وهو قانون بالغ القسوة علي حرية الرأي. فحملت أنا وزملائي الصحفيون علي ذلك القانون حملة قوية ولكننا لم نوفق. * وفي ذات العام (1909) ارادت شركة قناة السويس أن تمد امتيازها اربعين سنة جديدة مقابل أربعة ملايين جنيه تدفعها للحكومة المصرية، فذهبت إلي المستشار المالي الانجليزي طالبا عرض الموضوع علي الجمعية العمومية وهي اكبر هيئة نيابية ولم يوافق، وذهبت إلي رئيس الوزراء بطرس باشا فقال لي "يا لطفي انزل من السحاب لتكون معنا علي الارض" وسرت في حملتي ولكن حدث أن شركة قناة السويس هي التي طلبت عرض الموضوع علي الجمعية العمومية تلافيًا لهياج الرأي العام، وبعد ذلك في سنة 1910 كنت في زيارة علي شعراوي باشا صديقي، فدخل بطرس باشا بلا سابق موعد لأنه كان صديقًا لشعراوي باشا. وقال كنت اتمشي في الجزيرة فلاحظ شعراوي باشا انه يسير هكذا بلا حراسة فقال "قد يكون معك حق لأني منذ ايام تلقيت خطابا يهددني بالقتل" فقلت له "يا باشا اظن أن الذي يريد أن يقتل لا يهدد" وقد اخطأت الظن لأنه رحمه الله قتل بعدها بأيام. * ونعود قليلاً إلي الوراء، لنقرأ "اعلن عن تأليف حزب الأمة في 21 ديسمبر 1907 وقد تضمن منهاجه عدة مسائل منها المطالبة بالاستقلال التام وبالدستور وتوسيع اختصاص مجلس شوري القوانين ومجالس المديريات تدرجا حتي ايجاد مجلس نيابي تتمثل فيه سلطات الشعب.. واختير محمود باشا سليمان رئيسًا للحزب وحسن عبد الرازق باشا وعلي شعراوي باشا وكيلين وانا سكرتيرا عامًا. وهاجمتنا بعض الصحف قائلة إن الاستقلال التام يعني الخروج علي الباب العالي صاحب السيادة علي مصر. * وقد شجع ذلك الخديوي عباس حلمي الذي لم يكن راضيًا عن الحزب ولا عن الجريدة، وافلحت بطانة الخديوي في اقناع بعض الشركاء في شركة الجريدة، وبدأوا في المطالبة بحل الشركة ورفع البعض منهم دعوي امام المحكمة المختلطة وسددت الخاصة لخديوية رسوم الدعوي ورفع الدعوي محامي الخاصة، وكتبت مذكرة بكل ذلك واعطيتها للافوكاتو جريدن المحامي عنا، وكان الامير حسين كامل (السلطان حسين كامل فيما بعد) رئيسا لمجلس شوري القوانين فدعا رئيس الحزب وشعراوي باشا وانا وقال "أنا لا افهم انكم ترفعون دعوي علي خديوي البلاد. فقلت "يا افندينا لكن سمو الخديوي هو الذي رفع علينا الدعوي" ودخل علينا بطرس باشا واتفقنا علي أن يطلب المدعون تأجيل الدعوي لأجل غير مسمي ومازالت مؤجلة. (ص53). * ونعود إلي تداعيات طلب الاستقلال وكان الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد من المعترضين علي الاستقلال التام لأنه يعني الخروج علي الدولة العثمانية صاحبة السيادة الرسمية علي مصر فقلت له "الحزب قال الاستقلال التام ولم يقل الكامل وثمة فارق الكمال والتمام يظهر في الآية الكريمة "اليوم اكملت لكن دينكم وأتممت عليكم نعمتي" وصمت الشيخ علي يوسف"ويقول لطفي" وكنت مخطئا فالاستقلال الكامل أشمل من الاستقلال التام.. فأتممت عليكم نعمتي تعني اسبغت عليكم ولا يلزم أن تكون اكملت . ونواصل.