تأملت كثيراً وصف " المواطنون الشرفاء " الذي أطلقته كل الصحف والمواقع الإخبارية ساخرة من مجموعات اصطفت أمام نقابة الصحفيين لتمثيل دور المواطن الغاضب من الصحفيين.. ورغم مشاهدهم المؤسفة رقصاً وسباً وعبثاً والتي شاهدناها جميعاً.. ولكنهم اعتقدوا – خطأ – بأنهم يؤدون شخصيات مؤيدة للوطن أمام أعداءه، ولست ضد سخرية البعض من وصف " المواطنون الشرفاء " والذي ظهر منذ بدايات ثورة 25 يناير في مقابل "العناصر الإيثارية" كما كانت الشرطة ووسائل الإعلام المؤيدة للدولة تصف الثوار، كما تكرر ظهورهم كثيراً للإيحاء كذباً وكأن بالشارع مشهدين متعادلين .. وربماً يقفان علي نفس المسافة من القضية نفسها سلباً وإيجاباً ، ولكنني أخشي فعلاً بمرور الوقت أن نصدق أن هؤلاء – ربما المخدوعون أو المضطرون قهراً - هم فعلاً " المواطنون الشرفاء " بينما يقف في مقابلهم "المواطنون غير الشرفاء".. وقتها ليس فقط سنصدق الكذبة التى اخترعناها ، ولكن سنقف جميعاً عطشي أمام بحر الجنون . تكفي مقدمات وندخل إلي الحكاية.. وهي قصة لا أعرف سبب إهمالها – سواء عمداً أو سهواً - في تاريخنا الحديث، تاريخها يعود إلي سنة 1909.. وقتها كانت لا توجد جماعة يطلق عليها وصف "المواطنون الشرفاء" لأن الناس أيامها بطبيعة الأمور كانوا يعتبرون أى مصري لا يعرفون عنه شيئاً هو - من حيث المبدأ – شريف.. أو علي الأقل "مواطن"، وقتها كان إجمالي عدد السكان – طبقاً لإحصاء عام 1907 – نحو 11 مليوناً و200 ألف شخص، وكان يحكم مصر الخديوي عباس من خلال إحتلال إنجليزي يمثله جورست المعتمد البريطاني ، كانا متفاهمين جداً علي تقسيم الغنيمة " ثروات البلد " لدرجة أن كتب التاريخ تصف تلك الفترة ب " وفاق عباس – جورست "، شيوخ الأزهر وقتها نالهم الأذي .. وخلال 4 سنوات فقط استقال ثلاثة علماء من مشيخة الأزهر وهم علي محمد الببلاوي وعبد الرحمن الشربيني وحسونة النواوي بسبب تدخل الخديوى فى شؤون الأزهر وطلبه " تفصيل " فتاوي محددة لصالحه ، وداخلياً .. كانت الحركة الوطنية بقيادة محمد فريد هي أكثر المتضررين من الوفاق بين الخديوي و الإنجليز، لأن ذلك لم يعط فرصة لمناقشة فكرة جلاء الإنجليز عن مصر. فلجأ محمد فريد إلي وسائل آخري لزيادة الوعي لدي الشعب ، وعمل علي ضم النقابات العمالية إلي الحزب، كما أسهم في تكوين نقابة عمال الصنائع اليدوية عام 1909م ، كما عمل علي تثقيف عامة الشعب و تعليمهم في مدارس ليلية .. ولكن ظلت نسبة الأمية كبيرة جداً .. خاصة في الريف ، وقتها ظهرت تباشير أولي الجامعات المصرية وخرج انتاج أول بئر للبترول فى مصر .. كما أن هذا العام شهد أول مشروع صرف صحى فى مصر بمحافظة القاهرة وإنشاء عدد من المستشفيات .. ولكن نسبة الوفيات بسبب انتشار الأمراض والاوبئة كانت كبيرة ، الصحافة لم تكن لها نقابة أو مسموح لأصحابها بالإنضواء تحت تجمع ما يحمي مصالحهم ويدافع عنهم .. وبالطبع وسط هذا المشهد لا مجال للحديث عن قانون أو حتى مباديء يلتزم بها كل مسئول لا تعجبه أى كلمة تنشرها الصحف ، بإختصار كان الوضع العام مآساوياً .. وكان يرأس الوزراء وقتها يوسف بطرس غالي باشا .. وقبل أن نتكلم عن حكايته مع الصحافة نشير فقط لأنه كان مؤيداً لفكرة مد إمتياز قناة السويس 40 عاماً إضافية .. تخيلوا أن هذا القرار والذي رفضته الجمعية العمومية بجهود الوطنيين إذا تم اقراره ، وبفرض عدم إتخاذ قرار تأميم القناة عام 1956 .. كانت قناة السويس ستعود للسيادة المصرية في 31 ديسمبر 2008 !! وعندما كان وزيراً للخارجية صاغ ووقع على إتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان عام 1899 .. و كانت أول خطه في تقسيم السودان حيث دخل الإنجليز السودان على حساب مصر ، وقبلها لعب دورا سيئاً في حادثة دنشواي .. فقد رأس المحكمة باعتباره قائما بأعمال نظارة الحقانية وقضت بالإعدام شنقا لأربعة من الفلاحين وبالأشغال الشاقة مددا مختلفة لعدد آخر وبالجلد خمسين جلدة على آخرين، وتم تنفيذ الأحكام بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام فقط ، وبسبب تأييده التام للإحتلال الإنجليزي تعرض في عام 1910 للإغتيال علي يد إبراهيم ناصف الورداني عضو الحزب الوطني " القديم " والذي تم حله عقب ثورة 1952 .. ومن عجائب القدر أن يصبح حفيده بعد 100 عام من أركان الحزب الوطني " الحديث " والذي تم حله عقب ثورة 25 يناير 2011 .. هكذا كان حال مصر في 1909 .. وفي وسط هذه الظروف عاد قانون المطبوعات من جديد ، وكان أول قانون للمطبوعات في مصر صدر في 26 نوفمبر 1881 في عهد الخديوي توفيق ، لكن هذا القانون لم يتم العمل به حتى اشتد ساعد الحركة الوطنية خاصة بعد حادثة دنشواي وحالة الغضب التي اجتاحت الرأي العام المصري على محاكمة دنشواي ، ولذلك طلب الإنجليز من حكومة بطرس غالي ضرورة عودة قانون المطبوعات مرة أخرى ، وفى الأول من فبراير نشر مقال بجريدة "اللواء" مضمونه: لماذا تفكر الحكومة فى تقييد حرية الصحافة وجاء فيه " لعلها تريد أن تبطش بالناس بطشة سببها طلب الجلاء والاستقلال بالدستور" ، وأصدر مجلس الوزراء في 25 مارس 1909 قرارا بإعادة العمل بقانون المطبوعات الصادر في عهد الخديوي توفيق، وكان الهدف منه مراقبة الصحف ومصادرتها وإغلاقها إذا اقتضى الأمر، وكان هذا القانون لوضع القيود على الأقلام ، وقام محمد فريد بالذهاب إلى الخديوي عباس حلمي في نفس اليوم الذي صدر فيه ذلك القانون بعريضة احتجاج على ما قامت به وزارة بطرس غالي وقامت المظاهرات الرافضة لهذا التضييق والكبت لحريتها ، وكانت تظاهرات شعبية لم تقتصر على الصحفيين ، بل تشير الوثائق إلى أن عدد المشاركين في التظاهرات التي استمرت أياماً، وصل إلى 25 ألف مصري في القاهرة وحدها ، وكانت أول مظاهرة بعد ظهر يوم الجمعة 26 مارس 1909 ثم تجددت المظاهرات يوم الأربعاء 31 مارس فى حديقة الجزيرة وهتف المتظاهرون بسقوط قانون المطبوعات .. ولكن قوة البوليس فرقتهم ، وقبلها وفي حادثة تاريخية .. نشرت صحيفة " مصر الفتاة " قرار مجلس النظار بإعادة قانون المطبوعات فى صفحة مجللة بالسواد، وفى يوم الخميس الأول من أبريل حدثت معركة حقيقية من المتظاهرين وقوات البوليس بقيادة هارفى باشا حكمدار العاصمة لمدة 40 دقيقة .. وكان على رأس قادة المظاهرات الصحفي أحمد حلمي رئيس تحرير جريدة " القطر المصري " ، وهو بالمناسبة جد المبدع صلاح جاهين .. وإليه ينتسب اسم الشارع الشهير في حي شبرا ، وحوكم بتهمتي " الطعن على مسند الخديوية وفي حقوق الحضرة الفخيمة " ، و " العيب في حق ذات ولي الأمر " ، والإتهامات لا علاقة لها بالتظاهر ولكنهم نبشوا وراءه فوجدوه نشر مقالاً بعنوان " مصر للمصريين " سبق وتم نشره في إحدي صحف الأستانة ، وتم يومها إعدام العدد 37 من جريدته .. وحكم عليه بالسجن 10 أشهر ، وفي وسط هذه الأحداث أكد محمد فريد في حديثه الي جريدة " كورييه ديجيبت " مثالب هذا القانون والمآرب المخططة وراء إعادة العمل به, كما حاول الشيخ علي يوسف في مقابلة له مع الخديوي اثناءه عن هذا الاتجاه فأخفق, في الوقت الذي عارض اصداره الوزراء محمد سعيد باشا وحسين رشدي باشا وسعد زغلول باشا حتي كاد الخديوي يرجع عما أزمعه, ولكنه عاد فأحالهما علي رئيس النظار بطرس غالي الذي أبدي تمكسا به ، ومن عجائب الزمن أن المظاهرات وقتها كانت تتركز بالقرب في منطقة الجزيرة .. حيث يوجد تمثال لسعد زغلول باشا الآن .. ظل تمثال من طالب بالحرية وأنتهي ذكر من عارضها ، وفي مجلس شوري القوانين اقترح علي شعراوي باشا مؤيدا بثمانية من الأعضاء إلغاء قانون المطبوعات .. لولا الهجوم المضاد الذي قاده مقار باشا عبد الشهيد وحصل علي أغلبية للإبقاء علي القانون بغير إلغاء أو تعديل ، وبقي أن نتوقف عند اسم إبراهيم بك الهلباوي وهو أحد أعظم المحامين في تاريخ مصر .. وكان خطيباً مفوهاً يمزج بين العربية الفصحى والعامية البسيطة وقال عنه عبد العزيز البشري " عاش مدى عمره يحبه ناس أشد الحب ويبغضه ناس أشد البغض.. إلا أن هؤلاء وهؤلاء لا يسعهم جميعاً إلا التسليم بأنه رجل عبقري" ، وهذا الرجل كان محامي الإنجليز والحكومة المصرية في حادثة دنشواي .. واستخدم دهاءه لكي يجعل الحريق الذي وقع في الجُرن نتيجة رصاص الضباط الإنجليز في أثناء رحلة صيد في دنشواي ، هو حادثٌ تالٍ للاشتباك بين الفلاحين والضباط ، وكان يحاول اثبات أن الضباط الإنجليز لم يكونوا أصلاً السبب في حدوث حريق الجُرن..وأشار إلى أنه حريق متعمد اصطنعه الفلاحون ليخفوا أدلة سبق إصرارهم وتعمدهم التحرش بالضباط الإنجليز والاعتداء عليهم بالضرب ، وبسبب مرافعته العجيبة بالفعل – ويمكن لمن يريد البحث عن نصها عبر الإنترنت – صدرت قرارات بالإعدام علي ابرياء وأطلق عليه المصريون لقب " جلاد نشواي " بسبب تواطئه مع بطرس غالي باشا رئيس المحكمة ، والمدهش أنه انتدب نفسه فيما بعد عن ابراهيم الورداني الذى قام باغتيال بطرس غالي ، وهو ما جعل الوطنيين المصريين يطلبون منه الدفاع عنهم في قضية التظاهر ضد قانون المطبوعات وفى قضايا أخرى عديدة لبراعته المهنية في المحاماة، والأعجب أنها كانت القضية الوحيدة تقريباً التى خسرها رغم روعة مذكرة الدفاع التى قدمها . والآن بعدما توقفنا بتفصيل – آسف لو كان زائداً – أمام المشهد .. حان دور الكتاب التذكاري التوثيقي " مظاهرات حرية الصحافة 1909 " والذي ساهم بجهد رائع في إخراجه الأساتذة كارم يحيي وخالد السرجاني " رحمه الله " وهدي نصر الله ، وقد صدر في عام 2009 بمناسبة مئوية هذه المظاهرات ، وفيه سنرصد أبرز ما تم توثيقه عن الوقفة التاريخية التى جمعت بين " الصحفيين " و " المواطنين الشرفاء " ، نظرة سريعة عليه تكفي لاستيعاب حقيقة مهمة وهي أننا نعيش في بلد لصحافته تاريخ رائع من النضال والدفاع عن حرية التعبير .. وطوال الوقت كان هذا النضال وراؤه الصحفيون وبجانبهم كل فئات الشعب المصري ، وكما اشارت مقدمة الكتاب " وبعد مائة عام من النضال من أجل صحافة حرة ومستقلة ، نجد أننا - وبحق - ننظر للماضي ونحن نشعر بالحسرة علي الحاضر .. فكأننا نتحرك إلي الخلف " ، نعم كانت هناك اصوات خارج السرب .. فوقتها تساءلت صحيفة " الإجيبشيان جازيت " لسان حال سلطات الاحتلال البريطانى " عن هؤلاء البرابرة البوابين والسفرجية وما شأنهم بالصحافة "؟! ولكنها ظلت مجرد استثناء .. فلم يدرك الاحتلال أن عامة الشعب من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية حتى وإن كان عدد كبير منهم يجهل القراءة والكتابة ولكنهم كانوا يعرفون أن حرية الصحافة هي ملاذهم وخطوتهم الأولي للمطالبة بالاستقلال والدستور ، و كان المشهد العام اشبه بلوحات الموزاييك مختلفة التفاصيل وممتزجة المعنى .. مثلاً لو نظرنا لأهل المهنة نفسها سنجد عبد العزيز جاويش كتب مقالاً بجريدة " اللواء " يخاطب فيه قلمه .. جاء فيه " كم بلتك الليالي بالأرق والأيام بالقلق ، وكم رمتك الدنيا في سبيل هدايتهم بالمحن والفتن وأنت جميل الصبر نبيل القصد ، تسهر وهم نائمون وتجري وهم قاعدون ، فما بالك لم يزدهم نورك إلا ضلالا ..اقتربت منهم فأبعدوك وأنطقت ألسنتهم فأخرسوك وحاولت سلامتهم فكسروك وصفوت لهم فكدروك وأحييتهم فأماتوك وأنشرتهم فأقبروك ..أيها القلم تشيعك اليوم أفئدة أيقظتها وهمم أعليتها ووطنية أودعتها قلوب الطاهرين " ، أما الكتاب الكبار فحدث ولا حرج .. محمد فريد وجدي كتب قائلاً " أيها الوزراء اسمعوا .. إن ماتت الحرية اليوم فستبعث غداً " ، وكانت افتتاحية الأهرام وقتها تعليقاً علي هذا القانون تقول " أية صحافة تظل حرة في البلاد إذا كانت عرضة للإقفال والإنذار ، ومتى قتلت روح الحرية في الصحافة .. ماذا يبقي في هذه البلد ؟ فلا تطالع جريدة ولا تحادث صديقاً ولا تجالس جليساً إلا وكان موضوع الكلام واحد .. قتل الحرية .. حرية الكتابة .. حرية القول .. حرية القراءة ، وبالتالي حرية الفكر " ، وقال رئيس تحريرها – وقتها – أنطون الجميل " إن قانونكم علي الصحافة هو قشة صغيرة تلقي أمام القطار المندفع " ، وقال الشاعر الكبير حافظ إبراهيم بهذه المناسبة : كانت تواسينا علي آلامنا .. صحف إذا نزل البلاء وأطبقا وكتب أحمد محرم : صبوا المداد وحطموا الأقلاما .. وأطووا الصحائف وانزعوا الإفهاما أما أكثر ما قيل لتجسيد هذه الأحداث حماساً فجاء من مطران خليل مطران ، وأنشد : كسروا الأقلام هل تكسيرها .. يمنع الأيدي أن تنقش صخرا ؟ قطعوا الأيدي هل تقطيعها .. يمنع الأقدام أن تركب بحراً ؟ حطموا الأقدام هل تحطيمها .. يمنع العين أن تنظر شرزاً ؟ أطفئوا الأعين هل اطفاؤها .. يمنع الأنفاس أن تصعد زفراً ؟ أخمدوا الأنفاس ، هذا جهدكم .. وبه منجاتنا منكم ، فشكرا ! لكن ما يلفت النظر – بالنظر لظروف هذه الأيام – كيف ألتفت فئات الشعب المختلفة حول الصحفيين في قضية اعتبروها لا تخص هذه الجماعة المهنية فقط ولكنها قضية كل مواطن .. ونشرت الصحف وقتها برقيات ومنشورات ورسائل كثيرة تؤكد علي هذا المعني ، منها مثلاً برقية ارسلها ناظر مدرسة ثانوية لصحيفة اللواء يقول فيها " طلب مني تلاميذ مدرستي النجاح والشعب ببنها أن أحتج بلسانهم علي تقييد حرية الصحافة ..فبلسانهم أرفع هذا الاحتجاج للرأي العام المصري " ، وهناك عريضة تقول كلماتها " إن يوما يعلن فيه قانون تقييد حرية الصحافة الجائر لهو يوم أشد هولاً علي نفوسنا من وقع الصواعق ، يوم خير لنا أن نكون فيه ببطن الأرض قبل أن نشهد إعلان الضربة القاضية علي البقية الباقية من حريتنا " ، وبتأمل التوقيعات علي هذه العريضة نلحظ اسماء مثل " علي العسكري صاحب أملاك ، إبراهيم فوزي بحوش الشرقاوي ، سعيد الحناوي تاجر مني فاتورة بالظاهر ، أحمد علي بالعباسية البحرية ، الدكتور م .عبد الله ، مصطفي فؤاد تاجر بالسكرية ، حنا مينا من باب البحر ، إبراهيم العنتبلي صاحب ملك بالدرب الأحمر " ، كما أصدر فريق من الأعيان والأثرياء بيان احتجاج واضح علي تقييد حرية الصحافة والتعرض للصحفيين ، وقالوا في بيانهم " إذا كان لحكومتنا عذر في بعض الظروف فلا نتصور لها عذراً في إعدام حياة الامة رالرجوع إلي قانون المطبوعات القديم " وكان ضمن الموقعين محمود سليمان باشا وعلي شعراوي باشا ومرقس بك فهمي ومسيو جوان بروسالي المحامي ، كما نشرت الصحف رسالة من مواطن اسمه " درديري " يقول فيها " أهالي بولاق يبدون استياءهم الشديد واحتجاجهم العظيم علي الحكومة الإحتلالية لإعادتها قانون مطبوعات سنة 1881 الذي يقيد الصحافة بل الذي يعقل ويعقد لسان الأمة ووجدانها " ، كما توالت الرسائل الاحتجاحية من شيوخ وطلاب الأزهر وعمال المصانع .. ولم يقتصر ذلك علي القاهرة بل تعداه للإسكندرية والشرقية وسوهاج وغيرها ، فقد نشرت الصحف رسالة من مواطن سكندري اسمه علي سيد أحمد يقول " نحن فريق من الأمة نحتج ضد قرار مجلس النظار بتقييد حرية الصحافة والتى هي لسان الأمة ، ونعتبر الحجر عليها تقهقراً بالأمة إلي الوراء حين هي ترجو تقدمها للامام ، ونعجب من تنفيذ اقتراح فرد وإهمال طلب العموم " ، أما محمد أمين أبو العينين فكتب عن أهالي المحلة الكبري قائلاً " هذا القانون إذا تم تنفيذه لا قدر الله تكون ضربة قاضية علي المصريين " ، وعندما عوقب عبد العزيز جاويش بالسجن 3 أشهر بسبب مقال كتبه عن ذكري دنشواي .. تم عمل اكتتاب شعبي لصنع وسام للشيخ قدم له في حفل جماهيري لتكريمه عقب خروجه من السجن يوم 12 نوفمبر 1909 . كلمة أخيرة .. هذا المقال- وعذرا إذا طال كثيراً - مجرد قراءة شخصية في دفاتر قديمة، وبالتالي ليس الهدف إقناعك بشيء ما.. فقط يمكنك أن تقرأ – إذا رغبت – وتتأمل حوادث الزمن.. وتفكر فيما مررنا به خلال سنوات طويلة كافح خلالها الصحفيون والمصريون معاً من أجل حرية التعبير .. وكيف كان المشهد أمس .. وماذا اصبح اليوم، وإذا وصلت لهذه النقطة فهذه هي الغاية، أنس تماماً الأزمة الأخيرة لنقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية ومن كان المخطيء ومن المحق .. تحرر من التفاصيل وانحيازاتك المسبقة .. وشاهد الصورة من زاوية مختلفة .. حاول الإجابة علي السؤال : لماذا يحاول البعض الإيحاء بأن المواطنين في جهة بينما يقف الصحفيون في جهة مقابلة ؟ بالتأكيد لم أحلم بيوم يقف فيه القاريء بجانب الصحفي في كل شيء.. فالاختلاف مطلوب ويثري العقول، ولكنني أيضاً لم أتخيل اليوم الذي يصور فيه مخرجو المشاهد "المزيفة" وكأنهما طرفي صراع غير موجود أصلاً .. للأسف حدث ذلك بدرجة ما قبل 25 يناير 2011 وكانوا يعتبرونها وقفة "الوطني" أمام "المارق".. ثم حدث بعد 25 يناير وصوره البعض وكأنه مواجهة " الحق " أمام " الباطل ".. وحدث بالأمس وروج له البعض وكأنه انتفاضة غضب " الشرفاء " أمام " أعداء الوطن " .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.