مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء    محافظ الإسماعيلية يوافق على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني    حماس ترفض زيارة الصليب الأحمر للأسرى في غزة    وسائل إعلام أمريكية تكشف تفاصيل الاتفاق بين واشنطن وتل أبيب على اجتياح لبنان    ناصر منسي: هدفي في السوبر الإفريقي أفضل من قاضية أفشة مع الأهلي    ضبط نسناس الشيخ زايد وتسليمه لحديقة الحيوان    انخفاض الحرارة واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء    أحمد عزمي يكشف السر وراء مناشدته الشركة المتحدة    صحة دمياط: بدء تشغيل جهاز رسم القلب بالمجهود بالمستشفى العام    للمرة الأولى.. مجلس عائلات عاصمة محافظة كفر الشيخ يجتمع مع المحافظ    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    بعد 19 عامًا من عرض «عيال حبيبة».. غادة عادل تعود مع حمادة هلال في «المداح 5» (خاص)    «إيران رفعت الغطاء».. أستاذ دراسات سياسية يكشف سر توقيت اغتيال حسن نصر الله    كيفية التحقق من صحة القلب    موعد مباراة الهلال والشرطة العراقي والقنوات الناقلة في دوري أبطال آسيا للنخبة    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    ضبط نصف طن سكر ناقص الوزن ومياه غازية منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    الرئيس السيسي: دراسة علوم الحاسبات والتكنولوجيا توفر وظائف أكثر ربحا للشباب    الأمن القومي ركيزة الحوار الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    كيف استعدت سيدات الزمالك لمواجهة الأهلي في الدوري؟ (صور وفيديو)    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    تم إدراجهم بالثالثة.. أندية بالدرجة الرابعة تقاضي اتحاد الكرة لحسم موقفهم    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أإلى دين "الوردانى" أنتم تدعون !!! .. بقلم : رئيس التحرير
نشر في الإسماعيلية برس يوم 09 - 00 - 2013

من المؤكد أن التفجير الذى إستهدف إغتيال اللواء / محمد إبراهيم وزير الداخلية المصرى بالأمس سيكون حديث الساعة وحديث اليوم والغد على المستوى الشعبى والسياسى والإعلامى.
فمنذ اللحظة الأولى التى تم فيها إذاعة الخبر والكل تحول إلى محلل أمنى ومخابراتى مخضرم كالعادة ، ففريق إتهم جماعة الإخوان بدون تفكير وبدون أن يعلم حتى تفاصيل الواقعة ، وفريق آخر إتهم الجماعات التكفيرية ، وفريق ثالث إتهم حماس ، وفريق رابع إتهم النظام بإفتعال الحادثة لأهداف ما ، وفريق خامس إدعى بأن هناك ظباط شرطة منشقون هم من قاموا بهذه الفعلة ... الخ.
وبغض النظر عن الفاعل وأهدافه ومن وراءه ، وبغض النظر عن فيروس "شارلوك هولمز" والذى أصاب الجميع ، ولكننى أصبت بحالة من التقزز من الأسلوب الإعلامى القذر فى إستثمار هذه الحادثة وحالة المصابين بها لخدمة أهدافه وخصوصاً حالة الطفل الذى قطعت قدمه ، وأقصد هنا كل الإعلام.
وأنا لن أتحدث عن هذه الواقعة ولن أحللها كالآخرين وسأنتظر ما ستسفر عنه التحريات الأمنية وما سينطق به القضاء أخر الأمر للتاريخ فهو الحَكَم الفصل.
ولكننى سأتحدث عن عقيدة العنف السياسى والإغتيالات السياسية بغض النظر عن أيديولوجية فاعلها إن كانت دينية أو ليبرالية ودور الإعلام فيها ، وسأذكر حادثة مشابهة تعتبر أول جريمة إغتيال سياسى مصرية خالصة فى تاريخ مصر الحديث ، وأيضاً ما عاصرها من حوادث سياسية فيها شبه كبير بما يحدث فى مصر الآن.
وبالتأكيد من سيتأمل فى هذه الحادثة سيكتشف بأن إنخداع الشعب المصرى بالألاعيب الإعلامية لم يتغير برغم مرور حوالى قرن من الزمان عليها ، ولم يستطع هذا الشعب حتى الآن برغم مروره بالكثير من التجارب السياسية أن يفرق إعلامياً بين العمل الوطنى والجريمة السياسية.
وبطلى هذه الحادثة هما : بطرس باشا نيروز غالى رئيس وزراء مصر فى أخر سنتين من العقد الأول للقرن العشرين ، والشاب المصرى إبراهيم أفندى ناصف الوردانى عضو الحزب الوطني فى حينه.
وهما لم يكونا من أرازل الناس أو أفقر الناس أو أجهل الناس ، وأوجه كلامى هذا لمن يدعوا بأن العنف السياسى سببه الرئيسى هو الفقر والجهل والإحساس بالدونية.
فبطرس باشا غالى هو أول قبطى يحصل على لقب الباشوية - وحصل عليه بسبب وساطة الزعيم أحمد عرابى - وكان غالى فى تلك الفترة وهى عام 1910م يتقلد منصب رئيس الوزراء وأيضاً منصب وزير الخارجية ومنصب وزير العدل أو ناظر الحقانية كما كان يطلق عليه فى تلك الأيام والجمع بين أكثر من منصب مع رئاسة الوزراء كان أمر شائع فى تلك الفترة.
أما الشاب إبراهيم أفندى ناصف الوردانى فقد تلقى علومه في المدارس المصرية حتى نال البكالوريا ، ثم سافر إلى سويسرا لدراسة الصيدلة في كلية لوزان حيث عاش بها عامين بدءاً من سنة 1906م ، ثم سافر إلى إنجلترا وقضى بها عاما حصل خلاله على شهادة في الكيمياء ، ثم عاد إلى مصر في يناير 1909م ليمارس الصيدلة في صيدلية إمتلكها في حي عابدين ، وكان عضواً في الحزب الوطني ، وكان له إرتباط بجمعية مصر الفتاة ، وبعد عودته لمصر أسس جمعية أطلق عليها إسم : "جمعية التضامن الأخوي".
وربما إسم هذه الجمعية وهو "التضامن الأخوى" يشد إنتباه البعض ، ولكن بالتأكيد ما سيصيبهم ويصيب غيرهم بالدهشة والصدمة معاً هو أوجه الشبه والتقارب الشديد بين إسم وطقوس هذه الجمعية وجمعية أو جماعة أخرى سيتم تأسيسها بعد هذا التاريخ بحوالى 16 عاماً.
فقد ذكر محمد الجوادى فى كتابه "مذكرات قادة العمل الوطني السري والاغتيالات السياسية" : عن كيف كان العضو الجديد قبل الانضمام إلى (جمعية التضامن الاخوي) السرية يكتب وصيته ثم يؤدي "البيعة" في مكان مجهول يذهب إليه وهو معصوب العينين ويظل كذلك وهو يجيب عن أسئلة توجه إليه ثم يضع يده على المصحف والسيف ويقسم على الاخلاص والسرية "وإلا كان جزائي الإعدام" ، وبعد خروجه من المكان المجهول ترفع العصابة عن عينيه.
ويرى الجوادى أن في طقوس البيعة إرهاصاً شديد الشبه ببيعة الإخوان المسلمين التي إشتهر أمرها بعد ذلك ، وكانت (البيعة) تشي بالتأثر ببعض ظلال الماسونية في فكر العمل السري.
وربما يكون حسن البنا قد إستلهم إسم وفكر جماعته من جمعية "التضامن الأخوى" وأفكار إبراهيم الوردانى ، لإن إبراهيم الوردانى إستمر لعدة عقود بطلاً قومياً فى ذهن غالبية الناس البسطاء .. وإذا صدق هذا الظن فيمكننا حينها أن نطلق على إبراهيم الوردانى بأنه الآب والمؤسس الروحى لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات العنف السياسى مع إختلاف أيديولوجيتها والتى إتخذت من الإغتيالات السياسية منهجاً لها.
وما تعجبت له فعلاً هو أن إبراهيم ناصف الوردانى كانت له صفحة بإسمه فى موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين وتم حذفها فى فبراير 2012 ولا يُعلم ما هو سبب إضافتها أو حتى سبب حذفها.
وما إستنتجته أنا من القصة بعد قراءتها من جميع مصادرها حتى المتعارضة منها بأن بطلى القصة كانا شخصين وطنيين غيورين على وطنهما فلم يكن بطرس باشا غالى خائناً وأيضاً لم يكن إبراهيم الوردانى خائناً ولكن كان الأول مسلوب القرار والثانى مسلوب الإرادة ومغيب فى ظل دولة مهترأة ومحتلة يحكمها نظام حكم ضعيف وهش.
ولكن ما فعله إبراهيم الوردانى بإغتياله لبطرس باشا غالى قد سن سنة جديدة وإبتدع بدعة جديدة وأسس عقيدة سياسية جديدة لم يعرفها الشعب المصرى سابقاً ، ومن المؤكد أن جميع من إتخذوا العنف منهجاً سياسياً بعد ذلك قد إستلهموه من فعلة الوردانى والتى صفق لها غالبية الأبواق الإعلامية حينها وإعتبروها عملاً وطنياً وبطولياً ، وللأسف فما زال كثير من الناس حتى اليوم يعتبرون فعلة الوردانى عملاً وطنياً يستحق عليه الإشادة.
وإعلام اليوم بكل توجهاته دينية كانت أو ليبرالية يلعب الآن أقذر أدواره لإحياء سنة وعقيدة "الوردانى" ليس حباً فى هذه العقيدة ولكن بهدف الوصول إلى مكاسب سياسية لبعض الأشخاص ، وأكاد أجزم بأنه لن يحقق شيئاً وأن الكل خاسر إن لم تتوقف هذه المهزلة الإعلامية.
ويجب بألا ننسى بأن ما فعله الوردانى قد أصاب حينها الحراك الوطنى بالشلل وكاد يودى بمصر إلى هوة سحيقة من حرب أهلية وشبح التقسيم والذى نخشاه حتى اليوم لولا موقف بعض الأقباط ، وهذا ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن العنف مهما كانت أيديولوجيته هو العدو الأول للإستقرار السياسى.
ونعود للقصة وهى بإختصار أن بطرس باشا غالى قد تقلد منصب رئيس وزراء مصر ووزير الداخلية فى فترة دقيقة وعصيبة من تاريخ مصر وقد وقع فى عدة أخطاء من وجهة نظر البعض ، وبسبب تلك الإخطاء لم يكن محبوباً من شرائح عديدة من الشعب المصرى مسلميه ومسيحييه.
وخلال العامين اللذين تقلد فيهما منصبه من عام 1908 حتى إغتياله فى 1910 كان الحراك الوطنى فى أوج إشتعاله والإحتلال الإنجليزى كان يتعمد دق أسافين لإشعال فتنة طائفية وكان له كثير من العملاء المنتشرين فى كل موقع حتى داخل الحراك الوطنى نفسه ، كما كان لتركيا وفرنسا عملاؤهما أيضاً ، وظهر إبراهيم الوردانى حينها فى صورة الوطنى المتحمس الغيور على وطنه.
وبسبب الأزمة الإقتصادية الطاحنة التى كانت تمر بها البلاد كان رئيس الوزراء بطرس باشا غالى يجتهد لإخفاء مشروع مد إمتياز قناة السويس عن الصحافة والحركة الوطنية حتى يقوم بتمريره دون أي ضجة من الرأي العام المصري ، ولذلك ظل هذا المشروع محل تكتم مدة عام كامل.
وكان هذا المشروع يهدف لمد إمتياز قناة السويس أربعين عاماً أخرى ، وذلك مقابل مبلغ من المال تدفعه الشركة صاحبة الإمتياز إلى الحكومة المصرية إلى جانب نسبة معينة من الأرباح تبدأ من سنة 1921م حتى 1968م .
وكاد بطرس باشا غالى ينجح فى تحقيق غرضه لولا أن رئيس الحزب الوطنى محمد فريد إستطاع الحصول على نسخة من مشروع القانون وقام بنشرها في جريدة اللواء في أكتوبر 1909م.
وبدأت حملة من الحركة الوطنية وعلى رأسها الحزب الوطني في تعبئة المصريين ضد هذا القانون ، خاصة أن إعطاء الإمتياز كان يعني أن تترك الشركة القناة للمصريين سنة 2008م.
وطالبت الحركة الوطنية بعرض مشروع هذا القانون الذي رأته خطيراً على الجمعية العمومية لأخذ رأيها فيه وكان معنى ذلك هو حشد الأمة المصرية ضد هذا القانون.
وقد وافق الخديوي عباس حلمي على ذلك وتم تحديد يوم 10 فبراير 1910م لإنعقاد الجمعية العمومية لمناقشة المشروع.
في تلك الجلسة حضر إبراهيم ناصف الورداني وكان من أعضاء الحزب الوطني ، وتأثر بما دار من مناقشات في تلك الجلسة وخرج منها عازماً على وضع حد ونهاية لمشروع هذا القانون يتلخص في إغتيال بطرس غالي.
وقد قام إبراهيم الورداني بإغتيال بطرس غالي أمام وزارة الحقانية "العدل" في الساعة الواحدة ظهرا يوم 20 فبراير 1910م ، حيث أطلق عليه الورداني ست رصاصات أصابت إثنتان منها رقبته.
وبعد الإغتيال قرر الجناب العالى تشييع جنازة بطرس باشا غالى فى اليوم التالى للحادث فى إحتفال رسمى على نفقة الحكومة وأن يسير المشهد يوم الثلاثاء فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً من مستشفى ملتون بباب اللوق إلى الكنيسة المرقسية ومنها إلى دير أنبا رويس ، وقد بدأت مراسم الجنازة بحمل النعش من الكنيسة إلى المدفن بعربة يجرها ثمانية من الجياد وإثنتى عشرة عربة مملوءة بأكاليل الزهور.
وبكّر الناس فى صباح يوم الثلاثاء إلى الأحياء التى تسير منها جنازة فقيد مصر حتى خلت المنازل والقصور من سكانها وتعطلت كل الأعمال والسيارات وعربات الترام وأغلقت المصارف المالية ونكست الأعلام على جميع المبانى الأميرية والقنصليات وفى كل مكان ، وأخذت الأجراس تدق ، وفى منتصف الساعة الحادية عشرة شيعت الجنازة فى موكب لم تر له مصر مثيلاً حتى فى وفيات ملوكها وأمرائها.
وتقدم الموكب فرسان البوليس المصرى فرجال المدفعية الإنجليزية فرجال الجيش المصرى فكبار ضباط الإنجليز والمصريين فى الجيش المصرى فتلاميذ المدرسة الحربية فشمامسة الكنيسة المرقسية الكبرى ، وفى حضور كل من السير ألدون جورست والسير بول هارفى المستشار المالى ومحمد سعيد باشا وحسين باشا رشدى.
وكان فى مقدمة المشيعين جميع الوزراء ودولة الأمير محمد على بالنيابة عن الجناب العالى والأمير حسين كامل (السلطان فيما بعد) والأمير كمال الدين حسين ورؤوف باشا المعتمد العثمانى فى مصر ومصطفى باشا رياض.
ونزل النعش محمولاً على أيدى عساكر البوليس ، حيث كانت عربة من عربات المدافع المصرية يجرها ستة جياد واقفة بالإنتظار.
وكان الجيش الإنجليزى قد أرسل عربة أخرى من عربات مدافعه لنقل الفقيد فشكر أهل الفقيد وإعتذروا بوجود العربة المصرية ، ثم لُف النعش بالعلم المصرى ووضع على المركبة وفوقه سيف الفقيد ونيشانه العثمانى ، ومشى على جانبها حاجبان يحملان نياشين الفقيد العديدة ومن ثم واروه التراب بين جمع غفير ، وتقدم من حاملى أبسطة الرحمة التى يبلغ عددها الخمسة الأمير محمد على نيابة عن الخديوى عباس حلمى الثانى ، وبعد الصلاة وقف نيافة الأنبا لوكاس مطران قنا مؤبناً الفقيد.
وقد قام الخديوى بتعزية أبنائه وأخيه أمين باشا غالى فى بيتهم بعد الوفاة ، وهى المرة الأولى التى يقوم فيها الخديوى بزيارة منزل أحد المصريين تقديراً منه لدور بطرس غالى.
وبعد الحادث صرح إدوارد جراى وزير الخارجية البريطانى فى مجلس العموم بأن "الموقف فى مصر عقب اغتيال بطرس غالى غير مرض وأن إنجلترا يجب أن تظهر فى مصر القوة وأنه إذا استمرت موجة العداء ضدنا فلن نمضى قدماً فى تهيئة المصريين لحكم أنفسهم فنحن فى مصر أوصياء على أبناء مصر وأوصياء عن أوروبا وأوصياء عن العالم.
كما أشار المعتمد البريطانى ألدون جورست فى تقريره السنوى إلى تاريخ بطرس غالى فى حياة مصر قائلاً: "ومن غرائب الأقدار أن تقع الضربة التى نجمت عن تحريض أولئك الذين يلقبون أنفسهم بالوطنيين على أول رجل من صميم المصريين بلغ أرفع منزلة فى خدمة بلاده.. تقلد منصب الوزارة فى سنة 1893 فعين ناظرًا للمالية وفى السنة التالية عين ناظرًا للخارجية وبقى فيها إلى يوم وفاته
ولما إعتزل مصطفى باشا فهمى رئاسة مجلس النظار فى نوفمبر 1908 كلفه الخديوى فألف الوزارة التى انتهت على غير انتظار بوفاته وأرانى فى غنى عن تعداد الخدمات الجليلة التى خدم بلاده بها ووصف الولاء والأمانة اللذين أظهرهما فى أحوال صعبة ومآزق حرجة فإن ذلك كله معروف ومشهور فموته الآن خسارة على مصر لا تعوض ، وسينقضى زمان طويل قبل أن يجد الخديوى خادماً يفوقه إخلاصاً ومقدرة وولاء.
أما بطرس باشا غالى فقد كانت آخر كلماته قبل رحيله : "يعلم الله أنى ما أتيت أمرًا يضر ببلادى .. لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفى وما كان يمكن أن أعترض.
ثم قال: "ويسندون إلى حادث دنشواى ولم أكن منها ولا هى منى ولكنها أقوال سادت فأساءت .. إن هى إلا غباوة ضعيف صارت وقوة قدير بطشت فتوسطت بينهما كما توسط المصلح بين المتخاصمين فنالنا من شرها ما نال".
ثم قال : "أما عن قانون المطبوعات فهذا عهد كونه لم ينفذ وإنه من اختصاص نظارة الداخلية".
وأضاف : "أما أعمالى فى المحاكم فليس فيها ما يؤخذ على لذلك تفضل على المنتقدون فضربوا عنها صفحاً وكذلك مجالس المديريات وحضور النظار مجالس الشورى وتبادل الآراء بين النظار والأعضاء .. كل على قدر وسعة واختياره وعلمه وفضله".
ثم سكت بطرس باشا وردد آخر كلماته مع خروج روحه : "فليعلم الله والناس أنى ما أوتيت فى ذلك ما يضر بلادى".
وفى تصريح لشيخ الأزهر عقب اغتيال بطرس غالى قال : "إن ذلك المسيحى عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر على عمله كثير منهم".
وقد تبارى الشعراء فى رثاء الفقيد خاصة أمير الشعراء أحمد بك شوقى ، الذى رثى الفقيد بقصيدة مطلعها : "قبر الوزير تحية وسلاماً.. الحلم والمعروف فيك أقاما .. ومحاسن الأخلاق فيك تغيبت .. عاماً وسوف تغيب أعواما .. قد كنت صومعة فصرت كنيسة .. فى ظلها صلىّ المطيف وصاما .. القوم حولك يا ابن غالى خشع .. يقضون حقا واجبا وزماما .. والرأى للتاريخ فيك ففى غد .. يزن الرجال وينطق الأحكاما".
وبالنسبة لمحاكمة إبراهيم الوردانى فقد إجتمع مجلس النظار عند الخديوى إلى منتصف الساعة الثامنة مساء بعد الحادث ، وكان التحقيق آنذاك قد بدأ فى قسم عابدين ، فكان ناظر الحقانية ينتقل بين القسم والقصر لينقل تطور التحقيق ، وفى الساعة التاسعة مساء عاد الخديوى إلى قصر القبة وإلى جانبه طبيبه كاوسكى بك.
أما التحقيق فقد استمر فى القسم وتولته فى بادئ الأمر ثلاث هيئات : (الهيئة الأولى مكونة من ناظرى الداخلية والحقانية والحكمدار) وكانت تقوم بسؤال المتهم وخادمه ، وبعض ذوى قرباه والمتصلين به ، والهيئة الثانية مكونة من رئاسة مأمور الضبط بمحافظة العاصمة المسيو فيليبدس بك ، وكانت تدرس الأوراق التى ضبطت فى بيته ، والهيئة الثالثة مكونة من رئاسة بدر الدين بك مدير الضبط بنظارة الداخلية وكانت تقوم بسؤال الذين وردت أسماؤهم فى تلك الأوراق.
وعندما ألقى القبض على الوردانى، وقد قيدوه بحبل من ذراعيه ويديه وأدخلوه فى إحدى غرف النظارة ووجدوا فى جيوبه أربع وعشرين رصاصة ، وخمسة وسبعين قرشًا وساعة فضية ، وقبل أن يفتح معه محضر التحقيق الرسمى ، سأله وكيل الحقانية : لماذا فعلت فعلتك بالباشا، فأجاب غاضبًا: "لأنه خائن للوطن، وأنا غير نادم على فعلتى".
وكان الوردانى يسير والقيود فى يديه رافع الرأس رابط الجأش كأنه لم يرتكب شيئاً .. وذكر فى التحقيق الابتدائى أنه لم يؤلمه شىء إلا ضرب حسين رشدى باشا له إذ لم يكن يظنه يقبح (عملاً وطنياً) مثل عمله.
وإعترف الوردانى فى بداية التحقيق بأنه قتل المجنى عليه لأنه خان وطنه وكان مصمماً على قتله من أشهر بعيدة ، ولكنه لم يتعمد إنفاذ فكرته إلا عقب إعلان الاتفاق الجديد مع شركة قنال السويس ، وعدد من خيانته أن الأسباب التى دفعته إلى التفكير فى قتله، منها قبوله رئاسة محكمة دنشواى ، وتوقيعه اتفاقية السودان ، وإخراجه قانون المطبوعات ، وإهانته مجلس الشورى والجمعية العمومية ، وذكر فى أقواله أنه ليس متصلاً بإحدى الجمعيات الفوضوية لأن مبدأ الفوضوية هو التخريب وهو ضد مبدئه فهو دستورى محب للنظام .. وهذا المبدأ هو الذى جعله يرتكب هذه الجريمة لأنه فى البلاد الدستورية يجب سقوط الوزارة وتخليها عن الأعمال متى فقدت ثقة مجلس النواب لها ، أى أن الأمة لا تريدها.
وفى يوم 3 مارس فى التحقيق كتب الوردانى إقراراً بخط يده جاء فيه : "أنا الذى قتلت بطرس باشا كبير الوزراء المصريين فى يوم الأحد الساعة واحدة إفرنجى مساء لاعتقادى أن الرجل خائن لوطنه وأن سياسته ضارة لبلاده ، ولست أسفاً على ما ارتكبته لأنى أرى ذلك خدمة فى بلادى".
فرد عليه فتحى زغلول باشا شقيق سعد زغلول قائلاً : "يا مسكين لو عرفت أنه أكبر وأصدق وطنى فى خدمة البلاد ما فعلت فعلتك" .. ثم تولى النائب العام تحقيقه مع إبراهيم الوردانى ، وكان النائب العام آنذاك هو عبدالخالق ثروت باشا.
ذكر الوردانى أنه القاتل الوحيد دون أن يشترك معه أحد وأنه يوم السبت قبل الحادث كان مع كل من شفيق منصور وصادق سعد ، وكانت وجهته النادى لمقابلة الدكتور حافظ عفيفى.
وحينما ووجه بسؤال عن طبيعة الحديث الذى دار بينه وبين شفيق منصور وصادق سعد أجاب بأنه كلام عادى وأقسم بالله العظيم وبأغلظ الأيمان أنه لم يتكلم مع أحد بما كان مصمماً عليه .. وقال إنه توجه ليلة السبت 19 فبراير أيضًا إلى النادى لتجهيز بعض الأوراق الخاصة بلجنة الإرساليات العلمية.
وقد تولى النائب العمومى ثروت باشا التحقيق وسأل عدة أشخاص ممن كانت لهم علاقة بالوردانى ، ممن وجدت صورهم وأسماؤهم معه أثناء القبض عليه ، فضلاً عما كان معه من أوراق تخص الحزب الوطنى أو أشخاصاً فيه وكان فى مقدمة هؤلاء محمد فريد والذى قرر: "أنه عرف الجانى منذ سنة 1906 فى جينيف حيث كان أمينا عاماً لصندوق جمعية الطلبة المصريين بها، وأن هذه الجمعية أسست لمساعدة الطلبة المصريين الذين يفدون إلى جينيف".
"وقد خلت مذكرات محمد فريد ، رئيس الحزب الوطنى ، من هذا الحادث وقت وقوعه ، وهذا إن دل يدل على الصدمة التى لحقت بالحزب من جراء وقوع هذا الحادث الضخم وبعيد الأثر فى حياة البلاد والذى كاد يفرق وحدتها إلى دهر من الزمان لولا أن كانت ثورة 1919 فجمعت شمل المسلمين والأقباط كأوثق ما يكون"
وإذا كان القاتل من شباب الحزب الوطنى فقد تشعب التحقيق ، واتجهت تهمة الاشتراك فى الجناية إلى لفيف من شباب الحزب ، وقبض على كثيرين منهم ثم أفرج عن بعضهم.
فى الثالث عشر من مارس 1910، أذاع عبدالخالق ثروت النائب العمومى قرار الإتهام فى قضية الوردانى التى حملت قضية الجناية رقم 14 عابدين 1910 وأقامت النيابة الدعوى العمومية على "إبراهيم ناصف الوردانى" ، وعلى ثمانية بتهمة المشاركة فى الجريمة ، بإعتبارهم جميعاً أعضاء فى جمعية من مبادئها إستعمال القوة فى الوصول لأغراضها، وأن جريمة القتل كانت نتيجة محتملة لهذا الإتفاق، وهم :
1- إبراهيم ناصف الوردانى - 25 سنة – كيماوى ومقيم فى مصر.
2- على أفندى مراد – 24 سنة – مهندس رى بالفيوم.
3- محمود أفندى أنيس – 28 سنة – مهندس رى بالمنيا.
4- شفيق أفندى منصور -22 سنة - طالب بمدرسة الحقوق.
5- عبده أفندى البرقوقى – 24 سنة - طالب بمدرسة الحقوق بمصر.
6- عبدالعزيز أفندى رفعت - 23 سنة - مهندس تنظيم.
7- عبدالخالق أفندى عطية – 24 سنة - محام.
8- محمد أفندى كمال – 22 سنة - طالب بالمهندسخانة.
9- حبيب حسن أفندى – 25 سنة – مدرس بمدرسة خليل أغا.
وإعتبرتهم النيابة شركاء فى الجريمة المذكورة آنفاً طبقاً لنص المواد 194، 40، 43 من قانون العقوبات – وأكدت أنهم أعضاء مع المتهم الأول فى جمعية من مبادئها إستعمال القوة فى الوصول إلى أغراضها ، وبذلك يكونون قد إتفقوا على استعمال القوة فى تنفيذ تلك الأغراض وأن جريمة القتل التى إرتكبها المتهم الأول هى نتيجة محتملة لهذا الإتفاق ، "لذلك تطلب النيابة من حضرة قاضى الإحالة أن يحيل المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد الآنف ذكرها".
وفى 21 مارس 1910 أحيل المتهمون جميعاً إلى قاضى الإحالة بمحكمة مصر الأهلية متولى بك غنيم ، وقد نظرت القضية أمامه ، وصدر القرار ببراءة الأشخاص الثمانية من تهمة الإشتراك فى قتل بطرس غالى وقصر التهمة على الوردانى.
وقال القاضى إن الأوجه التى حددها القانون للإشتراك فى الجريمة لم تتوافر فى هؤلاء الثمانية ، فضلاً عن ذلك، فإنه ثابت أن أعمال الجمعية وقفت منذ شهر يونيو 1909، أى قبل وقوع الجريمة بسبعة أشهر تقريباً ، ولم يثبت حصول مراسلة بين أعضائها أو إجتماع منهم بخصوص العمل بإتفاقهم فى غضون تلك المدة بل ثبت العكس اشتغال المتهمين بأعمالهم الشخصية دون غيرها ، فإنه ثابت من إعتراف المتهم الأول الإعتراف الصريح الذى ثبت عليه من أول التحقيق إلى منتهاه أنه ارتكب جريمته وحده دون علم رفقائه وبأسباب معينة وهى إمضاء المجنى عليه على إتفاقية السودان وإعادة قانون المطبوعات وسعيه فى تجديد إمتياز قناة السويس.
وقرر القاضى ثانياً : إحالة إبراهيم أفندى ناصف الوردانى إلى محكمة جنايات مصر المحدد لإنعقاد دورها يوم السبت الثانى من أبريل 1910 لمحاكمته بمقتضى المادة (194) عقوبات ، وجاء فى قرار القاضى إستمرار حبس المتهم على ذمة هذه القضية وقد أفرج عن المتهمين الآخرين بعد دخولهم السجن بنصف ساعة.
وتولى الدفاع عن المتهمين أحمد بك لطفى، وإسماعيل شيمى بك، ومحمود بك فهمى حسين، محمد على علوبة بك، والأستاذ محمود بسيونى، أحمد عبد اللطيف بك، والأستاذ مصطفى عزت ، أما الوردانى فقد وجهت إليه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهى جريمة عقوبتها الإعدام، وحوكم أمام محكمة جنايات ، وكانت برئاسة المستر دلبروجلى وعضوية أمين بك على، وعبد الحميد بك رضا المستشارين ، وجلس فى كرسى النيابة عبد الخالق ثروت باشا، النائب العام، وتولى الدفاع عن المتهم كل من أحمد بك لطفى ، وإبراهيم بك الهلباوى، ومحمود بك أبوالنصر.
وتركز دفاع المحامين فى البحث عن السبب الذى أدى إلى وفاة بطرس أنه بعد موت بطرس لم تجر عملية تشريح له لمعرفة سبب الوفاة ، فدفع المحامون بأن وفاة بطرس غالى لم تنشأ مباشرة عن رصاص مسدس الوردانى ، ولكن عن العملية الجراحية التى أجريت له بالمستشفى على إثر الحادثة والتى لم تكن ضرورية وأنها هى التى أدت إلى وفاته.
وقد كثر القول فى تأييد هذا الرأى حتى إن المحكمة نفسها رأت أنه من الضرورى أن تطلب النظر فى الأمر من قبل لجنة طبية خاصة ومؤلفة من طبيبين إنجليزيين وطبيب مصرى.
وقد انقسمت أراء هذه اللجنة فكان من رأى الطبيبين الإنجليزيين أن الجراح التى نشأت عن عمل الوردانى جراح قاتلة ، فى حين أن الطبيب المصرى قرر أنه لولا العملية التى لم تكن هناك حاجة لها لظل بطرس باشا على قيد الحياة ، وتأجلت القضية لجلسة 12 مايو لتقدم اللجنة تقريرها.
ولم يكن أمام المحامين نقطة أخرى يبنون عليها دفاعهم ، فالمتهم كتب إقراراً بارتكابه الجريمة بخط يده.
وأصدرت المحكمة حكمها بتاريخ 18 مايو 1910 برفض ما طلبه الدفاع من إحالة المتهم إلى لجنة طبية لمراقبته حيث ثبت فى يقين المحكمة سلامة قواه العقلية ، وثانياً إرسال القضية لفضيلة مفتى الديار المصرية ، ورفع محامو الوردانى طعناً على هذا الحكم أمام محكمة النقض التى رفضت نقضه.
وقد قام عبدالخالق باشا ثروت الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق فى القضية ، وقد ذكر فى مرافعته أن : "الجريمة المنظورة أمام المحكمة هى جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية ، وأنها بدعة ابتدعها الوردانى بعد أن كان القطر المصرى طاهراً منها ثم طالب بالإعدام للوردانى".
وفى الساعة الخامسة والدقيقة 45 دخل وكيل المحافظة والحكمدار وطبيب السجن ومأموره إلى سجن الاستئناف وذهبوا إلى غرفة الإعدام ثم جىء بإبراهيم ناصف الوردانى ووضع الحبل فى عنقه الساعة الخامسة والدقيقة 50 ، وتلا عليه مأمور السجن حكم الإعدام فقال الوردانى : "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الحرية والاستقلال من آيات الله" .. ثم قابل الموت بجأش ثابت ثم فتحت الهوة فهوى ، وبعد قليل حمل إلى غرفة التشريح وشرحت جثته حسب العادة وغسل وكفن وسارت عربة السجن تواً إلى مقابر الإمام الشافعى يحرسها بعض رجال البوليس السرى من راكبى الدراجات ، ودفنت فى مقابر عائلته.
وقد منع الجمهور ومندوبو الصحف من مشاهدة تنفيذ الحكم ، فكان من وراء ذلك أن أصبح الوردانى أول شهيد وطنى ، واضطر البوليس إلى أن يجتهد لمنع التجمهر حول قبره.
وعن المحاكمة المذكورة، فلقد رفض المفتى الأكبر لأسباب شرعية وهى الفتوى الفقهية التى تنص على "عدم جواز قتل مسلم بكافر" أن يصدر الفتوى الضرورية فى المصادقة على الحكم بالإعدام ، ولكن تم تجاهل تلك الفتوى وأعدم الوردانى سراً إتباعاً لخطة وضعها اللورد كرومر.
وكتب الشيخ علي الغاياتي (1885-1956) قصيدة في ديوانه (وطنيتي) لرثائه تبدأ بقول : ماذا جرى في ساحة الديوان .. قتل الخئون مسدسُ الورداني ، وصدر الديوان بمقدمة للزعيم محمد فريد (1868-1919) والتي أدت به للسجن حيث أتهم بالتحريض على القتل والإزدراء بالحكومة وتحبيذ الجرائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.