هو الحفيد وهي الجدة، هو المخرج الذي من المفترض أن يبحث عن الأحداث المثيرة والوجوه الشابة لكي يقدمها فى أفلامه، لكن (هادي ذكاك) بحث حوله، وتوقف عند جدته، وقرر أنها تستحق أن تكون بطلة لفيله الجديد، الذي سماه (ياعمري) تيمنا بصفة تخلعها الجدة على أحبائها وأقاربها المحيطين، وهم غالبا أبناؤها وبناتها وأزواجهم والأحفاد.. فى (ياعمري) صنع هادي من جدته " حالة " وظل يدور حولها طوال الفيلم محاولا الإمساك بالزمن ومافيه من ملامح وأحداث ومناسبات عاشتها الجدة (هنريت) على مدى 102 عام هو عمرها وقت تصوير الفيلم عام 2012 وقبل أن ترحل الجدة ومعها كل هذا التاريخ الحافل بكل ما يمكننا تخيله من مشاهد وأسرار عائلية، ومن مشاهد وأسرار اجتماعية، ومثلها سياسية وإنسانية فى بلد سريع التحولات مثل لبنان.. أنه الفيلم الذي أثار ردود فعل مختلفة حين عرض ضمن أفلام مهرجان شرم الشيخ السينمائي الأول للسينما العربية والأوروبية، فالكثيرون ممن شاهدوه تفاعلوا معه إيجابا، وأحبوا الجدة العجوز فى كل المشاهد والكلمات التي صدرت منها، بينما أتهم البعض الآخر المخرج بأنه استغل جدته وشيخوختها ليقدم فيلما لم يكن يستطيع تقديمه من خلال أي شخصية أخرى مماثلة " فى الحقيقة أنني أحببت الفيلم، وأحببت هذا القدر من الصدق فى تقديم صورة إنسانية، بكل مافيها، لامرأة من الزمن الماضي استمر بها العمر حتى الزمن الحالي، ولابد أن أنوه أن الجدة كانت مستمتعة جدا بالحوار مع الحفيد ولم تبد أي خوف أو ارتباك أمام كاميراته التي لازمتها شهورا طويلة حتى انتهى تصوير الفيلم، بل إنها أي بطلة هذا الفيلم الوثائقي المدهش كانت أحيانا تراوغ المخرج فى حوارها معه وتمضي فى نوع من المكر اللذيذ محاولة " التخفيف " من بعض الحقائق التي لا تعرفها جيدا مثلما حدث حين سألها عن عمرها فقالت إنه يزيد على الستين عاما بقليل، ثم أردفت بجدية وهي ترى على وجهه علامات عدم التصديق " يمكن وصل ل " 70 سنة " وحين قال لها إن البعض يقول إنه 102 عام ثارت عليه ووبخته لأن هذا ليس معقولا !! وفى الفيلم طرح لمشكلة الزهايمر التي يعانيها الكثيرون فى العالم، خصوصا المسنين وحيث نكتشف من مشاهد عديدة تلك " الذاكرة الانتقائية " التي تعني تذكر أشياء ونسيان غيرها من قبل الجدة وهو ما صححه المخرج من خلال الصور الفوتوغرافية لها وللعائلة، الخالات والعمات والاماكن وهي مشاهد رائعة أكملت، بدون شرح، الصورة فيما يخص الحياة العائلية الخفية للجدة والتي كشفت عن مراحل كان من الصعب أن تتذكرها مثل سفرها لفترة إلى البرازيل فى هجرة عادت منها بعد سنوات، ومثل مشاعرها تجاه أفراد الأسرة الذين يحيطونها برعاية خاصة ولا يكفون عن زيارتها والحوار معها، ربما كانت أصعب لقطات الفيلم هي تلك التي اقتربت فيها الكاميرا كثيرا من ملامح " هنريت " لتقدم لنا نوعا من التشريح لما حدث ويحدث حين تتكوم لسنوات ويصبح للزمن بصمة واضحة على الملامح، ففى هذه اللقطات تفرض الصورة نفسها وتنتشل المشاهد من استغراقه مع شخصية مرحة وخفيفة الظل ليرى التجاعيد والندوب وخلايا الجلد وقد تمددت ووضعت " صورة جديدة " مختلفة للجدة غير تلك التي رأيناها ضمن البوم الصور، الزمن وبصماته كانا أسوأ لقطات هذا الفيلم الرائع الذي لابد وأن يذكرنا بشجاعة ومحبة هذا المخرج لجدته، وقدرته على توثيق التاريخ الخارجي مع تاريخ الجدة التي عاشت فترات صعبة مثل أيام الحرب الأهلية فى لبنان، وغيرها من الأحداث، ومع ذلك كله فهي ما زالت، وقت التصوير، لديها حب للحياة، ولأبنائها وبناتها تحاول التعبير عنه بما تبقى من الذاكرة ومن الكلمات، وربما يفتح هذا الفيلم الباب أمام آخرين غير مخرجة لتأمل حياتهم وتأمل ذواتهم وما يحيط بهم من مشاهد وأحداث تستحق التوثيق مثلما فعل هادي ذكاك الذي جعل من توثيق تاريخ جدته جزءاً من توثيق تاريخ شعبه وقام بإنتاج الفيلم إلى جانب السيناريو بالطبع كما شارك فى عمل المونتاج له مع الياس شاهين بينما تولى موريال أبو الروس التصوير.. وبالمناسبة فقد فاز هذا المخرج الوثائقي بجائزة فى لبنان منذ أيام عن فيلم كان له بعنوان " كمال جنبلاط الشاهد والشهادة " وكانت أول أفلامه التي أنجزها عام 2006 هو " لاجئون مدى الحياة".