يمتاز أسلوب "البرجيني" بالتلقائية والفطرية والسلاسة واختيار النماذج الواقعية، وتضفير الحكاية بالرسم، نظرا لأنه يمتلك موهبة الكتابة السردية وله عشرات الكتب فى هذا المجال، ومنها كتابه "الأرنب يبحث عن ماما"، وهو كذلك مغرم برسم الأعمال الإبداعية للشعراء والروائيين، ومن الكتب التي رسمها كتاب "خيال الظل" لعبد التواب يوسف و"قطعة السكر" لسمير عبد الباقي، كما عمل لفترة طويلة فى "مجلة كروان"، ويرسم كذلك فى مجلتي "قطر الندى" و"علاء الدين". وحول بداياته مع عالم الرسم يقول "البرجيني": تملكتني موهبة الرسم منذ كان عمري العاشرة، وبعد وفاة أبي، وقد كانت حكومة "النحاس" قد منحتني مجانية التعليم فى جميع المراحل، ونظرا لحبي للفن فقد التحقت بعد ذلك بكلية الفنون الجميلة، بعدها سافرت إلى سيوة للعمل، ثم عاودت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة قسم الحفر، وكنت وقتها ملتحقا بالعمل فى جريدة "أخبار اليوم" كمصحح، نظرا لحبي للغة العربية، ذلك الحب الذي ورثته عن أبي حيث كان يعمل أستاذا بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، فاللغة العربية فتحت لي المجال لمحبة وتذوق الفن بجميع أشكاله.. وقد تقدمت لعدة مسابقات وأنا فى مراحلي الأولى، وقد حصلت على الجائزة الأولى فى مسابقة "محمود مختار"، بعدما رسمت لوحة كان موضوعها عن العمل، وكانت قيمتها ثلاثون جنيها، وهو مبلغ كبير بمنطق ذلك الزمان البعيد. ولأن تجربة "البرجيني" ارتبطت بأبعاد واقعية منذ البداية، حيث الارتباط بالبسطاء والمهمشين، بمعنى أن يكون الفن نابعا من قضايا إنسانية وحياتية، لذا آمن أن ريشته لابد وأن تنغمس فى أرض الواقع، لذلك عمل لفترة بمركز تابع لمنظمة "اليونسكو" بمدينة سرس الليان بمحافظة المنوفية، ليرسم عن واقع تلك القرى الريفية البسيطة وناسها المكافحين، الذين يكملون نصف عشائهم نوما. وحين التحق بالعمل فى جريدة "الجمهورية"، جاءته الفرصة ليسافر إلى "شرق إفريقيا" فى رحلة لمدة عامين، وهناك تعرف على الحياة البدائية للقارة الإفريقية، وتجول فى القرى والأحراش، ومن الدول التي زارها وقتها إثيوبيا والصومال وإرتيريا والسودان، والتي حاول فيها دراسة العادات والتقاليد السودانية التي كانت قريبة من الوضع الحياتي المصري. احترف البرجيني رسم الكاريكاتير، وعن ذلك يشير إلى أنه لابد للفنان من رسالة يؤديها بصدق وعمق الفكرة التي يطرحها، ومن أكثر الفنون المعبرة عن توجهات الفن، هي فن الكاريكاتير الذي يتميز بالمواجهة والتعبير الحاد أحيانا وملامسة الواقع بقوة، وهذا ما حاولت عمله خلال أكثر من ستين عاما هي عمر ممارستي بشكل احترافى لفن الكاريكاتير ورسوم الأطفال. حاولت تقديم الحياة المصرية والعربية كما أراها، قدمت رؤى للتغيير بعين الفنان التي تلتقط الأشياء وتحاول نقدها من أجل غد أفضل للبشر جميعا. الكاريكاتير ليس فنا ذاتيا، بل هو فن جمعي يهتم بما حول الفنان، من بشر وأحداث والفنان الذي يتصدى للكاريكاتير عليه أن يجمع ما بين الخبرة والابتكار، ما بين الأصالة والمعاصرة، عليه أن يكون نابها ومنتبها لما يدور من حوله، وأن يكون مالكا للثقافة والعقلية الناقدة، ويمتلك فلسفته الخاصة التي تؤهله لعلم ولكتابة جمل كثيفة تعبر عن أحداث كثيرة. وحول تجربته فى رسوم الأطفال يرى "البرجيني" أنه اعتمد على التنوع، فهذا المجال صعب للغاية وربما يكون فنان الكاريكاتير هو أقدر الفنانين لرسم أعمال للأطفال، نظرا لأنه يمتلك حسا فكاهيا يحبه الأطفال، وخطوطا مشاكسة تعشقها ذائقتهم. ويضيف البرجيني: بداية عمر كرسام للأطفال جاءت فى مجلة "سمير" عام 1962 ووجدت متسعا للعمل هناك، كنت أرسم بروح الفنان المحترف، وبذائقة طفل مغامر، أحببت التجربة بشدة ووجدت له صدى كبيرا بين قراء المجلة من الأطفال، بعدها ظهرت رسومي فى مجلة "ماجد" منذ عددها الأول، وهي المجلة التي لها تجربة فريدة فى صحافة الطفل فى العالم العربي، حيث شارك فيها كبار الفنانين والكتاب من الوطن العربي، وقدمت المجلة عشرات الموهوبين، فكانت نافذة جادة وفتحت آفاق مغايرة لأدب ورسوم الأطفال، وقد نصحني الراحل الكبير "تريم عمران" الإعلامي الإماراتي الرائد بمواصلة الطريق، مؤكدا أن الأطفال بحاجة إلى أساليب فنية وأدبية خاصة عند التعامل معهم. كانت فترة عملي فى الإمارات من أخصب فترات حياتي ومن أشدها قربا إلى نفسي فقد عملت لسنوات طويلة فى مطبوعات "القيادة العامة للقوات المسلحة فى أبو ظبي"، حيث عملت مشرفا فنيا، وقد شاركت برسوم الكاريكاتير السياسي وبشكل فيه قدر كبير من الحرية التي يريدها ويتمناها أي مبدع، ثم واصلت العمل فى جريدة "الوحدة"، لم يمارس ضدي أي إجراء تعسفى بل كان التعامل يغلب عليه الود والاحترام المتبادل والتقدير للفن وللدور الذي يقوم به فى تنوير الشارع، كانت تجربة أضافت إليّ الكثير، وأعتقد أنها قدمتني للجمهور هناك أيضا. كانت القيادة الإماراتية مؤمنة بدورها الثقافى فى تنمية الشعوب، ففتحت ألف نافذة للضوء وللتنوير، عبر خطاب ثقافى تنويري واضح المعالم، مما أثمر بعد ذلك الكثير والكثير. ويضيف البرجيني قائلا: هناك حركة تنويرية مختلفة فى الفن التشكيلي والمسرح والشعر والرواية، كل إمارة بها اهتمام بفنون مختلفة، وقد تعرفت على عدد كبير من الفنانين الإماراتيين منهم محمد مندي وغيره من أصحاب التجارب الجادة. وحول تأثير جيله فى الأجيال التالية يؤكد "عبد الحليم البرجيني" أن جيله تميز بالالتزام والابتكار واحتضان الأجيال الأخرى اللاحقة له، وهذا الجيل يتميز بتنوع مدارسه واختلاف أنماط التجربة الإبداعية له فكل اسم له ما يميزه، فحجازي يختلف عن محيي الدين اللباد، وكذلك عبد العزيز تاج وبهجوري وحسن فؤاد ومصطفى حسين. التنوع هو ما يميز هذا الجيل من فناني الكاريكاتير الذين تميزت خطوطهم بخصوصية مصرية وعربية، هناك ملامح البسطاء، وهناك التعبير القوي عن القضايا السياسية والاجتماعية. ويشير الناقد علاء أبو بكر الأستاذ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، إلى أن "عبد الحليم البرجيني" من أبرع من صور ورسم مصر والإنسان المصري والفلاح البسيط فى غيطانه الخصبة عبر تاريخه القديم والحديث، وسجل كفاحه ونضاله ضد المحتل من أجل الحرية وسجل بريشته ثورة عرابي وكفاح مصطفى كامل وسعد زغلول ضد المحتل، ورسم الملامح البطولية للشعب المصري مثل ملحمة وبطولة قرية دنشواي وغيرها الكثير.. وانحاز البرجيني إلى الرسم الحركي حيث ملامسة أدق التفاصيل ودراسة الضوء والظل للوصول إلى أعلى نسبة من الدقة عند الرسم، سواء فى "الكاريكاتير" أو الرسوم الأخرى. البرجيني فى سطور: فنان ورسام كاريكاتير مصري. ولد عام 1930 بمحافظة المنيا. عمل فى عدة صحف مصرية وعربية منها "أخبار اليوم" و"الهلال" و"الجمهورية". عمل فى الصحف الإماراتية لمدة ثلاثين عاما بداية من عام 1973.