تعيش مصر هذه الأيام حالة إستنفار حقيقية علي كافة المستويات فيما يرتبط بالثورة الدينية. وتجديد الخطاب الديني. وتنقية التراث الديني. وأزمة الدين فيما يرتبط بالتشدد والغلو والتطرف تارة. وتارة أخري فيما يرتبط بالإلحاد تارة أخري. وبين هذا وذاك يمكننا أن نقف أمام العديد من القضايا من بينها هل لدينا في ديننا أو تراثنا الإسلامي ما نخجل أن نعلمه لأبنائنا؟ وهل دور الأزهر في مواجهة المسيئين للدين وعلمائه الأعلام الملاحقة القضائية والحسبة والتكفير أم الحوار الفكري.. حول كل هذه القضايا كانت محاور تلك الدردشة الحوارية مع واحد من رموز النخبة الثقافية والسياسية المصرية ممن لهم باع كبير فيما يرتبط بدراسة التراث الإسلامي والقضايا الدينية ذات الأبعاد السياسية وهو الدكتور عمار علي حسن الروائي والباحث في علم الإجتماع السياسي. * بداية د.عمار هل لدينا في ديننا وتراثنا ما نخجل أن ندرسة لأبنائنا؟ ** نعم نحن لدينا ما نخجل منه في التراث الإسلامي. وأنّ هذا موجوداً في تاريخ بعض المسلمين وممارساتهم لأننا نقع في خطأ كبير يتمثل في الخلط بين تاريخ المسلمين والدين الإسلامي. فهناك العديد من الإشكاليات في التاريخ الإسلامي لكن البعض بل الأغلب يقدم التاريخ الإسلامي علي أنه دين. وهذا خطأ يجب تصويبه لأن تاريخ المسلمين مليئ بالأحداث الجسام. هل أفهم من ذلك أنك مع إلغاء ما يرتبط بالجهاد وما يرتبط بقتال النبي ليهود بني قريظه. ومعارك عقبة بن نافع. وجهاد المسلمين ضد الصليبيين والتتار؟ نعم أنا مع ذلك تماما لأن الجهاد في الإسلام جهاد دفع وليس جهاد طلب لكن معظم ما تم في التاريخ الإسلامي فيما بعد النبي صلي الله عليه وسلم كان جهاد طلب بحجة توسيع الإمبراطورية الإسلامية كدولة مسيطرة ولم يكن الأمر وقتها يخدم الدعوة بالشكل الكافي. وكان هم الولاة جمع الخراج. وعبدالملك بن مروان حين كان خليفة للمسلمين قل خراج مصر فسأل عن سبب ذلك فأخبروه أن السبب في ذلك دخول الأقباط في الإسلام. فكان رده: ¢ويدخلوا ليه بس هو حد طلب منهم كده¢. فالجهود التي تمت مع الفتوحات الإسلامية التي تمت في معظمها بلا معارك تذكر. تمت بهذا الشكل وجهود الدعوة ونشر الاسلام كانت جهودا فردية أكثر منها جهود دولة منظمة. * لكن إن لم يتم تعريف الطلاب بأن الفتوحات الاسلامية التي قادها عقبة بن نافع كانت من أسباب الوصول لفتح الأندلس ونشر الاسلام هناك؟ ** الأزمة لم تكن في توسيع الفتوحات الإسلامية والوصول الي الأندلس فأكبر دولة في العالم الاسلامي الآن هي إندونيسيا. وهي بلد لم تدخلها الفتوحات الاسلامية ولم يمارس جهاد فيها. فالمسألة في جملتها لم تكن تتوقف عند هذا الحد. وعليه فتدريسه ليس ضرورة. مغالطات * وماذا عن تدريس منهج يبين أن النبي صلي الله عليه وسلم قاتل يهود بني قريظة بعد أن نقضوا عهدهم معه صلي الله عليه وسلم؟ ** صورة النبي محمد صلي الله عليه وسلم. في القرآن تختلف كثيراً عن بعض روايات السيرة. والتاريخ الإسلامي مليئ بالمغالطات وعدم تدريس هذه المسألة لأبنائنا لن يتسبب في أزمة. * لكن كيف يمكن لنا تقويم المناهج التعليمية فيما يرتبط بالناحية الدينية ؟ ** تقويم المناهج فيما يرتبط بتدريس الشئون الدينية ضرورة لأن المناهج التي تدرس الآن ليست علي المستوي اللائق ومراجعتها الدورية ضرورة ونحن نحتاج أن يتعلم أبناؤنا من شريعتنا ما هو محل اتفاق بحيث لا يتعرض لصدمات فكرية بعد ذلك حين يطلع أو يقرا فيجد أن بعضا مما درسه ليس محل اتفاق أو أن فيه تشكيك. أو أن البعض يعتبره سببا بشكل أو بآخر لممارسات تنحرف عن سماحة الإسلام. إصلاح ديني * كثرت في الفترة الأخيرة دعوات تجديد الخطاب الديني فما رأيكم؟ ** نحن في حاجة ماسة إلي إصلاح ديني وليس لتجديد الخطاب الديني. وذلك لأنّ التجديد شكلي فقط. والاصلاح الديني يعني أن تنهض مؤسساتنا برؤية عصرية منطلقة من ثوابتنا الدينية التي هي محل اتفاق. * وما رأيك في الدعوات التي تهاجم الأزهر وتقلل من دوره بل يسعي البعض لهدمه؟ ** لست مع الذين يُطالبون بهدم مؤسسة الأزهر لأنّ كل الجماعات المتطرفة تريد هدمها. وإنما أنا مع ضرورة إصلاحها من خلال مد يد العون لكل المفكرين البارزين. * لكن ما الذي يمنع أن تقود وأنت مثقف يملك خلفية دينية كبيرة جماعة نخبة المثقفين للالتقاء بالأزهر ومعاونته في أمر إصلاح دعوة؟ ** المسألة لا أمانع فيها لكن هذا مرتبط بالكلية بإرادة المؤسسة الدينية نفسها وتجربة المثقفين مع الأزهر هي التي أظهرت للأمة وثيقتي الأزهر الأولي والثانية لكن دعنا نتفق أن هناك أمورا يجب مراجعتها. وهناك بعض الأشياء الآن ربما خارج السيطرة و الأزهر في حاجة ماسة لأن يدرك أننا نعيش حالة أزمة محيطة به وبالمجتمع. وتحرك الأزهر في مواجهة ذلك لن يكون بالصدام وانما بالتعاون البناء. نعاني حالة من زيادة حجم التطرف من حولنا فكيف نحصن أبناءنا في مواجهة ذلك؟ التصوف هو الحل الرئيسي في مواجهة التشدد المسيطر الآن علي الساحة. وذلك لأنّ التصوف يُعلي من قيمة التسامح والمحبة مع الآخر. وذلك من خلال التصوف الحقيقي الذي يخاطب الروح والوجدان ويجعل الإنسان في اتصال دائم بالله عزوجل ويبعده عن مسألة الشطط الفكري والجنوح نحو التشدد والتطرف والارهاب.