كلمةُ ¢الحزب¢ من التَّعبيرات البغِيضة التي تُثير التَّحفظ لدَي عامَّة المسلمين . وربما يرجع ذلك إلي عدة أسباب . منها : أنَّ القرآن أطلقَ اسم "الأحزاب" لأوَّل مرة في التاريخ الإسلامي علي أوّل حلف يتفق فيه الكفّار علي محاربة الرسول - صلي الله عليه وسلم - . وكانوا يمثّلون نزعات مختلفة . وقبائل متفرقة لم يجمعها إلا الحقد والطّمع علي المسلمين الذين نصرهم الله بالريحِ . ولأنَّ كلمة ¢ الحزب ¢ وردت مذمومة في القرآن الكريم كقوله : ¢ألا إنَّ حزبَ الشيطانِ هُم الخَاسِرون¢ "المجادلة/19" . وقوله تعالي : ¢كُلُّ حِزْبي بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ¢ "المؤمنون/53". ويعللّ بعض المسلمين بغضهم لمصطلح ¢ الحزبيّة السياسية ¢ بأن العهود الأولي لم تعرف نظام الأحزاب . ففي عهود الخلفاء الراشدين كان الوازع الديني وحده كافيًا لضمانِ الحريَّات السياسيَّة والديمقراطيَّة . وأما عهود الاستبداد التي تلت هذا العهد المبارك فلم تعرف الأحزاب السياسية » لأنَّ كلَّ معارض أو ناقد للحاكم كان يعتبر خارجًا علي الحاكم بل خارجًا علي الدّين ويهدر دمه . وفي العصر الحديث ومع مجييء المحتل الغربيّ إلي بلادنا . ومحاولته القضاء علي النظام الإسلاميّ . حاول أن يطبع هذه الأحزاب التي ظهرت في عالمنا العربي بطابع البُغض والكراهية . وتبنَّي خلق العداوات بين أعضائها . حتي يزيد تمزيق الأمَّة من الداخلِ بما يضمن له البقاء والاستمرار في احتلالِ الأرض ِ. وبالطبعِ لم يغب عن بالنا أنَّ هذه الأحزاب - وربما إلي يومنا هذا - قامتْ علي أفكارِ أفراد وأشخاص بأعينهِم. ولم تُمثّل في الغالب ِطبقاتِ المجتمع. وتراعي مصالحهُ التي من المفترضِ أنَّها قامتْ من أجلِ ذلك. ربما هذه الأسباب وغيرها هي التي أدَّت إلي كراهيةِ المسلمينَ للأحزابِ . وتطلّعهم إِلي نظامي يخلُو من التعدديَّة الحزبيَّة. ويجمع أبناء المجتمع الواحد ليسُود فيه الوفاق. فهل هذا الأمر ممكن في الوقت الحالي؟ وإذا كان ممكنًا فهل في عدم اختلافنا مصلحة للإسلام وللبلاد؟ وقبل أن ننظر في هذه التساؤلات وغيرها نظرة متجردة عن الهوي والميل دعونا ننظر إلي مفهوم الحزب في القرآن والسنة. لقد وردت كلمة حزب في القرآن الكريم "20" مرة في "13" سورة . وردت "8" مرات بصيغة المفرد. ومرة واحدة بصيغة المثني. و11 مرة بصيغة الجمع . وهناك سورة كاملة باسم ¢ الأحزاب ¢ . ومن خلال استقراء هذه الآيات يتضح أن ال¢حِزْبَ¢ في القرآن يفيد بشكل عام معني الترابط المنظم. سواء أكان في الخير أو الشر . فقد ورد بمعني الأنصار والأتباع كما في قوله تعالي: ¢اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ¢ "المجادلة/19". وقوله تعالي: ¢أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحي مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتي تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ¢ "المجادلة/22". وقد ورد بمعني الجماعة كما في قوله تعالي: ¢ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَي لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ¢ "الكهف/12". كما أطلق لفظ الأحزاب علي الذين تآمروا علي الرسول . وتجمّعوا لمحاربته كما في قوله تعالي: ¢ وَلَمَّا رَأَي الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ¢ "الأحزاب/22". إذن معاني الحزب في القرآن الكريم تأتي تارة بمعني المدح مثل ¢حزب الله¢. وتارة بمعني الذم مثل ¢حزب الشيطان¢ . و لا يفيد مصطلح الحزب في القرآن الكريم المعني الاصطلاحي المعاصر له . والذي يعني مجموعة من الأفراد اتَّحدت بجهودها الذاتية لترقية المصلحة الوطنية علي أساسِ مبدإي معيَّن متفق عليه بين المجتمع. أو علي أنه مجموعة من الأفراد تسعي للوصول إلي السلطة للاستفادة من ثمارها. فالمصطلح يفيد الجماعة والطائفة بشكل عام. ثم يُعرف ماهية هذه الجماعة من خلال ما يضاف للحزب . فيكون ممدوحًا أو مذمومًا حسب ما يضاف إليه . أما المصطلح بحد ذاته فليس بمذموم ولا ممدوح. وفي السنة النبوية وردت كلمة ¢ حزب ¢ كما في القرآن الكريم بمعان متعددة لا تخرج عن دائرة المعني اللغوي لكلمة الحزب "جماعة الناس أو أصحابه وجنده الذين علي رأيه أو الوِرْد. أو النصيب والصنف من الناس" . فوردت بمعني الوِرْدِ اليومي للقرآن ومنه قول الرسول-صلي الله عليه وسلم - : ¢طَرَأ عليّ حِزْب من القرآن فأحبَبْت أن لا أخْرُج حتي أقْضِيه¢» فالحِزب هنا ما يجعله الرجُل علي نفسه من قراءة أو صلاة كالوِرْد.. وقد وردت الأحزاب بمعني الطوائف. ومنه حديث: ¢اللهم اهْزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزَلْزِلهم¢. وبهذا يتضح أن التحزب أي التجمع يكون مذموما اذا كان هذا التجمع علي باطل أو يؤدي إلي باطل . وأما إذا كان علي حقّي كتجمع المسلمين للصلوات والجُمع . وكذلك تجمعهم علي الإمام والجماعة . ولزوم غرز الجماعة التي تتبع الإمام "إمام المسلمين" أو حاكم الدولة المسلم "رئيس الجمهورية" . فهذا أمر مطلوب شرعاً مرغب به . فالتحزب والتجمع ليس ذماً لوحده أو بذاته وإنما لما يتجمع عليه ويتحزب عليه ولما يؤدي إليه . وكأني بسائل يقول : جلّ دلالة ¢ حزب وأحزاب ¢ في القران أكثرها للذم . وإنما جاءت في موضع واحد للمدح ¢ أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ¢ "المجادلة/22" . أما معظم هذا اللفظ وموارده في القران الكريم إنما جاء للذم مما يبين خطورة هذا التحزب المذموم . وأن يكون الإنسان حريصًا دقيقًا مبتعدًا من أي وسيلة من وسائل الشر والهوي في أي تجمّع . فالأحزاب في العصر الحديث هي التي تدير عجلة الحياة في أي مجتمع » لما لها من تنظيم وأهداف يسعي أصحابها لتحقيقها . وهم بذلك يتفوقون علي الأفراد من حيث الإمكانيات . والتنظيم . ومن حيث القدرة علي تحقيق الغايات العالية . وطالما أن الأحزب تقوم علي مبدأ الإصلاح ولكنها تختلف من حيث أسلوب التطبيق وروحه . فهي لا تتعارض مع تعاليم الإسلام ولا مع التطبيق الإسلاميّ بل ربما يعتبر ضرورة لا بد منها ولا غني عنها لتطبيق الإسلام وصيانة الحكم من الانحراف أو الشطط . خاصّة وأن الهدف الحقيقي هو الرقابة الفعليّة علي المسئوليين في المجتمع . ولا يعارض الإسلام التعددية الحزبيّة . لما لها من فوائد علي المجتمع إذا أصلحت نظامها الداخليّ ووضعت نصب أعينها دراسة المشاكل المعقدة وإبداء الرأي فيها . ولا يوجب الإسلام علي المجتمعات نظام الحزب الواحد . فالدولة الإسلامية طالما سمحت بحرية الرأي السياسي . وطالما سمحت - أيضًا - بالمعارضة داخل النظام . ونقرر في النهاية أنَّ الإسلام لم يصادر الأحزاب . ليكتفي المجتمع بحزبي واحدي يحرم مشاركة غيره المسئولية . ويقوم علي عقيدة عنصرية تضم جماعته التي تنتهج فكرًا واحدًا . وربما يكُون ضالًا أو إرهابيًّا في مجتمعه . وهي بالطبع تتعارض مع روح الإسلام الذي جاء للناس كافة . ومفهوم الحزبية التي لا تميز بين أبناء الوطن الواحد » لئلا تكرّس الطائفية أو العصبية في المجتمع . وأن الإسلام بنصوصه قد سبق غيره من الأنظمة والقوانين في تأكيدهِ علي وحدةِ الأمَّة وعدم التفرّق والتحزّب المذمُوم في المجتمعِ . وعلماءُ المسلمين قديمًا وحديثًا قرَّروا أنَّ لزومَ الجماعةِ واجب . وللجميعِ حقّ المواطنة » والتحزيب المنهي عنه هو ما يُؤدي إلي تخريب منشآت الدولةِ . وإتلاف الأموالِ المعصُومة . وإخافةِ الناس .وترويعهِم . والسَّعي في الأرضِ بالفسادِ أمرى لا يقرُّه شرعى ولا عقلى سليم.