يعتقد الذين يستخدمون الدين في الطموح السياسي - أنهم يستمدون شرعيتهم السياسية في الحكم من الله تعالي وليس البشر، لذا لا يؤمنون بالتعددية الحزبية في السياسة لأن الأحزاب عندهم حزبان فقط حزب الله - وهم يجعلون أنفسهم حزب الله - وحزب الشيطان وهم أولئك الذين لا يؤمنون بحقهم في الحكم والتحكم. وتلك نظرية بديعة في خلط أوراق الدين بالسياسة وخطورتها علي الإسلام أفظع من خطورتها علي الوطن وأهله وحاضره ومستقبله، وربما أصبح معروفا خطر الحكم الديني واستبداده ودمويته وفاشيته ونحن قد عانينا من «بروفة» صغيرة قام بها التطرف أو الجناح العسكري للتيار الديني في أعماله الإرهابية، قبل أن يصل إلي الحكم، فماذا إذا وصل للسلطة وأصبح يحكم بالحاكمية أو حق الحاكم المتأله في أن يتملك الناس بزعم أنه مختار من الله تعالي لحكم الناس والتحكم فيهم وتملكهم. ولكن الذي يحتاج إلي توضيح هو مقولتهم بأن الإسلام لا يعرف إلا حزبا واحدا شرعيا هو حزب الله وحزبا آخر ملعونا هو حزب الشيطان وأنهم وحدهم هم حزب الله وأعداؤهم حزب الشيطان، ونريد أن نوضح ما يقوله القرآن الكريم في ذلك. إن الله تعالي جعل الجنة في الآخرة من نصيب المؤمنين في كل زمان ومكان وجعلهم حزب الله وفي المقابل جعل النار من نصيب الكافرين في كل زمان ومكان، وجعلهم حزب الشيطان أي أن استعمال كلمة «حزب الله» و«حزب الشيطان» هنا تعني مفهوما دينيا ووصفا بالإيمان والتقوي ولا يعلم سوي الله تعالي من سيكون يوم القيامة من حزب الله أو من حزب الشيطان، الله جل وعلا وحده هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو وحده جل وعلا مالك يوم الدين ويوم الحساب، ومن يزعم لنفسه تلك المزية فقد ادعي الألوهية وخرج علي الإسلام وصار عدوا لله تعالي ورسوله، وهذه قضية واضحة في عقيدة الإسلام. فالقرآن يتحدث عن مفهوم ديني لكلمة حزب وأحزاب وليس مفهوما سياسيا. وجاء التيار الديني فخلط أوراق الدين بالسياسة وجعل الخلطة لصالحه هو، وبدأ بإصدار قرار بأنه هو وحده حزب الله وبأنه وحده المخول من لدن الله تعالي بحكم الناس أو الرعية، وطالما اعتبر نفسه جماعة المسلمين فإن غيرهم ممن لم ينضم إليهم فليس من المسلمين وبالتالي فإن الموقع الباقي له هو حزب الشيطان فقط. ونرجع للقرآن لنحتكم إليه في تلك الدعوة أيضا.. 1- فليس من أخلاق الإسلام أن يزكي المرء نفسه بالإيمان والتقوي، والله تعالي يقول «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي» (النجم 32). 2- وليس من أخلاق الإسلام أن نتهم مؤمنا بما يقدح في عقيدته وسلوكه لمجرد الاختلاف معه في الرأي، وأولئك قد اعتبروا أنفسهم وحدهم هم المسلمون واعتبروا الخارج عليهم ليس من جماعة المسلمين، أو خارجا علي حزب الله أي من حزب الشيطان، وتلك تهمة فظيعة، وهم إن كانوا أحيانا لا يصرحون بها فإن أدبياتهم السياسية تفصح عن ذلك، وذلك يدعم اتهامهم لغيرهم في دينه ومعتقده، والله تعالي يقول «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا» (الأحزاب 58) 3- وهم حين يزعمون أنهم يستمدون شريعتهم من الله تعالي، فقد وقعوا في منزلق أخطر، فمن أين لهم تلك الشرعية التي يزعمونها؟ أهو وحي جديد بعد القرآن الكريم؟ وأين ذلك النص أو التفويض الإلهي الذي نزل لهم وحدهم من السماء بأن يحكمونا ويركبوا أكتافنا باسم الإسلام؟ إن ذلك الزعم في حد ذاته افتراء علي الله تعالي. إذا كان هؤلاء مهمومين فعلا بالإسلام، فالإسلام يدعوهم إلي أن يفهموه أولا بعد أن تراكمت علي حقائق الإسلام طبقات من الخرافات لوثت عقائد المسلمين، ومن يحب الله ورسوله يهب حياته لتوضيح حقائق الإسلام وتبصير المسلمين بها. وإذا كانوا يحبون الله ورسوله فلتكن الآخرة مطلبهم الأساسي.. وإذا كانوا يريدون الدنيا والسياسة فهذا حقهم.. ولكن من حقنا عليهم أن يكلمونا بلغة السياسة شأنهم شأن الأحزاب الأخري دون تمسح بالدين أو استغلال لاسم الإسلام العظيم.. فليس مثل الإسلام دينا ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه!!.