إن إنكار السنة علي هيئة مؤثرة. وعلي أيدي طوائف لها ذكرها في التاريخ فقد بدأت علي أيدي الخوارج والشيعة. ثم انضمت إليهم طوائف من المتكلمين وبخاصة من المعتزلة الذين انتسب إليهم كثير من الزنادقة والفاسقين عن الملة. كالنظام الذي كان ¢ شاطراً من الشطار. يغدو علي سكر ويروح علي سكر ويبيت علي جرائرها. ويدخل في الأدناس والفواحش. وهو القائل: وأستبيح دما من غير مجروح والزق مطرَح جسما بلا روح ما زلت آخذ روح الزق في لطف حتي انثنيت ولي روحان في جسدي أما الشيعة والخوارج فكلتا الطائفتين شغبت علي السنة النبوية المطهرة وأنكرتها. لكن الشيعة لم يقبلوا من سنة النبي - صلي الله عليه وسلم - إلا القليل الذي نُقل إليهم عن طريق من يدين بعقيدتهم في الإمامة ويشايع آل البيت - فيما يزعمون - ولو أننا عرفنا أنهم لم يوالوا من الصحابة - رضوان الله عليهم - إلا بضعة عشر صحابياً هم فقط الذين رضي عنهم الشيعة وأخذوا عنهم. لأدركنا ذلك القدر الضئيل من سنة النبي -صلي الله عليه وسلم-الذي قبله الشيعة "الرافضة" وعملوا به. وذلك الكم الهائل من السنة النبوية التي رفضوها وأنكروها لأنها أتت عن جمهرة الصحابة الذين لا يرضي عنهم الشيعة. فالشيعة - إذن - رفضوا السنة لأنهم طعنوا في عدالة الصحابة - رضوان الله عليهم - لأنهم بايعوا أبا بكر - رضي الله عنه - خليفة لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - ولم يبايعوا عليا الذي كان هو الخليفة من وجهة أنظار الشيعة. والشيعة منهم معتدل وغال. فالمعتدلون فسقوا الصحابة - رضي الله عنهم - والغالون كفروهم - عياذاً بالله - ولم يستثن الشيعة من ذلك سوي عدد يزيد قليلاً علي أصابع اليدين .. علي أن الشيعة "الرافضة" أضافوا إلي إنكارهم السنة - علي الوضع الذي ذكرناه - إضافة جديدة جعل جرمهم في هذا الباب مضاعفاً. ذلك أنهم لم يكتفوا بإنكار الحديث ورفض السنة. وإنما لجأوا إلي وَضع ما أسموه أحاديث. ونسبوها إلي النبي - صلي الله عليه وسلم - فألَّفوا كلاماً علي هيئة أحاديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - في تعظيم أئمتهم. وتأكيد نحلتهم. وتأصيل معتقدهم. وأيضاً في ذم مخالفيهم وعقائدهم. وقد كان لهذه الأحاديث المزعومة الموضوعة علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - دور أصيل في حجية التشريع وأصول الدين عندهم. أما الخوارج فقد طعنوا في الصحابة - رضوان الله عليهم - بعد واقعة التحكيم الشهيرة أثناء الحرب بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وبسبب واقعة التحكيم طعن الخوارج في عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - فمن الخوارج مَنْ فَسَّقهم. وهم قلة لا تذكر. والأكثرون من طوائف الخوارج كفروا الصحابة - عياذاً بالله - بل منهم من جعلهم كالمشركين في الحرب والسبي وعدم قبول الجزية .. إلي آخر تلك الآراء التي تدل علي انحراف حاد عن جادة الإسلام. وقد دفع بهم إنكار السنة والرغبة الملحة عندهم في مخالفة جماعة المسلمين إلي العدوة القصوي بعيداً عن الإسلام. فافتروا علي الله ورسوله وجماعة المسلمين. وتباروا في تكفير الأمة بأنواع من الكفر » فجمهرتهم يرون أن دار مخالفيهم دار حرب. يقتل فيها النساء والأطفال وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب. لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل. أما في الأحكام فقد أنكروا الرجم في الزاني المحصن لأنه ليس في القرآن. وأقاموا حد السرقة ولم يلتزموا ما ورد في السنة وإجماع الأمة بالحرز في السرقة ونصابها وكذلك قطع اليد من الرسغ. كما استحلوا كفر الأمانة التي أمر الله - تعالي - بأدائها وزعموا أن المسلمين مشركون يحل أكل أماناتهم. وأجاز فريق منهم - الميمونية - نكاح بنت البنت. وبنت الابن. لأن القرآن لم يذكرهن ضمن المحرمات ... إلي غير ذلك من أنواع الضلال والزيغ الذي وقعوا فيه في أصول الدين. وفي أحكام الشريعة بسبب أنهم رفضوا السنة النبوية المطهرة. وزعموا أنهم يأخذون أحكامهم وقضايا دينهم عن القرآن. وما علموا أنهم نابذوا القرآن ونبذوه يوم نبذوا السنة واتخذوها ظهرياً. يقول عبد القاهر البغدادي عن الخوارج إنهم : ¢أنكروا حجية الإجماع والسنن الشرعية. وأنه لا حجة في شيء من أحكام الشريعة إلا من القرآن. ولذلك أنكروا الرجم والمسح علي الخفين لأنهما ليسا في القرآن. وقطعوا يد السارق في القليل والكثير لأن الأمر بالقطع في القرآن مطلق. ولم يقبلوا الرواية في نصاب القطع ولا الرواية في اعتبار الحرز فيه¢.