من الآيات التي تقطع بأن السنة وحي من عند الله - تعالي - وأن الرسول لا ينطق فيما يتصل بالتشريع إلا بما يوحي الله - تعالي - إليه. قوله - سبحانه - في شأن رسوله - صلي الله عليه وسلم: ¢ ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين¢ "الحاقة : 44-47". فهذه الآيات تدل بوضوح شديد علي أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لا يقول شيئاً - فيما يتصل بالدين - إلا بما يوحي إليه الله به - وكذلك لا يفعل. فإن القول أعم من الفعل ودليله - ولو أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - قال شيئاً في الدين لم يوح الله - تعالي - به إليه. لأهلكه الله - تعالي - وما من أحد بقادر علي أن يمنع الله - سبحانه - من إهلاكه آنئذ. وهذا وعيد من الله - تعالي - ووعد. وعيد لنبيه - صلي الله عليه وسلم - أن يتقول عليه ما لم يوح به إليه - وحاشاه - صلي الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك - ووعد للمؤمنين بأنه - تعالي - حافظى دينَه من أن يدخل إليه أو يختلط به ما ليس منه علي لسان نبيه. وهذه الآيات تعد - في الوقت ذاته - أمراً من الله - تعالي - جازماً لأمته أن يؤمنوا ويوقنوا ويسلموا لكل ما يأتيهم به النبي - صلي الله عليه وسلم - حيث إن الله - عز وجل- ضمن لهم أن نبيه لن يتقول عليهم. وأن كل ما ينطق به النبي قولاً. أو يأتيه فعلاً. إنما هو من وحي الله - تعالي - إليه .. يقول العلماء : لقد أخبر الله - عز وجل - بأن رسوله - صلي الله عليه وسلم - لو تقول في الدين قولاً لم يوح - الله تعالي - به إليه لأهلكه الله - سبحانه - وحيث إن الله - تعالي - لم يهلك نبيه. فلم يأخذ منه باليمين. ولم يقطع منه الوتين - نياط القلب - بل سانده وأعانه. وأيده ونصره. وأظهره علي أعدائه هو وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوه. فإن ذلك دليل قاطع علي أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لم يقل أو يفعل أو يقر شيئاً إلا بوحي من الله ومن الآيات التي تدل علي أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لا يقول أو يفعل شيئاً في الدين إلا بوحي من عند الله - عز وجل - قول الله - سبحانه - مخبراً عن رسوله-صلي الله عليه وسلم-:¢ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ¢ "الأعراف : 157". فالآية أسندت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإحلال الحلال. وتحريم الحرام إليه- صلي الله عليه وسلم - مباشرة دون أن تقيد ذلك بكونه قرآناً أو سنة. والإطلاق العام هنا يشمل جميع ما يحله ويحرمه - صلي الله عليه وسلم - أعم من أن يكون ذلك بالقرآن أو بالسنة. فبان من ذلك أن ما يحل رسول الله - صلي الله عليه وسلم- وما يحرم بسنته هو مثل ما يحرم بقرآن الله - تعالي - كلاهما وحي من عند الله - سبحانه -. ومن الآيات التي تدل علي أن السنة وحي من عند الله - سبحانه - وتنص علي أن ما يحرم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بسنته مثل ما يحرم بالكتاب المجيد. كلاهما من عند الله - تعالي - قول الله - عز وجل - :¢ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ¢ "التوبة:29". فهذه الآية الكريمة ذكرت نوعين من المحرمات. ما حرم الله - تعالي- وما حرم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وجمعت بين الأمرين في جملة واحدة عاطفة ما حرم رسول الله علي ما حرم الله. وذلك يدل بوضوح علي أمرين. الأول : أن ما حرم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو مثل ما حرم الله. وأن الأمرين علي منزلة واحدة من حجية التشريع وحكمه. وأن ما شرع الله في كتابه هو مثل ما شرع رسول الله في سنته.. الثاني : أن ما حرم رسول الله في سنته هو وحي من عند الله - تعالي - كمثل ما حرم الله في كتابه. فكلا التشريعين وحي من عند الله.