كثر في الفترة الأخيرة الطعن في السنة وكتبها الصحيحة. ويظن البعض انها وليدة اليوم والحقيقة انها قديمة رغم أن جاء القرآن المجيد مشتملاً علي الدين كله. بعضه مفصل والكثير منه مجمل. وقد وكل الله - تعالي - تبيين الكتاب المجيد. وتفصيله إلي رسوله محمد. ومن ثم. جاءت سنة رسول الله مبينة لما أبهم ومفصلة لما أجمل. يقول الله: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" "النحل:44" ولما كان الكتاب المجيد بحاجة إلي السنة تبينه وتفصله. فقد كانت السنة من وحي الله - تعالي- إلي نبيه حتي يكون المبيِّن والمبيَّن من مصدر واحد. وعلي مستوي واحد. وحاشا الله -تعالي- أن ينزل الكتاب وحيا. ثم يترك بيان ما فيه لبشر بعيداً عن الوحي. إن المبيِّن له نفس أهمية المبيَّن من حيث هو وسيلة الانتفاع به. وسبيل العمل بمقتضاه. من ذلك كان القرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة يصدران من مشكاة واحدة. مشكاة الوحي الإلهي المعصوم. يقول الله -عز وجل- عن رسوله "وما ينطق عن الهوي. إن هو إلا وحي يوحي" "النجم -3-4". ومنذ جاءت الرسالة الخاتمة وأعداء الله لها بالمرصاد . وقد اتخذت العداوة لله ورسوله ولدينه صورا مختلفة. وتلبست أشكالاً عديدة. ونحن نستطيع أن نجمل هذه الصور والأشكال في نوعين اثنين . الأول: أعداء للإسلام أعلنوا عداءهم في وضوح. ونابذوا المسلمين في جلاء أمثال الصليبيين والشيوعيين والعلمانيين وأصناف الملاحدة بعامة. الذين أعلنوا عن إلحادهم. وهؤلاء ضررهم قليل. وخطرهم معروف. لأن عداءهم معلن. وكفرهم سافر. فالمسلمون منهم علي حذر. ومن كيدهم ومكرهم علي ترقب وتوجس . أما النوع الثاني : فهم المنافقون الذين يظهرون غير ما يبطنون. يتدثرون بعباءة الإسلام. ويصطنعون الحرص عليه. والدعوة إليه والعمل علي وحدة الأمة. وبينما يعلنون ذلك يسعون إلي تحقيق أغراضهم الخبيثة من القضاء علي الإسلام عن طريق التشكيك في مصادره الموحي بها من عند الله وبخاصة السنة النبوية المطهرة . وذلك بإثارة الشبهات ضد سنة رسول الله. والزعم بأنها ليست من الدين. ولا صلة لها بالتشريع الإسلامي. ويزعمون أن القرآن هو المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية . وهذه الدعوي قديمة. والعداء لرسول الله ولسنته موروث. لكن الجديد هو هذه الفئة من أعداء الله ورسوله والمسلمين. منكري سنة رسول الله التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين الميلادي في بلاد الهند. ثم انتقلت إلي باكستان بعد استقلالها عن الهند وما تزال . وأعجب أمر هؤلاء أنهم يُنْسَبون إلي القرآن المجيد. فهم يحبون أن يسموا أنفسهم ¢القرآنيون ¢ نسبة إلي القرآن كتاب الله المجيد ظلماً وزورا . وقد اختاروا هذه النسبة إيهاماً للناس بأنهم ملتزمون بكتاب الله القرآن . هذا من جانب ومن جانب آخر يشيرون من طرف خفي إلي أن غيرهم من المسلمين الذين يؤمنون بسنة رسول الله ويعملون بها ليسوا قرآنيين. وأنهم اشتغلوا بالسنة وتركوا القرآن .-وأيضاً- حتي يجنبوا أنفسهم المؤاخذة. ويقطعوا سبل الاعتراض عليهم. لأنه من ذا الذي يعترض علي طائفة أعلنت أنها تنتسب إلي القرآن وتتمسك به ؟. وليس من المستغرب وجود مثل هذه الطائفة. فأعداء الإسلام كُثُر. ومنكرو السنة مضت بهم القرون جيلاً بعد جيل. وقد أخبر عنهم رسول الله فعن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله قال "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه. ألا يوشك رجل شبعان علي أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن. فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه. وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله " لكن الغريب من هؤلاء هي تلك الشبهات التي أثاروها ضد سنة رسول الله. والتي يزعمون أنها أدلة علي أن السنة ليست من الدين. ولا الدين منها وقد ملأوا بها مؤلفاتهم وهي في جملتها أوردية-. وندواتهم ومناظراتهم مع الآخرين.. وقد كان لنا حظ من تلك المناظرات علي مدي ثلاث جلسات بيننا وبين ¢البرويزيين¢ بمدينة ¢كراتشي¢ في عام 1983م. وذلك أثناء عملي أستاذاً بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد بباكستان. وسوف نتناول الرد من خلال التعريف بمكانة السنة النبوية الشريفة من التشريع باعتبارها المصدر الثاني له وهذه حقيقة لا يعارضها أو يشغب عليها إلا شقي معاد لله ولرسوله وللمؤمنين. مخالف لما أجمعت عليه الأمة سلفاً وخلفاً وحتي قيام الساعة لأن المقرر لدي الأمة المسلمة أن الوحي المنزل علي الرسول صلي الله عليه وسلم من قبل الله سبحانه نوعان : الأول : هو القرآن العظيم. كلام الله سبحانه المنزل علي رسوله صلي الله عليه وسلم بلفظه ومعناه. غير مخلوق. المتعبد بتلاوته. المعجز للخلق. المتحدي بأقصر سورة منه. المحفوظ من الله تعالي أن يناله التحريف. المجموع بين دفتي المصحف الشريف.. أما النوع الثاني من الوحي : فهو السنة النبوية المطهرة بأقسامها القولية والفعلية والتقريرية. وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم - هي من وحي الله عز وجل إلي رسوله صلي الله عليه وسلم باتفاق الأمة المسلمة. وذلك لما قام الدليل من كتاب الله تعالي علي ذلك في آيات كثيرة. ثم لما صرحت به السنة النبوية.