ما السبب في ظهور تلوث البيئة اليوم؟ السبب الذي لا سبب غيره الإنسان. فلم يعرف عن مخلوق غير الإنسان أنه السبب. حتي إبليس وجنوده من الشياطين قد يقدرون علي فساد النفوس ولكن ليس لهم القدرة الحقيقية علي إحداث الفساد المادي في البر والبحر. فليس للشيطان قدرة علي تغيير مناخ الأرض مباشرة. ولكن الشيطان يزين لأوليائه من الإنس تخريب الأرض وعناصرها اللازمة للحياة. ونحن نناقش الفساد المادي للأرض. إنما نعني ما يسمي بلغة العالم اليوم تلوث البيئة. كان لزامًا علينا أن نشير إلي مضمون آيات القرآن التي تتحدث عن الفساد والصلاح باعتبارهما ركنين متناظرين لقضية واحدة: أولاً: وردت مادة كلمة الفساد في آيات القرآن نحو خمسين موضعًا. مشيرة إلي عدة معاني» منها: صفات المفسدين. ومنها نزعتهم إلي الفساد وعدم الإصلاح. وأن الله لا يحبهم ويلعنهم. وأنهم مفسدون ولكن لا يشعرون. وأن الله عليم بهم. وأن عاقبتهم السوء. وأنهم لا يتساوون مع المصلحين. وأيضًا ترد مفردات الكلمة تَنهي نهيًا قطعيًّا عن الإفساد في الأرض» كما في قوله تعالي: "الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ - "البقرة: 27". - وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا - "الأعراف: 56". - وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ - "القصص: 77". - فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - "الأعراف: 74". - اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ - "الأعراف: 142". - وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - "هود: 85". - وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ - "القصص: 77". - وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - "العنكبوت: 36". - وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ . الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ - "الشعراء: 151. 152". وأرجي آية في كتاب الله تعبر عن حال البيئة اليوم هي قوله تعالي: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " "الروم: 41"» حيث يتضح من التدبر في الآية أربعة ملامح رئيسية: أولاً: ظهور الفساد في البر والبحر: - ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ -. ثانيًا: سبب ظهور الفساد: الناس بما كسبت أيديهم: - بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ -. ثالثًا: انعكاس آثار الفساد سلبًا علي الناس: - لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا -. رابعًا: طريق الإصلاح والعودة إلي الله: - لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ -. وعن الصلاح نشير إلي بعض الآيات: - أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ - "الأنبياء: 105". - وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَي بِظُلْمي وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ - "هود: 117". - إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ - "يونس: 81". - وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ - "البقرة: 205". - ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ - "الروم: 41". "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" "البقرة: 60". مكونات البيئة: خلق الله الأرض وجعل لها أغلفة متعددة. أغلفة تتعلق ببنية الأرض من قشرة ووشاح ولُبيّ. وغلاف هوائي وغلاف مائي وغلاف حياتي. وخلق الله الأرض وجعلها صالحة في ذاتها ولغيرها من الخلائق. ولأول مرة في تاريخ البشرية يسعي الإنسان لتخريب تلك البيئة الصالحة. ويُغيِّر من مناخها وكرَّم الله بني آدم وجعلهم خلائف في الأرض بعد أن جعلها مهدًا وقرارًا. وفراشًا وبساطًا. وجعل السماء سقفًا محفوظًا. وبناءً مخصوصًا. وسخر الله للإنسان كل شيء: