دعوات طيبة لإصلاح ثقافي إسلامي لحسن فهم الدين وحسن عرضه. بعدما تصاعدت وتزايدت انحرافات مسيئة. وانتحالات معيبة. تعود سلباً علي الخطاب الديني بوجه عام. إن الخطاب الإسلامي يراد به خطاب الشارع نفسه أي: النصوص الشرعية من آيات القرآن الكريم المحكمة. والأحاديث النبوية الصحيحة. واستنبط أئمة العلم المعتمدين من قواعد راسخة. هذا الخطاب علي هذا النحو من جهة جودة الفهم وسلامة العرض يعد خطاب "المسلمين" والخطاب الإسلامي. ولما حصل تداخل وخلط بين "الخطاب الإسلامي" و"خطاب المسلمين" وصارت آراء صادرة من اتجاهات وقيادات ساعية لمذهبيات وعصبيات. تقليد لدي مقلدين دون نظر إلي أصول أو دخيل. أو صحيح وسقيم. أو صواب وخطأ. أدي هذا وما يماثله وما يشابهه وما يماثله إلي "عنف فكري" لدي جماعات وفرق وطرق. آخر في العنف الفكري عنفا مسلحاً. مما عاد سلبا علي "الأمن الثقافي". والإصلاح الثقافي المنشود لابد من فهم آليات سليمة - أكاديمية وتربوية - من علماء وخبراء. لوضع الأساس وإيضاح الوسائل. وتبين المقاصد "الأهداف" والمصلحون يحملون الحق لذاته دون اعتبار بارتباطات سياسية أو تبعات مذهبية دينية أو رؤي مجتمعية ضيقة. هم عباد الله لله يجاهدون ويرابطون علي ثغور الفكر. قال الله - عزوجل - "بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" الآية 18 سورة الأنبياء. "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" الآية 81 من سورة الاسراء. ومن الأهمية بمكان فهم "القواعد الكلية" للإصلاح الثقافي في ضوء الفهم الصحيح السليم للنصوص والقواعد والمقاصد الشرعية. ومن ذلك: الفهم السديد لقصد الشارع الحكيم من المكلف. والفقه السديد لمآلات الأفعال. والمقدرة علي موازنات بين المصالح والمفاسد. والبصر بما يقدم منها عند تزاحمها. فعلي سبيل المثال: عند تزاحم المصالح كرؤية سلطان العلماء الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالي - في كتابه المانع "قواعد الاحكام في مصالح الأنام": إذا كانت إحدي المصلحتين واجبة والأخري مندوبة. قدمت الواجبة. ولو كانت المصلحتان واجبتين قدم أوجيهما. ولو كانت المصلحتان مستحبتان قدم أفضلهما. ولو كانت إحدي المفسدتين حراماً والاخري مكروة قدمت المحرمة - اتقاء للأشد. وإن كانت المفسدتان محرمتين قدم أخفهما تحريماً. ومراعاة آلية للإصلاح من الجمع بين الأصالة دون قداسة - إلا للنصوص الشرعية: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة - ودون انكفاء علي التراث الموروث. والمعاصرة دون ذوبان فيها. أو إنكار للاصالة. والجمع بين الدليل النقلي من جهة حسن فهمه. والدليل العقلي بضوابط الاجتهاد السليم. وأن تكون الأهداف الدفع إلي الأحسن والافضل. دونما انقلاب علي ثوابت. أو خروج عن الجوهر. مع العناية الفائقة بالتأصيل والتنظير العلميين. وسبل الفهم لمدارك الاحكام مثل ملائمة ومواءمة الزمن والبيئة والظروف والطوارئ والنوازل والعوارض. والالمام بفقه النوازل. وفقه المقاصد. والمصالح. وفقه الأولويات. وفقه الواقع. والاحاطة بالسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. يجب في الإصلاح الثقافي عدم الازدواجية. فالثقافة الإسلامية لها مفهومها وخصوصياتها ومكوناتها واهدافها ومجالاتها. ولابعد عن حصرها وقصرها في مبادئ مذهبية أو طائفية. وعدم استخدامها في دعاوي حركية في المعترك السياسي المعاصر. وللخروج من أزمات عاصفة بالوسطية والمرونة والموضوعية والواقعية نتيجة جماعات العنف المفكري والعنف المسلح التي تعود سلبا علي الصبغة الاصلية والهوية الاصلية لابد من تجرد عن كل عوادي التهذهب الديني والتحزب السياسي. إن إعلاء "فقه الاولويات" التي راعها الشارع الحكيم في العبادات بتقديم الفرائض علي النوافل كما في الحديث القدسي "من عادي لي ولياً فقد أذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه. ولايزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتي أحبه.." الحديث وفقهها آئمة العلم في ربت الفرائض مع بعض ومع النوافل وبينها وفيها. وفي المعاملات كذلك من جهة الأهم والمهم. والامثلة كثيرة. ينبغي لخطاب إسلامي متوازن وضع رؤية موضوعية وواقعية بواسطة أوراق بحثية أكاديمية وتربوية من علماء وخبراء. لأن الطرح الثقافي المنسوب للدين يشوبه عوار. ويعتريه خلل. ويحوطه ويغشاه دخيل وردئ وسقيم. وهذا الطرح يسبب تحريفاً للكلم. وتجريفا للعقل. في الأوساط المسلمة. ويسبب شغبا علي الدين الحق. إن قول الحق لذاته أصل أصيل في النهج النبوي "قل الحق لا تخش في الله لومة لائم" وفي العمل الدعوي. في الخلافة الراشدة لقول الصديق - رضي الله عن - "إن احسنت فاعينوني وإن أسأت فقوموني" وقول الفاروق رضي الله عنه: "إن قول الحق ما أبقي صديقا" وإن التعويل علي قولة الدليل وتحقيقه مصلة ودفعه مفسدة وإعلاء المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة. كلها معالم وما يناظرها وما يماثلها ومنا يشابها علي طريق "الاصلاح الثقافي" وما أطوله وما أشقه. إلا أن الطريق القويم بحاجة إلي "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع". والله سبحانه وتعالي - الهادي إلي سواء السبيل.