اسئلة كثيرة وعلامات استفهام حائرة خلفتها أول زيارة للرئيس الإيراني احمدي نجاد للقاهرة.. وهي الأولي ايضا لرئيس إيراني منذ 34 سنة.. اسئلة يختلط فيها كثيرا الديني بالسياسي بشكل مزعج ومريب خاصة عندما تتحدث عن دولتين محوريتين في المنطقة وفي العالم الإسلامي قبل ذلك.. دولتان هما الأكثر نفوذا وتأثيرا في الشأن الديني.. وعلي وجه التحديد فيما يتعلق بالمذهب السني ومذهب الشيعة.. حالة التماس الحاد بين الديني والسياسي هي المسئولة عن التوجس والخيفة وتؤثر في شكل الصورة العامة وتفاصيلها وايحاءاتها وظلالها النفسية.. ففضلا عن الأسئلة السياسية وعلاقات الارتباط وتأثيرات القوة والضعف علي هذه البلدان أو تلك ومخاوف البعض.. بدت الأسئلة الدينية المطروحة شديدة الحساسية والحرج ايضا.. إلي الحد الذي بدا وكأنك تقترب من حافة التكفير والتفسيق والإخراج من الملة.. وتحدث البعض صراحة سواء بوعي أو عن قصد وسوء نية.. هل نحن خائفون.. ولماذا نخاف من الشيعة؟!!.. وهل يمتلك الشيعة قوي خفية يمكن أن تصيب مصر السنية في مقتل؟ وهل فتح الأبواب امام إيران الدولة معناه فيضان من التشيع جارف ساحق ماحق لايصد ولايرد؟ وهل مصر الأزهر معقل أهل السنة والوسطية بلغت هذه الدرجة من الوهن والضعف السياسي والذي يلقي بظلاله لا محالة علي البعد الديني وبالتالي فان فتح البوابات الإيرانية الآن معناه تمدد شيعي إلي الحد الأقصي.. تمدد لن تقف امامه أو توقفه أي قوة.. وأن الزحف علي مزارات آل البيت في القاهرة والمحافظات سيكون الأدارة والوسيلة المثلي والسهلة في فرص الأمر الشيعي بثمن بخس دراهم سياحية معدودة.. ؟!!! هذا التصور طرح تصورا آخر في مقابله.. وهو أن ما يردده البعض في هذا الشأن ما هو إلا اضغاث أحلام ليس إلا.. ودلل علي ذلك بأن الأزهر الذي ولد فاطميا هو الحصن الحصين والمدافع الأول عن عقيدة أهل السنة والجماعة.. وعبر البعض بالقول أن مصر دائما هي مقبر الفاطميين ولم ولن تفلح محاولات التشيع أو تسريبه سرا وجهرا.. وأن حب المصريين لأهل البيت هو الحصانة أو الذي أكسب المصريين مناعة ضد الشيعة والتشيع.. بل وحفظهم من السقوط في بعض العقائد الفاسدة لغلاة الشيعة علي مر التاريخ.. وقد كان هذا الحب الجارف لآل البيت رضوان الله عليهم هو العاصم لمصر والمصريين في فترات الضعف والوهن السياسي.. بل ودفع إلي مزيد من التسامح الفكري من رموز علماء بعض مذاهب الشيعة.. وقد كانت دعوات التقريب بين المذاهب واحدة من ثمار هذا التسامح والحب.. إلي جانب اعتماد المذهب الشيعي خاصة الشيعة الزيدية مذهبا إلي جانب المذاهب السنية الأربعة المشهورة الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي.. ووصل التسامح مداه بصدور فتوي من مشيخة الأزهر تجيز التعبد علي المذهب الشيعي.. لكي نخرج من هذا النفق أو هذه المتاهة المحيرة والمربكة للبعض علينا أن نطرح السؤال المهم التالي: هل الأزمة أو المشكلة الحقيقية مع ايران سياسية أم دينية مذهبية في المقام الأول؟!! اذا استطعنا تحديد الإجابة و امسكنا بعناصرها يمكننا ببساطة فك كثير من الطلاسم والألغاز في الجدل الدائر وفض كثير من المماحكات علي هذا الصعيد.. ونستطيع ايضا أن نفهم الالحاح والاستقتال الإيراني من أجل عودة العلاقات مع مصر باي ثمن وأي وسيلة.. ونستطيع تفهم ما يحدث علي الساحة وفي الطرف الآخر المقابل وحالة من البرود والتلكؤ المصري.. والتحركات التي تبدو فاترة قياسا بالجهد المبذول من الطرف الآخر.. ولعل الإجابة الدقيقة تفسر لنا تلك المواقف.. وصورة المشهد التي بدت وكأن الأزهر يعزف علي نغمة مخالفة ويسير علي موجة مغايرة لمؤسسة الرئاسة فيما يتعلق بالعلاقة مع ايران أو زيارة الرئيس الإيراني لمصر ومشاركته في أعمال القمة الإسلامية في القاهرة.. هذه الزيارة وما صحبها من لقاءات وزيارات حفل بها جدول الرئيس نجاد سواء مع العلماء ومشايخ الطرق الصوفية والصلاة في المساجد الكبري التي تحمل أسماء آل البيت "الامام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة" قد اختلط فيها الديني والسياسي بشكل كبير.. وقد تفرد الرئيس الإيراني عن زعماء وقادة الدول الإسلامية المشاركين في القمة بجدول خاص علي يبدو ليؤكد فيه ذلك الخلط والالتباس بين ما هو ديني وسياسي في العلاقة الإيرانية.. فقد استهل زيارته للقاهرة بلقاء شيخ الأزهر.. وتوجه من المطار إلي المشيخة مباشرة واجراء مباحثات مع شيخ الأزهر.. وبدا الرجل سعيدا جدا وشغوفا بلقاء الشيخ والحديث من داخل مقر المشيخة للعالم في مؤتمر صحفي.. اختلط فيه ايضا ما هو ديني بما هو سياسي.. زيارة المشيخة ولقاء الامام الأكبر لم يقم بها أي رئيس آخر.. حتي وإن كانت بروتوكولية.. كما لم يقم رئيس وفد بالصلاة في أي من المساجد الكبري حتي ولو من باب زيارة المناطق التاريخية والأثرية بالقاهرة.. شيخ الأزهر بدا واضحا في موقفه ورؤيته.. منسجما مع دور الأزهر الحقيقي ومسئوليته الدينية.. وأبي أن يغض الطرف عن منغصات ومضايقات وظلال ونتائج سلوكيات وتصرفات سياسية فحدد في بيانه بعد لقاء الامام الأكبر أحمد الطيب والرئيس نجاد.. دون مواربة أو مجاملة. عدة مطالب هي: * رفض المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة. * إعطاء أهل السنة والجماعة في إيران وبخاصة في إقليم الأهواز حقوقهم الكاملة كمواطنين. "وكان ملحوظا للجميع أن مصر قبل هذه القمة بأيام قد استضافت مؤتمرا لدعم عرب الأهواز. كان المؤتمر الأول الذي تشهده الدول العربية بحضور نشطاء وسياسيين من إقليم الأهواز المحتل إيراينا". * استصدار فتاوي من المراجع الدينية تجرم وتحرم سب السيدة عائشة والصحابة الكرام أبي بكر وعمر وعثمان والإمام البخاري حتي يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق. * عدم التدخل في شئون دول الخليج العربي واحترام دولة البحرين كدولة عربية شقيقة. ** قال لي صديقي رغم إيماني بضرورة التقارب والتعاون بين الدول الإسلامية عامة بما فيما ايران إلا انني لا أعرف لماذا أشعر بالخوف والقلق.. ؟ قلت له المسألة ببساطة والمشكلة الحقيقة هي أننا واقعون تحت ضغط ميراث قديم وتركة ثقيلة من الفكر المشوه وحملات التخويف والتفزيع.. وصورت الينا ايران وكأنها البعبع أو الغول الذي سيبتلعنا ورضعت أجيال كثيرة من الساسة هذه الثقافة في ظل حكومات وانظمة كانت خاضعة للهيمنة الغربية.. وبالتالي تشكلت الرؤية العامة وفقا لمنظور اخرين وتحرك كثير من الأمور في الاطار الذي يرسمه ويرغبه الآخرون.. بعيدا عن المصالح القومية الحقيقية.. واستخدمت فزاعات رهيبة في هذا الصدد ونجحت القوي الغربية مع التداعيات التي شهدتها المنطقة في بناء حوائط صد قوية بين الدول العربية وايران ومصر علي وجه الخصوص.. ونجحت ايضا في زيادة لهيب الفزاعة بخلط الديني بما هو سياسي.. وأن مجرد الأقتراب من ايران ليس له من معني إلا السقوط في فخ التشيع.. ونجحت تلك السياسات في فنون الخلط الكبير والتضليل المتعمد واستغلال الديني لتزيين أو تشويه ما هو سياسي والعكس.. ولابد من الاعتراف أن الثورة الإيرانية ومنهج الحكومات الإيرانية واعلاء الرغبة في تصدير الثورة الإسلامية ونموذجها الخوميني قد ساهم كثيرا في تسهيل مهمة الفزاعة الشيعية.. مع العلم اننا لو نحينا جانبا.. مفاهيم الثورة وتصديرها والمنهج الإيراني الطامح في التوسع وفرض الهيمنة المذهبية خارج حدوده.. وتعاملنا مع الشيعة كمذهب فكري وديني فلن تكون هناك مشكلة علي الإطلاق.. *** لا يزال الكثير من الناس حتي الآن يخلط بين الشيوعية رغم زوالها والشيعة.. وهذه واحدة من تجليات حالة الخلطة السياسية الدينية..