* يسأل وائل الكرداسي من شبين القناطر: ما دلالة التلبية في الحج ولماذا كانت هذه الصيغة المتعارف عليها؟ ** يجيب الشيخ عثمان عامر مدير الإعلام بمنطقة دمياط الأزهرية: هذه التلبية التي يرددها الحاج في حجه منذ إحرامه وإلي أن يري البيت وذلك إذا كان محرماً بالعمرة. أو إذا شرع في رمي جمرة العقبة في يوم النحر إذا كان محرماً بالحج. هذه التلبية والتي لفظها كما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه : لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذه التلبية ليست مجرد ألفاظ تُقال أو عبارات تتردد علي الألسنة لا معني لها. بل إنها كلمات عميقة المدلول. دقيقة المعاني. عظيمة الغايات. نبيلة المقاصد.. ومن المعاني التي تستنبط منها. وتستخرج من خلالها: 1 الطاعة والانقياد لله الواحد القهَّار لأن معني لبيك إقامة علي طاعتك بعد إقامة قال ابن قدامة: التلبية مأخوذة من لب بالمكان إذا لزمه فكأن الحاج يقول: أنا مقيم علي طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليه هذا أو ما شابهه. وثنوها وكرروها لأنهم أرادوا إقامة بعد إقامة كما قالوا: حنانيك أي رحمة بعد رحمة أو ما أشبهه. ص519 ج3 المغني. 2 إجابة دعاء إبراهيم عليه السلام حين نادي بالحج بعدما فرغ من البيت فسمعه أهل السموات والأرض حتي الأجنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فكأن الحاج حينما يلبي ويقول: لبيك اللهم لبيك. يردد ما قاله في عالم الغيب حينما أجابت روحه نداء إبراهيم الخليل عليه السلام بالحج. قال الآلوسي عند تفسيره لقوله تعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً.." أية رقم 27 من سورة الحج. ما نصه: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال: يارب قد فرغت فقال: أذن في الناس بالحج قال: يارب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليّ البلاغ قال: رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلي البيت العتيق فسمعه أهل السموات والأرض ألا تري أنهم يجيبون من أقصي البلاد يلبون. وجاء في رواية أخري أنه عليه الصلاة والسلام صعد أبا قبيس جبل بجوار الكعبة فوضع إصبعيه في أذنيه ثم نادي: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء. وأول من أجاب أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلي أن تقوم الساعة إلا من أجاب يومئذ إبراهيم. 3 إعلان التوحيد الخالص لله رب العالمين ونفي الشرك عن الله تعالي حيث في التلبية لبيك لا شريك لك لبيك وهذا التوحيد هو المراد أولاً وأخيراً من عبادة الحج.. لأن في الحج قصد لبيت الله وطواف حول كعبته سبحانه وتقرب إليه بالطاعات والهدي. وقد قرن الله تعالي الحديث عن الحج بالتحذير من الشرك وبين خطر الشرك فقال تعالي: "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق" آية رقم 31 من سورة الحج.. ويأتي خطر الشرك من أن المشرك يتجرأ علي ذات الله تعالي وينفي التوحيد الذي يدل الكون كله عليه. وينطق به ورحم الله القائل: وفي كل شيء له آية.. تدل علي أنه الواحد. 4 إعلان الشكر لله تعالي علي ما رزق العبد من الأسباب التي أوصلته إلي بلاد الله تعالي. وأتاحت له حج بيته تعالي. واقتفاء أثر أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام والسير علي أماكن مر عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الأطهار وشهدت الوحي من الله تعالي وما كان لحاج أن يصل إلي ما وصل إليه من نعمة إلا بتوفيق الله له لذا فهو يحمد الله علي ذلك بقوله في التلبية: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ومن هنا فقد ظهر لك أخي القاريء الكريم ما للتلبية من جليل المعاني ودقيق المرامي ومن هنا جعلها الشارع الحكيم نشيد الحجاج يرددونها في غدوهم ورواحهم. وصعودهم ونزولهم وكيف لا؟ وفيها ما فيها من الدلالات والإشارات التي تعرفنا عليها.