نواصل قراءتنا لكتب السلفية عن الصوفية. فنقول وبالله التوفيق : وقال في "الفوائد" أيضاً صفحة "192" : من الذاكرين من يبتدي بذكر اللسان وأن كان علي غفلته ثم لا يزال فيه حتي يحضر قلبه فيتواطئآ علي الذكر. ومنهم من لا يري ذلك ولا يبتدي علي غفلته بل يسكن حتي يحضر قلبه فيشرع في الذكر بقلبه. فإذا قوي استتبع لسانه فتواطئا جميعاً. فالأول ينتقل الذكر من لسانه إلي قلبه. والثاني ينتقل من قلبه إلي لسانه من غير أن يخلو قلبه منه بل يسكن أولاً حتي يحس بظهور الناطق فيه فإذا أحس بذلك نطق قلبه ثم انتقل النطق القلبي إلي الذكر اللساني. ثم يستغرق في ذلك حتي يجد كل شئ منه ذاكراً. وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان. وكان من الأذكار النبوية. وشهد الذاكر معانيه ومقاصده وقال في "الفوائد" أيضاً صفحة "196" : فائدة. الإنابة هي عكوف القلب علي الله عز وجل. كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه. وحقيقة ذلك عكوف القلب علي محبته بالاجلال والتعظيم. وعكوف الجوارح علي طاعته بالاخلاص له والمتابعة لرسوله. ومن لم يعكف قلبه علي الله وحده عكف علي التماثيل المتنوعة. كما قال إمام الحنفاء "الخليل إبراهيم عليه السلام" لقومه : "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" "الأنبياء : 52". فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف فكان حظ قومه العكوف علي التماثيل. وكان حظه العكوف علي الرب الجليل. والتماثيل جمع تمثال وهي الصور الممثلة. فتعلق القلب بغير الله واشتغاله والركون إليه عكوف منه علي التماثيل التي قامت بقلبه. وهو نظير العكوف علي تماثيل الأصنام. ولهذا كان شرك عباد الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم علي تماثيلهم. فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفاً عليها فهو نظير عكوف الأصنام عليها. وهذا سماه النبي صلي الله عليه وسلم عبداً لها ودعا عليه بالتعس والنكس فقال : "تعس عبدالدينار تعس عبدالدرهم. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" وللحديث بقية.