شهدت الساحة الفقهية جدلاً واسعاً هذه الأيام حول جواز تمويل الأحزاب الإسلامية من أموال الزكاة بعد طرح هذه الأحزاب لحسابات علنية في البريد والبنوك لجمع تبرعات لتمويل حملاتها الانتخابية لمرشحيها وهو ما طرح معه البعض من المتبرعين بجواز الدفع من أموال الزكاة الأمر الذي أيده بعض الفقهاء من باب في سبيل الله فيما اعترض عليه آخرون. حول هذه القضية تدور سطور هذا التحقيق. أكد الدكتور صلاح الصاوي - الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا - أن مصرف في سبيل الله من مصارف الزكاة بالنص القرآني وجمهور أهل العلم فيما مضي أن المراد به الغزاة المتطوعون وأدخلت المجامع الفقهية المعاصرة في ذلك أعمال الدعوة إلي الله - عز وجل - باعتبارها من جنس الجهاد بالكلمة الذي حل محل الجهاد المسلح في كثير من المواقع في واقعنا المعاصر وما جاز بذله للجهاد السلمي بالكلمة وبالمغالبات السياسية ونحوه ولكن لا ينبغي أن نجعل من هذه القضية قضية رأي عام.. مشيراً إلي كونه يخشي أن يساء قراءة هذا الطرح في مثل هذه الأجواء المحتقنة. غايات الأحزاب قال الدكتور حسين شحاتة استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر: هناك آراء فقهية مختلفة بين مؤيد ومعارض حول دخول مقاصد الأحزاب السياسية الإسلامية ضمن مقاصد مصارف الزكاة إذ يري الفريق الأول قصر مصرف في سبيل الله علي الجهاد فحسب وهو بذلك يعارض الانفاق علي الأحزاب الإسلامية من الزكاة بينما يري بعض الفقهاء المعاصرين أن غاية الحزب السياسي الإسلامي الوصول إلي الحكم لتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وهذا يدخل في نطاق مصرف في سبيل الله لأن المقصود به جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين السفلي وفي ضوء هذا الرأي فإنه يجوز انفاق الزكاة لدعم الأحزاب السياسية الإسلامية ويعتمدون في ذلك علي القاعدة الشرعية: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وأن الصراع بين التيار الإسلامي والتيار العلماني الليبرالي هو قتال بين الحق والباطل. ورجح د. شحاتة تطبيق فقه أولويات المصارف في الزكاة.. موضحاً أنه من المفضل عدم التوسع في تفسير مصرف في سبيل الله إلي درجة أنه ينطلق في العمل السياسي في هذا الزمان حيث خرج من نطاق السياسة الشرعية إلي السياسة القذرة ويجب التركيز علي فقه أولويات مصارف الزكاة ومنها الفقراء والمساكين والمنكوبون والمشردون والمهجرون والأرامل الفقراء والمرضي الذين لا يجدون العلاج والعرايا الذين لا يجدون الملبس والمشردون الذين لا يجدون المأوي والفتيات اللاتي لا يجدن مؤنة الزواج والعاطلون الذين لا يجدون فرصة عمل وكذلك من نزلت بهم كوارث ومصائب. مصارف رئيسية ويري الشيخ عادل أبوالعباس - عضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف - أن الزكاة فريضة حدد الله تعالي مصارفها الثمانية المعروفة لكن العلماء توقفوا كثيراً عند مصرف في سبيل الله. وقضية تمويل الأحزاب الإسلامية من أموال الزكاة لا تجوز شرعاً لعدة أسباب أولها أن الأحزاب الإسلامية متضاربة فيما بينها وإذا أجزت لهؤلاء فمن الذي يعطي لأولئك ومعلوم أن وسائل الدعاية والإعلان يمكن أن تكون بعيدة عن مصرف في سبيل الله. وهناك الأغنياء في كل حزب يستطيعون تمويل أحزابهم من خلال مواردهم الخاصة حتي لا نتحايل علي أموال الزكاة لاسيما والدولة تمر بمنعطف خطير في جوانبها الاقتصادية ونسبة الفقر والبطالة تزداد يوماً بعد يوم مما يجعلنا نقف بشدة في وجه المجيزين إن وجدوا لأن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح ولأن إعانة الفقير ومساعدة العاطل في الحصول علي فرصة عمل مقدمة علي سلب أموال الزكاة أو التحايل علي أخذها للرعاية الانتخابية لحزب معين. وإذا أجزناها للأحزاب الإسلامية فلماذا ستحرم منها الأحزاب الأخري. كان حزب النور قد دشن علي صفحته الرسمية دعوة لأعضائه ومحبيه للتبرع لدعم وتأييد مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة وذلك من خلال تخصيص رقم حساب في البريد المصري للإيداع المباشر. جدير بالذكر أنه بمجرد طرح هذه الدعوة علي الصفحة الرسمية للحزب تباينت ردود الفعل إذا أبدي نحو أكثر من 31 شخصاً خلال 40 دقيقة إعجابهم بهذه الفكرة فيما قال أحد رواد الصفحة: "هتشحتوا باسم الدين". وهو ما رد عليه آخر "تمويل الأحزاب ليس شحاتة. وأوباما برضه كان بيشحت لتمويل حملته". علي جانب آخر اعتبره بعض رواد الصفحة انفاقاً في سبيل الله وتساءل آخرون: هل يجوز الدفع لتمويل الحزب من أموال الزكاة. فيما طالب البعض بحذف هذه الدعوة لأنها ربما تؤخذ علي الحزب وهو ما اتخذته إحدي الفتيات فرصة لتوضيح مصادر تمويل أي حزب التي تتنوع ما بين الاشتراكات والتبرعات والهبات والدعم الحكومي وأرباح ممتلكاته من صحف أو وقفيات وودائع. وطرح بعض المتعاطفين مع الفكرة بوجود حسابات بنكية لمن خارج مصر.