د. على جمعة أرقام حسابات من كل شكل ولون تطالعنا ليل نهار علي شاشات التليفزيون الرسمي وكذلك الفضائيات الخاصة وكلها تدعو المواطنين إلي التبرع لدعم الاقتصاد القومي.. القضية تثير الكثير من التساؤلات أبرزها أين الدولة؟ وما الدور الحقيقي لها وأين أموال الخزينة العامة.. وجاءت فتوي د.علي جمعة مفتي الديار المصرية بجواز دفع الزكاة لدعم الاقتصاد القومي لتزيد الأمر اشتعالا وتطرح تساؤلات فكرية حول المصارف الشرعية للزكاة. »آخر ساعة« حققت القضية مع المختصين من علماء الدين.. كما استطلعت آراء مواطنين ورغم شبه الاتفاق علي قبول هذه الفتوي بدعوي الضرورة إلا أن هناك من وصفها بتسول القطاع العام أو أن الحكومة تزاحم الفقراء في المصادر الشرعية لأرزاقهم والبعض قال بالرفض لعدم معرفة أين تذهب أموالهم؟ وقد أطلق د.علي جمعة فتوي جواز توجيه زكاة المال لدعم الاقتصاد بعد أن صرح العديد من الخبراء الاقتصاديين والبنك المركزي عن أن الاقتصاد المصري قد اقترب من مرحلة الخطر ولذلك يجوز دعمه بالأموال علي سبيل الصدقة أو الزكاة حتي تمر الأزمة بسلام. كما حذر المفتي من التوسع في صرف الأموال علي بناء المساجد ودور العبادة والمنشآت وأن ذلك ليس من شأن الزكاة وأرجع ذلك إلي أن الزكاة شرعت في الإسلام للإنسان وليس للبنيان.. وأنه يمكن الصرف علي هذه الأمور من التبرعات والصدقات والأوقاف وغيرها من أعمال الخير. والفتوي هنا أكدت علي أن ذلك يساهم في تقوية الاقتصاد المصري وأن تحديد الشرع لمجموعة محددة كمصارف للزكاة يرجع هدفه لبناء الإنسان وسد حاجته التي تعوق مساهمته في بناء المجتمع.. كما أن توجيه الأموال لعمل مشاريع استثمارية سوف يعود بالنفع علي الفقراء والمجتمع كله. الدكتورة ليلي قطب أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر علقت علي هذه الفتوي بقولها: إن مصارف الزكاة معروفة ومحددة وهي ثمانية كما حددتها الآية القرآنية الكريمة وهي: للفقراء.. المساكين.. العاملين عليها.. المؤلفة قلوبهم.. وفي الرقاب.. الغارمين.. في سبيل الله.. والسائلين ولكن ليس هناك باب للاقتصاد المصري في هذه الأبواب.. فماذا نفعل في الأبواب الرئيسية للزكاة إذا وجهنا الأموال لدعم الاقتصاد.. سألتها عن تجهيز المستشفيات أو المشاريع الاستثمارية التي تنفع المجتمع وتصب علي الفقراء فأجابت: بأن ذلك لا يدخل أيضا في أموال الزكاة وأننا نعمل بالقاعدة التي تقول: »لا اجتهاد مع النص« وأن هذا حكم إلهي فكيف نكسر كلام الله تعالي.. ولكن لأن ظروف الاقتصاد سيئة وفي النازل والوضع خطير فيمكن عمل ذلك من خلال صدقة التطوع وليس الزكاة أو أن نفعل كما فعل المهاجرون مع الأنصار.. فمن يعيش بجنيه يعيش بنصف كما يمكننا الاقتصاد والترشيد في مصروفاتنا وإنفاقنا لصالح البلد ونعمل كما قال الله تعالي: »فكلوا واشربوا ولا تسرفوا..« ونفعل كما قال تعالي أيضا: »ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة« أي نعمل بمبدأ الإيثار كما فعل عمر بن الخطاب في عام الرمادة فكان يأكل بالزيت وكان أقل الناس في معيشته في ذلك الوقت.. ولو طبقنا قول الرسول الكريم [ »من كان عنده فضل زاد فليتفضل به علي من لا زاد له« فسوف نحل الكثير من المشاكل ونسد احتياج الكثيرين. يتفق معها الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية في أن الزكاة توجه للفقراء واليتامي والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وهذه النقطة الأخيرة وهي نقطة في سبيل الله هي التي علي أساسها خرجت الفتوي حيث توسعوا فيها.. كالمدارس والمستشفيات وغيرها ولكن هذا ليس معمولا به في مجمع البحوث الإسلامية.. لافتا إلي أن الاقتصاد المصري ليس بابا من الأبواب التي توجه إليها أموال الزكاة. الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية أكد أن هذه الأموال تقام بها مشاريع إنتاجية وهذه المشاريع تصب في النهاية لدعم الاقتصاد فسألته في أن المصارف المحددة للزكاة معروفة وليس هناك باب للاقتصاد المصري فيها فقال: إن هذه الأموال بدلا من إعطائها للفقراء والمساكين نقدا في يدهم من الأفضل أن نعمل بها مشاريع إنتاجية تصب في خدمة الفقراء في النهاية وتعود عليهم بالنفع وتكون ثابتة بدلا من نفاد الأموال النقدية في يدهم مرة واحدة فقط.. وكذلك تجهيز المستشفيات التي يداوي فيها المرضي الفقراء والجرحي فهذه أيضا تعود بالنفع علي الفقير المحتاج للعلاج.. والمسألة هنا هي استثمار أموال الزكاة في مشاريع ثابتة تعود بالنفع علي الجميع سواء الفقير أو المجتمع كله ويكون مع هذا النفع دعما للاقتصاد المصري. ويضيف د.نجم قائلا: إن أمانة الفتوي حددت ثلاثة شروط لجواز ذلك: الأول: أن يتحقق من استثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية راجحة للمستحقين كتأمين مورد دائم يحقق الحياة الكريمة لهم.. والثاني: أن يخرج هذا المال عن ملكية صاحبه الذي وجبت عليه الزكاة ويتم تمليك المشروع للفقراء كأن يعمل مثلا في صورة شركة مساهمة يملك أسهمها للفقراء ولا تكون ملكيتها لصاحب المال الذي أخرج الزكاة بل لابد أن تخرج أموال الزكاة من ملكيته لتبرأ ذمته ويتحقق إيتاء الزكاة وإخراجها وإلا صارت وقفا لا زكاة.. والثالث: هو أن تتخذ كافة الإجراءات التي تضمن نجاح تلك المشاريع بعد أن تملك للمستحقين ملكا تاما ولا يصرف ريعها إلا لهم.