حاول منفذو ومخططو الحادث الاجرامي البشع أمام كنيسة القديسين بالاسكندرية حرق نسيج الوطن الواحد للمسلمين والمسيحيين.. وبالفعل توترت العلاقات نسبياً نتيجة رد الفعل غير العقلاني من البعض الذي تحول إلي مظاهرات صاخبة ومدمرة يردد المشاركون كلمات عدائية ومع هذا فقد أكد العلماء والجماهير ان ما حدث سيكون سحابة صيف سرعان ما تنتهي وتعود بعدها العلاقات المتينة التي تدين وتفسد أي محاولة للوقيعة.. فماذا قالوا؟ البداية كانت مع الجماهير: * مني عبدالله حاصلة علي بكالوريوس تجارة: منذ عدة سنوات تعرفت علي زميلة مسيحية بالنادي وشدني اليها حسن أخلاقها ورقيها في التعامل وحبها الجم للأطفال وعطفها عليهم مما وطد علاقتي بها وصرت أذهب معها أسبوعياً إلي النادي وأصبحنا نسافر معاً لقضاء إجازة الصيف في إحدي المدن الساحلية وصار أبناؤها وأبنائي أصدقائي وهذا هو حالنا مع كثير من إخواننا المسيحيين . * نجاة أمين.. ربة منزل: أسكن في الزيتون منذ 35 سنة وكل جيراني ومعارفي مسيحيون وتربطني بهم علاقة قوية فنحن نزور بعضنا البعض في الأعياد والأفراح ونواسي بعضنا في الشدائد والأزمات. * عادل جرجس- حاصل علي ليسانس آداب: لا يمكن ان يمر حادث الاسكندرية مرور الكرام فهناك قوة خفية تريد العبث بأمن مصر واستقرارها الوطني ولابد ان نتصدي لها. * أسامة أنور.. مدير محل بوسط البلد: أنا مسيحي كل أصدقائي وعملائي الذين أتعامل معهم مسلمون وتربطني بهم علاقة محبة فنحن لا نتعامل علي أساس الدين إنما أساس السلوك والأخلاق. * ربيع شعبان.. مندوب مبيعات: من حق أي انسان وقع عليه ظلم أو أضير ان يعبر عن غضبه واحتقانه لكن دون عنف أو شغب أو إلحاق أي ضرر بالآخرين. * حسام محمد- موظف بأحد المصانع: لابد ان نستفيد مما سبق وأن نتكاتف ونصبح يدا واحدة إزاء أي أزمة أو مشكلة تواجهنا والا نعطي الفرصة لأي أحد مهما كان ان يتدخل في شئوننا الداخلية ويفرض سيطرته علينا. * محمد محسن.. مهندس: معظم المصريين يعانون من مشكلات لا حصر لها سواء كانت مشكلات بطالة أو عنوسة وعلي الدولة ان تحل المشكلات حتي لا يحدث ما لا يحمد عقباه. تعصب أعمي وأشارت الدكتورة فادية رضوان أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس إلي ان أي استهداف من أي جهة خارجية لزعزعة أمن واستقرار هذا الوطن سببه الأساسي هو التعصب والتطرف الأعمي وغير المنطفي من بعض رموز الدين الاسلامي والمسيحي علي السواء فلابد أولاً وقبل كل شيء القضاء علي هذا التعصب ووضع الامور في نصابها الصحيح واغلاق الفضائيات التي تحث علي ذلك سواء كانت اسلامية أو مسيحية ومن يريد ان يتفق مع دينه عليه البحث والاطلاع علي مختلف الكتب الموضوعية والمشهود لها بالحيادية والثقة لكبار العلماء والمتخصصين.. وأضافت: لن تنصلح أحوال المجتمع المصري بكل فئاته وطوائفه الا اذا قمنا باصلاح الجذور وتغيير المفاهيم الخاطئة المتأصلة داخل المجتمع بأن هناك من أفضل من الآخر وهناك دين أفضل من الآخر فالأديان من وجهة نظري ما هي الا بروتوكول حياة يحدد كيفية وأسس علاقة الناس مع بعضهم البعض. ضد الأديان أكد الدكتور جمال الدين حسين أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ان الحادث البشع من الأمور التي تألم لها جميع المصريين في مطلع العام الجديد ونحن نؤكد علي ان هذا العمل الاجرامي لا يمكن ان يكون قد صدر من انسان يعرف الدين نؤكد ان من فعل ذلك لا دين له وبالتالي ليس له أي انتماء بأي وطن لأنه يريد زعزعة هذا الوطن الآمن.. وأضاف: لابد ان نتخذ من هذا الحدث منطلقاً لنعيد من خلالها ترتيب أوراقنا فنربي أبناءنا علي حب الآخرين ونعلم أولادنا ضرورة التعاون بين أبناء الوطن الواحد ونواسي المصابين ونقف بجوارهم وهذا ما يدعونا إليه ديننا الحنيف الذي لا يفرق بين جنس وجنس ودين وآخر فالناس جميعاً أمامه سواسية يضاف إلي ذلك أننا يجب ان نعلم ان تاريخنا المصري الحديث يؤكد علي عمق الوحدة الوطنية بين أبناء مصر. لذا يمكننا القول ان هذا الحدث دخيل علينا وبعيد كل البعد عن طبيعةا لشخصيةالمسالمة التي لا تقدم علي إيذاء الآخرين فما بالنا بايذاء الأبرياء.. حقوق وواجبات ووافقه الرأي الدكتور طلعت أبوصير الأستاذ بجامعة الأزهر قائلاً: الاسلام يحدد علاقة أبنائه بغيرهم من سائر البشر وتقوم هذه العلاقة علي أساس العدل والاحترام المتبادل واعطاء الحق كاملاً غير منقوص وأخذ الحق دون تجاوز للحدود وبناء علي هذه القاعدة تسود بين المسلمين بعضهم البعض علاقات مودة ورحمة وتعاون لقول الله تعالي: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين". لكن هناك للأسف الشديد بعض الناس تميل نفوسهم إلي الشر والعدوان بحق أو بغير حق وهذا أمر موجود في البشرية منذ القدم وربما ساعد علي انتشاره في هذا العصر وسائل الاعلام المختلفة والتحريض من أصحاب المصالح والأهواء وهذا ما يرفضه أي دين وكذلك أي مباديء انسانية عاقلة. وأضاف: المسلم لا ينبغي ان يكون مصدر أذي لغيره كما ان غيره ينبغي ان يكف أذاه عنه وما نشاهده اليوم من أحداث غريبة عن مجتمعنا المصري الذي يشهد تاريخه علي التعاون بين أبنائه في السراء والضراء وفي العثرة والرخاء وهو ما يطبق قول النبي صلي الله عليه وسلم: "ثلاث منجيات العدل في الرضا والغضب والقصد في الغني والفقر وخشية الله في السر والعلانية" وقد شهدت حياتنا أموراً غريبة عن هذا المنهج وتطورت وتلاحقت منها تلك الحادثة المؤسفة التي وقعت بمدينة الاسكندرية في ليلة رأس السنة الميلادية حيث سالت بسببها دماء كثيرة وتبعثرت أشلاء وتعاقبت نداءات ودعوات لا ينبغي ان تكون. وأضاف: المطلوب منا مسلمين وغير مسلمين ان نتمسك بضبط النفس وان نتجاوز الأحداث وأن تبقي فينا روح التعاطف والتعاون والبر والرحمة حتي تعيش أمتنا عزيزة كريمة وحتي نواجه مشكلاتنا الكثيرة سواء كانت بطالة أو عنوسة أو ارتفاع الأسعار وانتشار الأمراض. وأوضح د. أبوصير قائلاً: الاستماع إلي نداء العقل أمر واجب والقضاء علي عوامل الاندفاع والأصوات المتطرفة ونستند جميعاً لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" وعلي المسلم ان يفعل مع غير المسلم ما حدده الله عز وجل في قوله "إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم" ويقول عز وجل: "ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي" واستطرد: ان عقلاء الأمة وعلماءها مطالبون اليوم ببذل الجهد لتعود إلي النفوس المحبة وتمتليء بروح الصفح والعفو وان يتمسك الجميع بالصبر الجميل: "وليعفوا وليصفحوا إن الله يحب المحسنين" ولابد ان نترفع عن العداءات و الشحناء وعودة روح المودة والمحبة كما كان في أيام الشدائد عندما تعانق الهلال مع الصليب ووقف الجميع ضد أعداء الوطن وأجبروهم علي الرحيل.