منذ انتهاء الحرب الباردة بين موسكووواشنطن، أصبح البيت الأبيض المقر الأهم في العالم سياسياً، تسلط عليه الأضواء وتتجه نحوه الأنظار... فمن منا لا يعرفه بقراراته السيادية التي تخرج منه وأهمية من يسكنه، فهو مبني ذو جمال ورونق خاص، يجذب أنظار العالم إليه، ليس فقط لكونه مقراً للرئاسة الذي يدار منه العالم بأثره، بل لجمال مبناه الأثري وأعمدته وحدائقه الشاسعة، وطبيعة ساكنيه. لذا يحلم الكثير منا بزيارته والتجول في أروقته من الداخل ورؤية مكاتبه وغرفه، التي تحتضن قاعاته اللقاءات والاجتماعات التي يتخذ فيها العديد من القرارات وتخرج منه التصريحات المصيرية والحاسمة. ومع تعاقب الرؤساء وأسرهم عليه تتغير ملامح سياسته وتختلف بين جمهوري وديمقراطي ومن ثم من سيدة أولي لأخري فكل منهن لها لمساتها خاصة أن تنفيذ أعمال الديكور في البيت والمحافظة عليه تكون مهمة زوجة الرئيس. تحويل مقر الرئاسة إلي البيت الأبيض تطلب 570 جالون بوية بيضاء ذكر جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض خلال مطلع الأسبوع الماضي أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد يضطر إلي الانتقال في منتصف الصيف القادم إلي مبني أيزنهاور التنفيذي السابق قرب البيت الأبيض في واشنطن نظراً للقيام بالمرحلة الأخيرة من أعمال الترميم الخاصة بمقر الرئاسة التي بدأت قبل سنوات. ونفي كارني وجود أي نية لبناء قاعة شبيهة بالمكتب البيضاوي الشهير للرؤساء الأمريكيين لاستخدامها خلال أعمال ترميم يفترض القيام بها في هذه الغرفة الواقعة في الجناح الغربي من البيت الأبيض تقدر تكاليفها بنحو 673 مليون دولار. ففي هذا المكتب، يظل الرئيس الأمريكي معظم الأوقات حيث يعمل ويستقبل ضيوفه لعقد لقاءات رسمية، إضافة إلي مكاتب أخري مخصصة لمستشاريه. ورغم ضيق مكاتبه وممراته المتشعبة، يعد الجناح الغربي المبني الأكثر شعبية في واشنطن حيث تقاس السلطة بالاقتراب من الرئيس. ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يضطر فيها الرئيس الأمريكي إلي الانتقال إلي مكان آخر بسبب أعمال في البيت الأبيض، فقد سبق أوباما رؤساء أمريكيون آخرون أداروا البلاد من خارج المكتب البيضاوي والبيت الأبيض، فكان علي رأسهم ريتشارد نيكسون الذي كان ينزوي للعمل في مكتب أيزنهاور. فالمكتب البيضاوي، الذي كان سابقاً في مبني أيزنهاور، نقله فرانكلين روزفلت إلي الجناح الغربي عام 4391 لأنه كان يتنقل علي كرسي نقال بسبب إصابته بشلل الأطفال. وباتت عملية تغيير ديكور البيت الأبيض بمثابة حقل ألغام للرؤساء الأمريكيين بسبب التكاليف العالية كتلك التي قامت بها عائلة الرئيس كلينتون حيث قاموا باختيار ألوان ورق الحائط قبل انتقالهم إليه، أو بإجراءات خاطئة ترتكب خلال أعمال تنفيذ الديكور خلال الإدارات السابقة، مثل محاولة نانسي ريجان إزالة حائط في غرفة نوم الرئيس لينكولن. وبحسب ميول كل رئيس يزين الغرف التي يروق له الجلوس فيها، فقد وضع فيها أوباما في المكتب البيضاوي آرائك رمادية ولوحة وتمثالاً لبطله الرئيس السابق إبراهام لينكولن. فيما غيرت جاكلين كينيدي ديكور البيت بأكمله بمساعدة مصمم ديكور فرنسي ستيفن بودين. وتكون مهمة السيدة الأولي المحافظة علي البيت الأبيض بجانب لجنة من المتخصصين من المؤرخين والمستشارين في الوقاية التاريخية. وبدأ إنشاء البيت الأبيض عام 2971 ووضع تصميمه المهندس المعماري الأيرلندي جيمس هوبان، أشرف علي بنائه الرئيس جورج واشنطن لكنه لم يعش فيه، وكان الرئيس الثاني جون آدامز أول من عاش فيه عام 6971. وأقيم المبني في شكل جورجياني بسيط ينتمي إلي طراز البالاديو الكلاسيكي الذي كان سائداً في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي. واستوحي هوبان رسومات القصر وخطوطه من نموذج مبني البرلمان الأيرلندي في دبلن والمعروف باسم لينسر هاوس. كان يعرف وقتها ب"بيت الرئيس" حتي مجيء الرئيس ماديسون فأطلقت عليه السيدة الأولي دولي ماديسون "قصر الرئاسة". واستعمل مصطلح "البيت الأبيض" حينما أعيد طلاؤه باستخدام 570 جالونا من البوية لإخفاء آثار الحريق بعد أن قامت القوات البريطانية بإحراق القصر عام 1814. غير أن التسمية كانت مستعملة في الغالب وعلي مستوي الوثائق الرسمية بمسمي "البيت التنفيذي". ويضم البيت الأبيض 231 غرفة و 35 حماما و 6 طوابق و412 باباً و147 شباكاً و 3 مصاعد و 28 مدفئة. ويشتمل أيضاً علي ملعب خاص للعبة البولينج، وحمام سباحة وملعب تنس ودار للعرض السينمائي. وفي عام 2181 خلال الحرب الأمريكية، تعرض البيت الأبيض لقصف من القوات البريطانية. وفي أغسطس 4181 قامت القوات البريطانية بإحراق القصر القديم، واضطر الرئيس جيمس ماديسون وزوجته دولي للهرب. وقد أعيد بناء البيت من جديد، وانتقل الرئيس جيمس مونرو وزوجته للإقامة فيه عام 7181. وفي عام 2091 أمر الرئيس تيودور روزفلت بترميم المبني وإعادة بناء الشرفة الشرقية، كما أضاف الجناح الرئاسي المجاور للشرفة الغربية. وبعد ذلك، قام الرئيس فرانكلين روزفلت بتوسيع الجناح الغربي وأضاف إليه حمام سباحة داخلياً، كما قام أيضاً بتوسيع الجناح الشرقي. وبعد سنوات وتحديداً عام 8491 تمت إصلاحات وترميمات واسعة للقصر إبان فترة رئاسة الرئيس هاري ترومان، خرج تقرير ينذر بانهيار البيت الأبيض أي لحظة، فتقرر عمل ترميم شامل للبيت الأبيض واستخدام أحدث الوسائل لبنائه. وتم نقل الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "ترومان" إلي مبني آخر مقابل للبيت الأبيض. وتكلف الترميم 8.7 مليون دولار. واستخدم القائمون علي تلك الإصلاحات الصلب والإسمنت المسلح لتقوية هيكل قصر الرئاسة الذي كان قد تدهور إلي درجة تنبئ بالخطر. وقد استكمل بناء الطابق الثالث ليصبح دوراً كاملاً. ليصبح عدد غرف القصر من 521 إلي 231 غرفة. لكن القاعات التاريخية المعروفة للشعب الأمريكي بقيت كما كانت دون أي تغيير أساسي حتي عهد إدارة الرئيس جون كينيدي، عندما عينت زوجة الرئيس عام 1961 لجنة للفنون الجميلة، لتقوم بإعادة تصميم غرف البيت الأبيض إلي ما كانت عليه أصلاً. وفي نفس العام، أسست جمعية البيت الأبيض التاريخية لإعداد ونشر كتب إرشادية عن القصر وشراء قطع أثاث تاريخية للبيت الأبيض. كما تكونت لجنة للمكتبة لتزويد مكتبة البيت الأبيض بالكتب التي تمثل الفكر الأمريكي عبر تاريخ البلاد. وفي عهد الرئيس نيكسون، حدثت تغييرات أساسية أخري في غرف المبني التاريخية. فابتداء من عام 0791 أخذت زوجة الرئيس نيكسون علي عاتقها مهمة الاستمرار فيما بدأته زوجة الرئيس كنيدي من جهود، لإعادة تصميم غرف البيت الأبيض إلي ما كانت عليه في القرن التاسع عشر الميلادي. ويعد القصر أحد أهم المزارات السياحية في الولاياتالمتحدة؛ ففي كل عام، يزوره أكثر من مليون ونصف المليون زائر بأرجاء القصر المفتوحة للجمهور، ولا يسمح لهم إلا برؤية خمس قاعات فقط، تقع في الطابق الأول من القصر. ولكن هذه القاعات تعتبر عنوانًا لجمال وأناقة القصر كله من الداخل، كقاعة الطعام الرسمية التي تقع في نهاية الجزء الغربي من القصر وتتسع لمائة وأربعين ضيفاً دفعة واحدة. وقد جري تجديد هذه القاعة عام 2091 . ويطلق علي بعض الغرف أسماء ألوان مثل "القاعة الحمراء" مؤثثة بأثاث من طراز فترة ما بين عامي 0181 و 0381 وجدرانها مبطنة بالحرير الأحمر. أما القاعة الزرقاء أو كما يطلق عليها المكتب البيضاوي فهو مكتب رسمي للرئاسة الأمريكية. أنشئ عام 9091 كجزء من عملية توسيع الجناح الغربي في البيت الأبيض. خلال فترة إدارة وليام هوارد روزفلت، تم استيحاء شكل تصميم الغرفة علي الهيئة البيضاوية ومن ذلك كان تسميته، ويعرف كذلك باسم المكتب الأزرق. ارتبط المكتب البيضاوي في ذهن الأمريكيين بشخص الرئيس نفسه، وذلك من خلال الصور التذكارية التي شاهدوا فيها العديد من الرؤساء، مثل جون كينيدي الجالس خلف مكتب الرئاسة وابنه يجلس علي طرف المكتب، وريتشارد نيكسون وهو يتحدث بالهاتف لطاقم المركبة أبولو بعد نجاحهم في مهتمهم، أو إيمي كارتر وهي تحمل قطتها لتريها لجيمي كارتر في يوم ميلاده. ويستخدم المكتب البيضاوي كذلك في تسجيل اللقاءات التلفزيونية للرؤساء وخاصة التي تحمل أخباراً هامة للشعب الأمريكي مثل حديث كنيدي عن أزمة الصواريخ الكوبية، أو إعلان رونالد ريجان عن انفجار المركبة تشالنجر. والغرفة الخضراء تم ترميمها وتجديدها في الفترة مابين عامي 0081 و 4181 وكسيت جدرانها بالحرير المواري الأخضر الفاتح. أما أثاثها فهو من طراز أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي.