رشا عبدالمنعم فى حوارها مع عصام عطية المشهد الثقافي في مصر يشهد حالة من التخبط منذ قيام ثورة يناير ولعل تغيير أربعة وزراء للثقافة خلال عام تقريبا أكبر دليل علي هذا التخبط، وأن الثقافة هي كبش الفداء لما تتعرض له مصر من أحداث متلاحقة، وهو ما دفع جميع الحركات الثقافية في مصر الأسبوع الماضي لإصدار بيان وإرساله إلي مكتب وزير الثقافة د. محمد صابر عرب في محاولة لاستعادة الهوية الثقافية لمصر علي المستويات كافة. الحركات والكيانات الثقافية رأت ضرورة إعادة الأمور إلي نصابها وبخاصة في ظل استمرار استئثار وزارة الثقافة بسلطات المنع والمنح كما كان الوضع في عهد النظام البائد، بخلاف ظهور نبرة أصولية متشددة تكرس لكراهية الثقافة والفكر والفن، أهم مقدرات الأمة المصرية وقوتها الناعمة، وكل هذه الأجواء تجعل المثقف المصري في موقف لايحسد عليه. أبرز الحركات التي أصدرت البيان هي مبادرة مشروع دعم الفرق المسرحية المستقلة وجبهة الإبداع المصري وائتلاف الثقافة المستقلة وحركة الوعي ومؤسسة شباب فنانين وجمعية دراسات وتدريب الفرق المسرحية الحرة وائتلاف الفنانين التشكيليين وكيان ماريونيت وإسكندريلا للثقافات والفنون وغيرها من الحركات الثقافية.. البيان اعتبر أن وزارة الثقافة تواصل تجميد كل مكتسبات الثورة لصالح السلطات اللانهائية لموظفيها، والسير علي خطي النظام القديم بمنهجية محكمة لطمس هوية الفنان وتحويله إلي موظف ينشغل بالراتب والمنصب وتدجين النخبة عبر ضمها لعضوية لجان لا دور لها إلا الثرثرة في حجرات مغلقة.. البيان دلل علي هذه السلبيات بأمثلة لما يحدث في وزارة الثقافة ومنها: تجميد مجالس الإدارات التي تم إنشاؤها عقب الثورة لمراكز الإبداع والمؤسسات الثقافية التابعة للوزارة والتي صدرت قرارات وزارية بإنشائها بغرض إشراك المجتمع المدني في إدارة تلك المؤسسات ووضع سياسات ثقافية حاكمة لها.. وبعد أن كانت هذه المجالس هي التطور الثوري الوحيد في بني هذه المؤسسات..وطاقة الأمل المحدودة فيها، عادت اليد العليا لسدنة النظام القديم الجديد لتجميدها والعودة بهذه المؤسسات لأسوأ مما كانت وكذا إنشاء اللجنة العليا للمهرجانات - التي سبق وألغيت - بعد اعتراضات كثيرة من المثقفين، وذلك لتمكين عدد من الأشخاص (الحرس القديم) من بسط نفوذهم علي المسرح والسينما وعلي مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهما، فبدلا من إشراك المجتمع المدني في إدارة مؤسسات الدولة عبر مجالس الإدارات التي تم تجميدها: تسعي الدولة لتقويض فاعلية ودور المجتمع المدني لا نعرف لصالح من، وذلك عبر لجنة أنشئت خصيصا للتدخل في آليات عمل تلك المؤسسات التي تنظم أحداثا فنية، وكأن التعقيدات والإجراءات الروتينية التي تكبل بها المؤسسات المدنية حين تطلب دعما ما غير كافية لتشكل مثل هذه اللجنة الفوقية. وتناول البيان ميزانية وزارة الثقافة التي لا يعلن عنها وهو ما لايتفق مع معيار الشفافية وبالتالي تحول هذه الميزانيات سرا من الإنتاج الثقافي إلي مرتبات ومكافآت للموظفين وما أدراك ما حجم المكافآت التي تمنح لرؤساء القطاعات والمقربين لهم في حين تم تقليص أوجه الدعم المخصصة للمجتمع المدني تمهيدا لتجميده، كما لا تعلن وزارة الثقافة عن الدعم المخصص لمؤسسات المجتمع المدني وللمسرح والسينما المستقلة وكيفية ومعايير الحصول عليه حتي يظل الأمر عشوائيا مرهونا بالعلاقات الخاصة وقدرة البعض علي الضغط. وانتقد البيان تعيين قادة غير مؤهلين وغير أكفاء لإدارة المؤسسات الثقافية التابعة للدولة واستبعاد الأكفاء تطبيقا لنظرية الجاسوس الروسي (إذا أردت تدمير وطن اعط المسئولية للأضعف) وكأنه سعي ممنهج لضرب الثقافة الوطنية. وأخيرا عدم قيام وزارة الثقافة بدورها في الدفاع عن الثقافة والمثقفين ضد نوبات الهجوم الشرس والبربري من قبل جماعات أقل ما توصف به هو محاربة الثقافة ..تحت رعاية أو غفلة وزارة الثقافة. ومن هنا وانطلاقا من هدف مشترك هو إصلاح وزارة الثقافة والاضطلاع بدورها الوطني في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ الوطن.. حاولنا مناقشة ما تمر به الثقافة المصرية من تحديات مع بعض المثقفين الذين وقعوا علي البيان والذين وصل عددهم لاكثر من مائتي مثقف ومنهم رشا عبد المنعم كاتبة مسرحية وباحثة في المركز القومي للمسرح. بادرتني قائلة إن مصر تمر بفترة شديدة الحساسية ومن المفترض أن يتم نشر الثقافة والوعي مهما كانت تكلفتهما ..لأنه بعدم نشر الثقافة سوف ينتشر المرض والجهل وتكلفتهما أكثر من نشر الثقافة . كيف تكون تكلفة الجهل أعلي من تكلفة نشر الثقافة؟ - وزارة الثقافة لاتستطيع مواجهة المجتمع المدني لأن ميزانية وزارة الثقافة مخفضة إلي 10٪.. مشكلة الفلوس أن الموجود منها في وزارة الثقافة لايتم استثماره علي الشكل الأمثل، فهناك عدد ضخم من الموظفين في وزارة الثقافة يبتلعون ميزانية الوزارة وعموما الفساد في الوزارة مازال موجودا خصوصا أننا في مجتمع ليس واعيا بقيمة الثقافة ودورها. هل تري أن هناك مخططا لتدمير الثقافة ؟ - بعد الثورة نكاد نشعر بوجود مخطط لتهميش الثقافة عند المسئولين خصوصا أن المجتمع لا يطالب بحقه في الثقافة سواء حضور مسرح أو ندوات أو أمسيات شعرية وعموما هناك نظام سياسي يتعمد تهميش الثقافة لأنه يريد شعبا جاهلا لأن وعي الشعب سوف يصعب السيطرة عليه. لكن ماسبب خروج بيان في مثل هذا التوقيت؟ - بسبب كم القرارات التي تؤكد تراجع دور وزارة الثقافة خصوصا قرار اللجنة العليا للمهرجانات والصلاحيات الممنوحة لهذه اللجنة فهناك (الفن ميدان) الذي استشعر عماد أبو غازي قيمته كحدث ثوري ودعمه شهريا، ومؤخرا بدأت وزارة الثقافة تتراجع عن الدعم.. بسبب اللجنة العليا التي تم تشكيلها مؤخرا وهي تعتبر الجهة المانحة والمانعة دون وضع معايير تختار علي أساسها من يستحق الدعم، وهو نفس ماكان يتبع في عهد النظام القديم. هل قابلتم وزير الثقافة لعرض المشكلات التي تواجه الثقافة في مصر؟ - وزارة الثقافة أصبحت مجموعة خرابات لم تقم بدورها والجهاز الإداري فيها يمثل عقبة كبيرة ولكن الأمل في مؤسسات المجتمع المدني والمسرح المستقل والسينما المستقلة والجمعيات الخاصة بالتشكليين والجمعيات الثقافية الأهلية ولو تم دعم هذه المؤسسات بشكل صحيح سوف تقوم بدورها في المجتمع . أرسلتم بيانا إلي وزير الثقافة بسبب تراجع دورالوزارة في نشر الوعي الثقافي وقام الوزير بالرد علي هذ البيان ماذا جاء فيه؟ للأسف البيان الذي أصدره الوزير ردا علي بيان المثقفين يؤكد أنه في واد آخر حيث تعامل معه باعتباره بياناً للسينمائيين وهذا خطأ لأنه بيان للمثقفين وقد استخدم صيغة الإنكار وليس الحوار.