فهل اختفاؤه من السياسة الأفريقية سيساعد دول المنبع علي إعادة حساباتها عند التعامل مع هذا الملف الشائك وإمكانية الوصول لتوافق حول النقاط الخلافية في هذه الاتفاقية؟ وهل وفاته ستكون وراء جلوس كل دول الحوض مرة أخري علي مائدة المفاوضات في المرحلة القادمة؟ وما هو مصير العلاقات المصرية الأثيوبية؟.. هذه التساؤلات وغيرها سنطرحها علي أول مهندس مصري يطير فوق الأجواء الأثيوبية لمعرفة المشروعات التي ترغب أثيوبيا في تنفيذها علي حوض النيل وهو الدكتور عبدالفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الري سابقا والمسئول عن إدارة سياستنا المائية مع دول الحوض لسنوات عديدة والذي كشف عن وجه آخر للزعيم الأثيوبي غير الذي نعرفه عن الرجل!؟ وقبل أن نبدأ حوارنا يجب أن ننوه إلي أن وزارة الموارد المائية والري نعت رئيس وزراء أثيوبيا ميليس زيناوي في بيان صحفي جاء فيه أنه أحد القيادات القوية الحكيمة في القارة الأفريقية والذي دافع بجدية عن قضاياها الحيوية والرئيسية سواء السياسية أو الاقتصادية في المحافل الدولية كافة. وتذكر مصر للفقيد دوره في الدفاع عن موقف أفريقيا بشأن قضية التغيرات المناخية وضرورة توفير التمويل والمساعدات المالية لدول القارة من الجهات المانحة للحد من تأثيراتها.. وفيما يخص الموارد المائية والري كانت مواقفة إيجابية وتؤكد علي حرصه علي مسيرة التعاون المشترك والمصالح المتبادلة بين دول حوض النيل. كما كان يحرص دائما علي بناء علاقات وثيقة ومتميزة بين الشعبين المصري والأثيوبي خاصة أنه يجمع بين البلدين تاريخ طويل من التعاون المثمر كان وراءه وجود نهر واحد نعيش جميعا علي ضفافه. والوزارة تذكر لزيناوي سعيه لرفع مستوي التنمية لبلاده من خلال إقامة مشروعات مائية مشتركة، فقد حرص ألا تتضرر أي دولة من الآثار الجانبية لتلك المشروعات.. وفي هذا الإطار فقد جاء قراره بتأجيل التصديق علي الاتفاقية الإطارية لحوض النيل لحين استكمال مصر بناء مؤسساتها الوطنية بعد الثورة وأيضا قراره إنشاء لجنة لدراسة تأثيرات سد النهضة علي دولتي المصب. ومن جانبنا كان يجب أن نشير لهذا النعي لأنه سيؤكد ما جاء به الدكتور مطاوع حيث قال: نحن نعزي كلا من الشعب والحكومة الأثيوبية في وفاة قائدها الذي تولي حكم بلاده في فترة صعبة جدا وكان في الثلاثينيات من عمره وذلك بعد الإطاحة بنظام الحكم هناك ورئيس وزرائه منجستو الذي كانت علاقته سيئة بالرئيس السادات وشهدت فترة حكمهما أسوأ علاقات بين البلدين فقد هدد منجستو ببناء سدود بغض النظر عن أي اتفاقيات سابقة ورد عليه السادات بأنه إذا حدث ذلك سوف يعلن الحرب عليهم وبدأ التراشق الإعلامي المستفز بين الزعيمين. ثم جاء زيناوي إلي الحكم بعد فترة حرب أهلية وكان صديقا للاتحاد السوفيتي ومصر حليفة لأمريكا وتم استخدامهما كمادة للحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي. وأيضا عقب فترة الثمانينيات التي شهدت أسوأ موجة جفاف في حوض نهر النيل وراح ضحيتها إثر المجاعات الملايين من المواطنين بالقارة الأفريقية سواء في أثيوبيا أو كينيا أو الصومال أو غيرها. وكان علي الزعيم الأثيوبي الشاب أن يضع أهدافا لفترة حكمه.. كما يري الدكتور مطاوع.. فما هي؟ كان لابد أن يحافظ علي تماسك الشعب الأثيوبي الذي يضم عشرات الأعراق والأجناس وأيضا عشرات اللغات.. وأن يحدث أمنا واستقرارا داخل أثيوبيا بعد الحرب الأهلية والجفاف والفيضانات. إلي جانب إيجاد تنمية حقيقية وتحسين علاقاته بالمجتمع الدولي.. وبالفعل استطاع الحفاظ علي تماسك المجتمع الأثيوبي خلال فترة حكمه إلا أن الثوار الذين وقفوا بجانبه في حربه علي منجستو طلبوا حق تقرير المصير وأصبحت أريتريا دولة مستقلة ودولة جديدة في حوض نهر النيل. ❊ ما هو العمل الإيجابي في بداية حكم زيناوي ويخص مصر؟ - في عام 1991 عمل مذكرة تفاهم بينه وبين مبارك كتب فيها أن أثيوبيا لن تضر بالمصالح المصرية وأن البلدين لابد أن يتعاونا لتحقيق التنمية لشعوبهما، وهذا أول شيء إيجابي لكننا لم نستغل الأمر لأن مذكرة التفاهم كان من المفروض أن يتبعها لجان عمل مصرية أثيوبية تجتمع كل سنة ولكن للأسف الشديد كان يحدث ذلك كل 10سنوات وهذا إخفاق وفشل من جانبنا ولا يجب إلا أن نلوم أنفسنا. ❊ وماذا عن علاقته بالمجتمع الدولي؟ - كان لابد له أن يحسن علاقته بجيرانه والمجتمع الدولي بعد الحرب والجفاف حتي يحافظ علي الأمن وقد نجح بالفعل في ذلك.. فقد كان المجتمع الدولي ينظر له نظرة احترام لأنه كان يساعد علي عدم نشر الإرهاب في أفريقيا.. فكانت عاصمته أديس أبابا أكثر العواصم أمنا في شرق أفريقيا (فيمكنك أن تترك باب البيت مفتوحا) لأن أثيوبيا يوجد بها أكبر تجمع للجاليات في العالم حيث إن بها المفوضية الاقتصادية للأمم المتحدة بأفريقيا والاتحاد الأفريقي وبه ممثلون لكل سفارات دول العالم كمراقبين.. وأثيوبيا بالفعل من أأمن الدول الموجودة في العالم. ❊ ومتي بدأت العلاقة تقوي بين مصر وأثيوبيا؟ - في النصف الثاني من التسعينيات كان يتم الترتيب لمبادرة دول حوض النيل ولأول مرة تجتمع كل هذه الدول من أجل التعاون لتحقيق مصلحة شعوبها وقد تم وضع مجموعة من المبادئ أن المشروعات المطروحة يجب أن تحقق منفعة لبلدين وكانت هذه رسالة أخري من زيناوي أنه يرغب في التعاون مع مصر وفي هذه الفترة استقبل رسائل عديدة من الشعب المصري أن يتم التعاون مع دول الحوض وكان هناك شبه رغبة صادقة بين الجانبين لأن يتم ذلك. وفي عام 2001.. ذهبت دول حوض نهر النيل إلي سويسرا وتم الاتفاق علي تمويل الدراسات الخاصة بالمشروعات الموجودة ضمن مبادرة حوض النيل سواء علي مستوي برامج الأحواض الفرعية (النيل الشرقي والنيل الجنوبي) وبعد ذلك بعام واحد تم الاتفاق علي إنشاء مكتب للتعاون الإقليمي بين مصر والسودان وأثيوبيا وكنت أول مدير لهذا المكتب وبقيت هناك لمدة عام كامل وأيضا أول مهندس مصري يعمل هناك. وخلال هذه الفترة ولتأكيد جاهزيته (أي زيناوي) للتعاون مع مصر ودول حوض النيل أتاح جميع التسهيلات للوقوف علي جميع المشروعات الأثيوبية المقترح إقامتها علي روافد نهر النيل. ❊ ما هي هذه التسهيلات؟ - احضر مجموعة من الطائرات العمودية والعادية، وقمنا بزيارة جميع هذه المشروعات علي حساب الحكومة الأثيوبية وعندما وجد موجة عداء من صحف المعارضة المصرية ومن كتاب مصريين في الصحف القومية، قام بترتيب زيارة أخري لوفد من هذه الصحف ورئيس لجنة الزراعة في كل من مجلسي الشعب والشوري ومجموعة من الفنيين من الوزارات المختلفة ورتب لهم طائرات وتسهيلات وإقامة وكنت معهم وزرنا نفس المواقع مرة ثانية. كما تم استقبال هذا الوفد من أجهزة الحكم المحلي ورحبوا بنا كثيرا وبعدها تم تسهيل مهمة رجال الأعمال المصريين وتم توصيلهم إلي هناك وعملوا مشروعات مستمرة حتي الآن. ❊ وماذا تم بعد ذلك من جانبنا؟ - عرضت أثيوبيا علي مصر جميع مشروعاتها القومية التي نتباكي عليها حاليا وتم إقامتها بالتعاون مع الهند والصين وإسرائيل.. ويمكن الرجوع إلي التحقيقات التي كتبها الصحفيون وتقارير نواب مجلس الشعب. وكلها تحث علي التعاون المشترك بين البلدين، وفي نفس الفترة تم دعوة العديد من المسئولين الإعلاميين الأثيوبيين لزيارة السد العالي ومشروع تنمية شمال سيناء. ❊ إذن من أين جاءت أسباب الخلاف بين الدولتين؟ - في عام 2007 عندما اختلف وزراء مياه دول حوض النيل حول ما يسمي باتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي لمبادرة حوض النيل تم الاتفاق علي أن يتم عرض نقاط الخلاف علي الرؤساء، ومنذ ذلك التاريخ حتي الآن لم تكن هناك إرادة سياسية لحل القضية بأن يجتمعوا وبدأ يتدخل وزراء من دول حوض النيل في إثارة الأزمة وآخرهم الدكتور نصر الدين علام وهو أحد الأسباب وراء تدهور العلاقات المصرية الأثيوبية حيث أخذ في الهجوم علي الحكومة الأثيوبية ووصل به الحد أن قال إن زيناوي أخطر علي مصر من إسرائيل.. وعلي الجانب الآخر هناك من استغل الملف كمادة للتلميع السياسي والإعلامي نظرا لفشل الفنيين في دول حوض النيل في تحقيق التنمية لشعوبهم. وبناء عليه هناك مسئولون مصريون لم يتحملوا المسئولية ولكن كانت هناك لجان مشتركة وسفراء مصريون تقدموا بمبادرات لزيادة التعاون بين مصر ودول الحوض وإقامة مشروعات مشتركة ولكن تم إجهاضها خلال تلك الفترة. ❊ وماذا عن السدود الأثيوبية المزمع إقامتها؟ - هذه السدود التي طرحت في الفترة الأخيرة كانت معروفة ولم يكن هناك داع أن نثير الأزمات لأن حل المشاكل بين الدول لا يتم علي صفحات الجرائد وهذا الذي حدث من جانب وزراء دول الحوض، ونحن لسنا ضد التنمية في أثيوبيا من أجل تحقيق الاستقرار. وفي مارس من العام المنصرم.. عقد في أديس أبابا مؤتمر اللجنة الدولية لتوليد الطاقة الكهرومائية والذي افتتحه زيناوي وأثناءه جاء علي لسان رئيس هيئة الطاقة الكهربائية الأثيوبية أن السدود الأثيوبية المزمع إقامتها لا تزال تحت الدراسة حتي أواخر العام الجاري. إذن فإن التصريحات العدائية من جانبنا ليس لها أساس من الصحة وتم كتابة ذلك في تقارير ولكن ما نشر في صحفنا أن السد سيبني ويضر بالمصالح المصرية وكل ما حدث هو سيناريو وهمي. ❊ وبغض النظر عما حدث.. هل موت زيناوي سوف يغير أو يطور من العلاقات المصرية الأثيوبية؟ - المصالح والعلاقات بين الدول لا تبني علي أفراد لكنها سياسات ومؤسسات موجودة.. وبعد الثورة المصرية استقبل زيناوي الوفود الشعبية لكن المشكلة تتمثل في المؤسسات التي تتعامل مع الملف وهي الري والخارجية ومجلس الوزراء وهم الثلاثة الكبار وبناء عليه كما استقبل هذه الوفود.. كنا نتمني أن يحضر الرئيس مرسي الجنازة ويقول للإخوة في أثيوبيا نحن لسنا ضد التنمية لأن هذه الشعوب تفتقد الطاقة البديلة ولكن لديها مساقط مائية ولابد أن تستغلها ويجب أن ننظر ماذا حدث عند انقطاع الكهرباء عن أجزاء عديدة عن مصر.. ولأن الكهرباء هناك تغطي 5٪ من السكان فقط. وكانت مثل هذه الزيارة سوف تزيل كل الرواسب التاريخية بين البلدين.