العلمين .. مدينة مصرية وقعت بها معارك فاصلة خلال الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء ودول المحور.. ولم يكن لمصر فيها ناقة أو جمل ولكن أول طلقة في هذه الحرب كانت في أحد أيام سبتمبر عام 9391 وأطلقت من مدفع في بارجة ألمانية وأصابت مخزن ذخيرة في سيدي براني.. وتخيلوا لقد جرت هذه الطلقة حربا عالمية دامت 6 سنوات و12 ساعة و32 دقيقة! وراح ضحيتها حوالي 01 ملايين و846 ألف نسمة من دول الحلفاء التي خرجت منتصرة في هذه الحرب بينما دول المحور المنهزمة قدرت خسائرها البشرية ب 4 ملايين و656 ضحية.. أي أن المنتصرين كانت خسائرهم ضعف الخاسرين فيها! في حين أن مصر صاحبة ساحة القتال فقط بلغت خسائرها 3185 مدنيا و1952 عسكريا وليت الأمر اقتصر علي ذلك، فلا تزال منطقة العلمين والصحراء الغربية تعاني من ويلات هذه الحرب بسبب الألغام والذخائر غير المتفجرة المزروعة بها ويروح ضحيتها عدد كبير من المصريين سنويا. كل هذه المعلومات وغيرها يمكن التعرف عليها في متحف العلمين العسكري الذي يخلد ذكري المعارك التي دارت رحاها علي الأرض المصرية وحولها خلال الحرب العالمية الثانية. ولأننا من الأسر المصرية التي تهوي زيارة المتاحف لم يفتنا أن نقتطع دقائق معدودة من مصيفنا في الساحل الشمالي لكي نقوم بجولة داخل هذا المتحف غير الموجود في برامج الرحلات المدرسية حتي يتعرف أبناؤنا علي تاريخ بلادهم والأحداث الدامية التي مرت بها. وبمجرد شراء تذاكر الدخول من الجهة المقابلة للمتحف انتشر الجميع في ساحة العرض المكشوف.. فالكل ترك سلاحه ومعداته بعد انتهاء المعارك سواء كانت مدافع أو دبابات أو عربات أو حتي طائرات وقد تكون سليمة أو معطوبة وهناك أكثر من 51 نوعا منها مصنعا إما في انجلترا أو أمريكا أو ألمانيا أو كندا. وقد وجدنا مجموعة من المجندين المصريين يقومون بتقليم الأشجار الموجودة في الساحة وتعطي اللون الأخضر الجميل ويأتي إليها هواء البحر المنعش وتصويرها أكثر من رائع.. وقد انهمك جميع أفراد أسرتي في أخذ المناظر من جميع الزوايا، وكل حسب رؤيته، وقبل أن نغارد ساحة العرض علق بملابسنا وأحذيتنا أحد أنواع الشوك وكان لابد من التخلص منه قبل دخولنا لقاعات المتحف. وأثناء توجهنا إلي النصب التذكاري الذي يتوسط البهو الرئيسي للمتحف وجدنا مرشدة مصرية معها سائحان واكتشفنا أنهما من بريطانيا لأنها طلبت من القائمين فيه أن يكون الشرح في القاعة المشتركة باللغة الإنجليزية وعندما سألت عن وجود شرح باللغة العربية قالوا: نعم ولكننا استمعنا مع الأجانب حيث يوجد مجسمات وخرائط تعبر عن معارك العلمين ودور القوات المشتركة حيث تضم معروضات لجميع الدول التي اشتركت في الحرب وكان من ضمن معروضاتها أدوات طعام خاصة بأحد الجنود ومجسم يمثل جنديا اسيرا وجريحا من الفرقة الرابعة الهندية التابعة لقوات الكومنولث، ينقل إلي نقطة إسعاف المانية إلي جانب كتاب مقدس خاص بأحد الجنود الذين شاركوا في القتال. وإذا كنا قد دخلنا إلي القاعة المشتركة.. فكان يجب قبلها أن نذكر نبذة تاريخية عن هذا المتحف العظيم وننقلها لكم مما كتب علي ظهر تذكرة الدخول رقم 24498 وتشير إلي أن متحف العلمين الحربي افتتح عام 6591 تخليدا لذكري معركة العلمين ومعارك شمال أفريقيا في الحرب العالمية الثانية وتم تطويره عام 2991 وأعيد افتتاحه في ذكري مرور خمسين عاما علي هذه المعركة، بعد أن تحول اسمه إلي متحف العلمين العسكري وهو يقع علي بعد 501 كم غرب الإسكندرية وحوالي 01كم بعد طريق (وادي النطرون العلمين). ويتكون المتحف من 5 قاعات هي القاعة المشتركة السابق ذكرها وقاعة إيطاليا ثم قاعة مصر ثم قاعة ألمانيا ثم قاعة انجلترا وكل هذه القاعات تلقي مزيدا من الضوء علي دور قوات هذه الدول في تلك الحرب، أما العرض المكشوف الذي هرولنا إليه بمجرد دخولنا فمن خلاله يتم استعراض بعض الأسلحة والمعدات التي استخدمت فيها وقد بهرتنا بالفعل حيث تجسد أسلحة ثقيلة لاتختلف كثيرا عما نشاهدها في وقتنا الحالي. وقد لفت نظرنا في قاعة مصر وفي صدرها وجود ثلاثة جنود من حرس الحدود وسلاح المشاة وقوات المدفعية المصرية إلي جانب وجود مجسم لجندي في وضع الاستعداد لإطلاق النيران في ساحة المعركة. كما يوجد بالقاعة تمثال نصفي للملك فاروق الذي وقع معاهدة مع انجلترا وبسببها تم إقحام مصر في هذه المعارك إلي جانب وجود مجموعة صور لوزراء الدفاع في ذلك الوقت وعلي رأسهم الفريق عزيز المصري رئيس الأركان. كما يوجد بها لوحات عديدة عن أنواع السلاح المصري ودوره خلال هذه الحرب ومنه سلاح الحدود والمدفعية سواء المضادة للدبابات أو الطائرات وسلاح البحرية والمخابرات الحربية وسلاح الطيران وسلاح المهندسين. ومن أبرز هذه اللوحات.. لوحة تمثل أسر طيار إيطالي في 71/7/0491 علي يد دورية بقيادة الشاويش حسن محمد بعد أن صوبت قاذفة لطائرته مما أدي لقتل أربعة من طاقمها وأسر ذلك الطيار. ولوحة أخري تمثل أسر القوات المصرية ل 9 ألمان كانوا يلغمون السكة الحديد وفي نفس القاعة.. وجدت لوحة مكتوبا عليها أنه في عام 1942 تم كشف أهم شبكة جاسوسية يرأسها ألماني ولد في مصر وقد تم الاستعانة بإحدي الراقصات وتدعي حكمت فهمي للإيقاع بضابط إنجليزي ضمن الشبكة وأيضا بقسيس وفتاة يهودية للإيقاع بآخرين وبالفعل تم القبض علي الجميع. ولم ينس من قام بتصميم قاعة مصر أن يذكر لنا دورها في الحرب الذي بدأ بعد إعلان القوات الإيطالية عام 1940.. الحرب.. وبسبب عدم تمكن الحلفاء من إرسال قوات علي الحدود المصرية لمراقبة تحركات الجيش الإيطالي، قامت وحدات من الجيش المصري بهذا العمل حيث كان لواء الحدود بمثابة خطوط المراقبة الأمامية، كما دافع عن معابر الحدود ومنع الدوريات من محاولة العبور.. وقد تعرضت قوات الحدود لضربات المحور الجوية والبحرية المستمرة، كما تحملت كتيبة السلوم الصدمة الأولي من الإيطاليين وساهم هذا اللواء في نقل المياه والمؤن والوقود إلي قوات الحلفاء أثناء التحضير للهجوم علي جغبوب والتوغل في ليبيا وتولي أيضا مراقبة ساحل البحر ومنع وصول دوريات المحور من الغواصات قريبا من الشاطئ إلي جانب اشتراكه في الدفاع عن قناة السويس وعمل دوريات في الصحراء الغربية الجنوبية من العوينات والجلف الكبير حتي الداخلة والخارجة وأسوان ووادي حوف. هذا إلي جانب وجود مجسم لمركب Z الذي قامت مصر ببنائه من أجل مساعدة الإنجليز في هذه الحرب.. وقد قام هذا المركب بدور خطير في الغزو البحري. أما قاعة إيطاليا.. فيتصدرها مجسم لشعار القوات المسلحة الإيطالية التي اشتركت في معارك شمال أفريقيا بتشكيلاتها المختلفة.. ومن أجمل المعروضات بهذه القاعة تماثيل شمع لجنود وضباط الجيش الملكي الإيطالي بأزيائهم المتنوعة (أنباشي، مهندس ، جندي، رائد، مظلي، ملازم، طبيب، نقيب طيار) وبعض الأسلحة التي استخدمها الجيش الإيطالي. لكن أروع ماهو موجود بها هو صورة فوتوغرافية لجندي إيطالي وخطاب بخط يده أرسله لأسرته يبث فيه أشواقه وحنينه إليهم.. أهدته رافايلا حفيدة هذا الجندي للمتحف في عام 6002.. وهذا الإهداء من ضمن إهداءات عديدة جاءت للمتحف من أبناء وأحفاد من شاركوا في هذه المعارك علي أرض العلمين. بينما ضمت قاعة ألمانيا مجسمين لمجندتين في سلاح الإشارة تقومان بعمل وسط معارك العلمين بالصحراء الغربية.. إلي جانب وجود مجسم آخر لضابطة ألمانية ترتدي البدلة السوداء. ومن أكثر المجسمات جذبا مجسم يلتقط له صور لزوار المتحف بجوار ضابط طيار ألماني نظرا لموديل زيه رائع التصميم. إلي جانب وجود دراجة بخارية حربية (بي. إم . دبليو) معدة للعمل في الصحراء ومجهزة للاشتباك مع الطائرات. وهناك بعض المقتنيات التي تؤرخ للفيلق الأفريقي وقائده مارشال أرفين روميل الذي له تمثال نصفي يشبهه لحد كبير وبجواره صورة فوتوغرافية له. أما أبرز ما هو موجود في قاعة بريطانيا محتويات عدة أو شدة أحد الجنود البريطانيين الذين شاركوا في معارك العلمين وكان من ضمنها دليل إرشاد للقاهرة وأدوات طهي ومسحوق للأقدام ولم يغفلوا عن وضع قضيب معدني لتلميع الأزرار حتي تبرق.. وهذا يدل علي مدي استعداد الجندي البريطاني لخوض المعارك. وهناك مجسم لاحد مقاتلي الصحراء البريطانيين في زي بدوي وهو يستخدم البوصلة من أجل التجسس حيث يقوم بمهمة للمخابرات الحربية. وعن معركة العلمين قال رئيس وزراء بريطانيا: إننا لم نشهد نصرا قبلها ولا هزيمة بعدها.. ولقد تم إقحام مصر في هذه المعارك وسجل التاريخ دورها في حرب لاتنسي.