تواجه الدولة العبرية انتفاضة دولية غاضبة مشحونة بالكراهية تجاه كيان دموي عنصري نجح طوال عقود زمنية طويلة في خداعهم وتمثيل دور الضحية باقتدار لينقلب السحرعلي الساحر وينكشف الوجه الحقيقي لدولة تتنفس الإرهاب وتعيش علي دماء ضحاياها ولتبدأ محاكمة شعبية في شوارع كافة مدن العالم المتحضر.. فهل تنجو إسرائيل هذه المرة وتفلت من العقاب كما فعلت مرات كثيرة من قبل بفضل حائط الدفاع الغربي الذي يحول دون رؤية العالم لما تفعله من جرائم وأن ذلك يندرج تحت حق الدفاع عن النفس والمساواة الظالمة بين الضحية والجلاد ؟ من الواضح أن إسرائيل تمضي خلال السنوات الماضية من فشل لآخر علي كافة المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية دون أن تنتبه إلي أن العالم في حالة تغير وأن الإعلام حول العالم إلي قرية صغيرة وأنه لم يعد هناك شيء علي ظهر الأرض يمكن إخفاؤه وأن ثورة الإنترنت جعلت العالم يتواصل بمجرد نقرة صغيرة يصل الخبر خلالها في لحظات , في الماضي ارتكبت إسرائيل مذابحها دون أن يشاهدها أحد وكان الكشف عن هذه الجرائم يستغرق سنوات ولكن الآن لايستغرق ذلك سوي ساعات أوأيام قليلة , وماحدث مع أسطول الحرية لفك الحصار علي قطاع غزة كان بالصوت والصورة حيث حرص منظمو القافلة البحرية علي بث الرحلة بالأقمار الصناعية علي الإنترنت وتم تسجيل لحظات الإنزال الجوي لقوات الكوماندوز الإسرائيلية علي السفينة التركية (مرمرة الزرقاء) التي كانت تضم العدد الأكبر من الناشطين أخطاء استراتيجية وقعت إسرائيل في أخطاء فادحة في تعاملها مع قافلة أسطول الحرية منه أنها تعاملت مع المشكلة بطرقها القديمة التي تعتمد علي القوة المفرطة لترهيب وردع من تسول له نفسه المس بالدولة العبرية والاقتراب مما تسميه منظومة أمنها القومي ,تعاملت مع القضية كما تتعامل مع الفلسطينيين بالقوة المفرطة تحت غطاء الدعم الغربي دون أن تنتبه إلي أن هذا الأسطول يضم جنسيات من أربعين دولة من كافة أرجاء الأرض ومن بلدان حليفة لها، كما وقعت في خطأ اللجوء للحل الأخير مبكرا فقد كان يمكنها عرقلة تقدم السفن نحو شواطيء غزة ومحاصرتها أو الإحاطة بها وقطرها لأي ميناء لكنها اختارت توجيه رسالة بالغة العنف للجانب التركي تحديدا وللآخرين أيضا بقوة يدها الباطشة وأن من سيفكر مستقبلا في خوض التجربة سيلاقي نفس المصير ولكن ماحدث أن هناك أساطيل قادمة وفي المستقبل القريب لفك الحصارعن غزة للأبد وأن علي تل أبيب أن تواجه العالم كله وفي هذه الحالة ستلاقي مصير نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وزواله في النهاية، كما وقعت إسرائيل في خطأ التصدي لسفن في المياه الدولية مما يدخلها طبقا للقانون الدولي في إطار أعمال القرصنة والإرهاب الدولي ويحولها لدولة مارقة تشكل تهديدا للأمن في العالم وهذا قد يعرضها مستقبلا في حالة وجود حماية لهذه السفن لخوض معارك في البحر وتصورت أنها يمكنها محاكمة الناشطين بعد اعتقالهم ولكن التهديدات التي وصلتها حتي من حلفائها اضطرتها للإفراج عنهم ودون شروط وفي زمن قياسي، كما سقطت الحجج التي ساقتها حول اعتداء الناشطين علي جنودها لأنهم هم من هاجموا السفن مما أعطي لركابها حق الدفاع المشروع عن أنفسهم وفي مياه دولية كما أثبت الناشطون برواياتهم ذلك، ووجهت المعركة مع أسطول الحرية كشافات إضاءة قوية تجاه حصار قطاع غزة ومأساته مع هذا الحصار اللاإنساني وأن هناك أكثر من مليون ونصف المليون من البشر محاصرون من كل الجهات في حين أن أمريكا وحلفاءها خلال الحرب العالمية الثانية قاموا بعمليات إغاثة لسكان برلين المحاصرين من الجيش السوفيتي رغم حالة الحرب مع ألمانيا النازية (كما أشار الكاتب البريطاني روبرت فيسك)، أرادت أن تلقن المشاركين في القافلة درسا فأثارت العالم ضدها وهي الآن تتحول لكيان منبوذ عالميا ووسعت من دائرة المتضامنين مع غزة المحاصرة في كل جهات العالم الأصلية، ويكفي أن الشهداء التسعة من الأتراك الذين سقطوا ضحية الهجوم الإسرائيلي لم تذهب تضحياتهم سدي فقد اجتمع مجلس الأمن الدولي في وقت قياسي وصدر عنه البيان الرئاسي والذي كشف عن استمرار واشنطن في انحيازها الأعمي لتل أبيب وتفريغها البيان من محتواه لتجنيب إسرائيل الإدانة رغم وضوح ما ارتكبته، وتلا ذلك انعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وصدور قرار يدين إسرائيل ويوصي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ورفض أمريكا وهولندا وإيطاليا للقرار وامتناع الدول الأوروبية عن التصويت كما توالت استدعاءات السفراء الإسرائيليين في الكثير من العواصم تعبيرا عن الاحتجاج علي ماحدث وسعي كل من أوباما ونائبه بايدن لتبرير مواقف إسرائيل وحقها في الدفاع عن أمنها ولم تتوقف المظاهرات في كل أرجاء الدنيا تعاطفا مع الضحايا واستنكارا للهمجية الإسرائيلية، بل وحدثت انتفاضة في الداخل الإسرائيلي حيث تشن وسائل الإعلام حملة ضد الحكومة تتهمها بالفشل الذريع في التعامل مع المشكلة وتطالب بإقالة المسئولين من وزير الدفاع باراك إلي أشكنازي قائد الأركان وماروم قائد البحرية (ذو الجذور الصينية) وأن الفشل كان شاملا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا واستخباراتيا وإعلاميا ودعت إلي تشكيل لجنة تحقيق علي غرار لجنتي أجرانات (بعد حرب أكتوبر) وفينوجراد (بعد حرب لبنان) ويعتبر كثير من الكتاب والمحللين الإسرائيليين أن ماحدث يعبر عن الفشل والرعونة والعجز والغباء الذي جلب الكثير من العداء والكراهية للدولة العبرية وأن قادتها سوف يلاحقون في معظم دول العالم بتهم ارتكاب جرائم حرب . المواجهة مع تركيا أرادت إسرائيل من خلال استخدام القوة ضد أسطول الحرية الذي أشرفت عليه ومولته تركيا وكان معظم المشاركين والضحايا من الأتراك أن ترسل برسالة لها أنها تستطيع عقاب تركيا علي مواقفها الأخيرة ضدها ووقف تمددها في المنطقة العربية لكنها مضت في طريق الصدام معها وأيقظت وعي الأتراك بالقضية الفلسطينية وتعاطفهم وأن أردوغان ليس إسلاميا متطرفا يعادي العلمانية التي أسسها أتاتورك لتتحول القضية إلي محور اهتمام الأتراك وحسهم الوطني الجارف علي اختلاف أطيافهم السياسية خاصة بعد سقوط ضحايا علي أيدي القوات الإسرائيلية وسيبني أردوغان علي هذه المواقف الشعبية في قراراته وستخسر تل أبيب حلفا مهما في المنطقة عسكريا واقتصاديا وسياسيا كما ستدخل تركيا كلاعب رئيسي في قضية الصراع في الشرق الأوسط عبر تحالفاتها والتي ستكون أكثر تأثيرا من إيران للتقارب الديني والمذهبي والتاريخي مع بلدان وشعوب المنطقة ويملك أردوغان هامشا واسعا للحركة للرد علي تل أبيب رغم علاقاته مع واشنطن ووجوده في حلف الأطلنطي وعلاقاته الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل ولذا سوف يسعي لتضييق الخناق عليها قضائيا عبر محاصرة المسئولين عن مذبحة أسطول الحرية وتقديمهم للعدالة الوطنية أوالدولية ووقف التعاون العسكري وخفض التبادل الاقتصادي وتوطيد علاقاته العربية والفلسطينية تحديدا ولن يفعل أردوغان مافعله الإسرائيليون باستخدام آخر البدائل أولا (الهجوم علي القافلة) ولكنه سيجرب كافة البدائل التي ستوجع تل أبيب وكشف نهجها التوسعي والوحشي. ولكن المأساة الحقيقية تكمن في غياب اللاعب الرئيسي في المنطقة وهو النظام العربي الذي استقال من القضية وترك الباب مفتوحا لكل اللاعبين وأصبح أمام الشعوب العربية مجرد خيال ظل بينما تتصاعد الأحداث من حوله بينما هو لاحول له ولاقوة وكلما وقعت كارثة لاشيء يفعله سوي رمي الكرة في ملاعب الآخرين وكأنه ينفض عن نفسه المسئولية والغريب أن العالم كله يري أن إسرائيل لاتريد السلام فيماعدا الطرف العربي ولاشيء سوف يعيد المنطقة لأخذ زمام حاضرها ومستقبلها سوي العودة للشعوب وإطلاق حرياتها لتقول كلمتها وتكون صاحبة قرارها وتقرير مصيرها ليعود الجسد المريض لسابق عافيته كي يواجه الجراثيم والميكروبات التي أنهكته طويلا.