إبراهيم قاعود يبدو أننا بعد الثورة أصبحنا علي موعد كل شهر وربما كل أسبوع مع أزمة جديدة تدخلنا في متاهة أكبر وأعقد تصيبنا بالقلق والحيرة والارتباك والخوف من مستقبل قد لايتطابق أو حتي يقترب من أحلامنا وطموحاتنا في بلد نريده أن نراه أفضل مما كان عليه قبل الثورة ، في الأيام الأخيرة تجمعت سحب عدة أزمات في توقيت واحد.. ترحيل المتهمين خاصة الأمريكيين منهم بعد رفع حظر السفر عنهم في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، والدور المشبوه لهم في فترة مابعد الثورة، وانتهاك السيادة المصرية بالعمل دون تراخيص رسمية، والاشتباك بين القوي السياسية حول وضع الدستور الجديد للبلاد، ثم انتخابات الرئاسة القادمة والرئيس التوافقي، وحيرة المصريين مع المرشحين المحتملين، ثم الحكم المنتظر علي مبارك وابنيه وسالم والعادلي ومساعديه وتداعياته.. لكن المشكلة الأكبر هي الانفلات الأمني الذي لاتبدو نهايته وشيكة!! وسبب قلق المصريين هو أنهم لايجدون إجابات للكثير من تساؤلاتهم، فالقضايا أمام المحاكم يطول أمدها دون أحكام تشفي الصدور وتريح القلوب وتقتص من الذين أجرموا في حق هذا الشعب ليس خلال الثورة ولكن طوال العهد البائد من فساد وقمع واستبداد ، الغموض هو سيد الموقف والاتهامات توزع في كل الاتجاهات، منها الطرف الثالث واللهو الخفي والمندسون وأصحاب الأجندات الداخلية والخارجية، لكن المتهمين الحقيقيين في الغالب لايظهرون، وكأننا نعيش في مجتمع تحلق فيه الأشباح التي لاتظهر لا ليلا ولانهارا ، وهكذا نعيش في دوامة من اللوغاريتمات لايستطيع حتي العباقرة منا حلها ! تفاءل الكثيرون منا بأن طرق وأساليب النظام الذي سقطت رموزه وأقطابه سوف تتلاشي وسنتعامل بطرق أكثر سرعة وتأثيرا ونجاعة، لكن وجدنا آليات ذلك النظام مازالت حية وتعمل بكل كفاءة وكأننا لم نقم بثورة أو نعيش مرحلة تغيير ، أزمات لاتواجه إلا بعد أن يصرخ المصريون من المعاناة بسبب الأيدي المرتعشة التي تعودت علي التوجيهات ولاتملك الشجاعة والقدرة علي اتخاذ القرار ، إعلام منفلت يسيطر علي جانب كبير منه فلول تحولوا بين ليلة وضحاها إلي ثوار ولآخر مدي، حيث تمتليء جيوبهم بالملايين وهم يتحدثون عن معاناة محدودي أو معدومي الدخل بحماس إلي درجة البكاء، يرسمون طريق المستقبل وهم يدمرون الحاضر !! حق المصريين في المعرفة أصيل فهم يتطلعون الآن أن يكونوا شركاء في كل مايتعلق بحاضرهم ومستقبل أبنائهم ، لأن من أهم أهداف الثورة حق كل مواطن يعيش علي هذه الأرض في المشاركة والحفاظ علي كرامته وحريته، وأن يعيش آمنا مطمئنا علي رزقه ومسكنه والشارع والطريق الذي يسلكه. المشكلة الحقيقية أننا نعيش في مجتمع يختلط فيه القديم الفاسد الذي ضرب بجذوره حتي الأعماق بالجديد الذي يريد البناء، لكنه لايجد متسعا للحركة ولامجالا للانتشار وربما سنظل لشهور وربما لسنوات حتي نقتلع القديم ونقيم بناء قويا بلا غش أوفساد أو استبداد بعد التخلص من كل آثار الماضي بكل خطاياه وجرائمه. في أزمة التمويل الأجنبي كان الصوت عاليا بأن سيادة مصر علي أرضها خط أحمر وأن القانون سيطبق علي الجميع مهما كانت جنسيته ومكانته، فحلق المصريون في السماء ثم مالبثوا أن هبطوا سريعا لأرض الواقع برفع حظر سفر المتهمين الأجانب في القضية والسماح بخروجهم تحت سمعنا وبصرنا وبطائرة عسكرية أمريكية دخلت الأجواء وحطت في المطار دون تصريح وسط أجواء من الغموض، وكأننا عدنا للوراء سريعا مع أيام وسنوات المخلوع حيث كنا نخضع لإملاءات الخارج وكان رأس النظام كنزا استراتيجيا للغرب ولحليفته في المنطقة ودون أن يكون لنا الحق في معرفة مايجري ولماذا ؟! وكأن أزمة واحدة لاتكفي.. فمازلنا في دوامة الدستور الجديد حيث تتقاتل القوي السياسية حول من يضع نصوصه وليس مايحتويه من قيم ومباديء وحقوق وواجبات ، البعض يستبعد البرلمان الجديد وكأنه يريد العودة للمربع الأول بأن تضع الدستور جمعية تأسيسية من ائتلاف القابعين في الفضائيات والثوريين دون انقطاع أو فواصل، وإذا ما انتهت أزمة اختيار الجمعية سندخل في أزمة وضع مواد الدستور ثم الاتفاق عليها وعرضها للحوار المجتمعي وطرحها للاستفتاء الشعبي ولو صلحت النوايا وتوافقت الأفكار وحرص الجميع علي إعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر فإن وضع الدستور سيتم في وقت قصير ودون عوائق، فالأهم من وضعه احترامه من الجميع والالتزام بمبادئه. ثم تتوالي الأزمات ونجد أنفسنا أمام قضية اختيار الرئيس القادم للبلاد وحيرتنا فيمن يصلح لإدارة البلاد في أخطر فترة من تاريخنا، حيث إن المطلوب هو رئيس بدرجة خادم للشعب وليس حاكما مستبدا يعيدنا لعصر نريد أن نمحوه من ذاكرتنا، لديه من الشجاعة مايمكنه من مواجهة الأزمات، يعترف بحق شعبه في العدالة والعيش الكريم، يمشي في الأسواق لاتعزله حاشيته وكتاب التقارير وقصور الرئاسة ! ما نحتاجه هذه الأيام أن نفكر جيدا في أن تستقل إرادتنا في كل الاتجاهات، فالقضاء لابد أن يستعيد استقلاله وهيبته وعدالته والبرلمان يجب أن يكون معبرا بحق عن طموحات من انتخبوه والحكومة يجب أن تكون في خدمة الشعب وليس العكس والإعلام يجب أن يكون أداة للبناء وليس معولا للهدم ! استقلال مصر يبدأ عندما نملك قرارنا وأن يحصل الشعب علي حريته غير منقوصة ويشعر بكرامته في بلده وألا نخضع لإملاءات الآخرين وأن نعيش علي مانزرعه وننتجه وأن نتصدي بكل قوة لكل المؤامرات التي تستهدف هذا الوطن العزيز علي قلوب المخلصين له حتي النهاية.
كلمة أخيرة المصيبة ليست في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار! (مارتن لوثر كينج)