البوص والهيش ساعدا على انتشار النيران الحريق التهم حوالي 04 فدان نخيل وزيتون ينتفع بها 68 مواطنا القضاء والقدر يتغلب علي المهربين والكبريت كسبب وراء اندلاع الحريق أثارت مشاهد ألسنة النيران وهي تلتهم بسرعة رهيبة أشجار النخيل والزيتون في سيوة الكثير من مشاعر الذعر والفزع علي أهلنا الذين يقطنون تلك الواحة الساحرة من صحراء مصر الغربية.. فالنار لا ترحم في يوم عاصف، فهي ما تلبث أن تبدأ حتي تأتي علي الأخضر واليابس، مخلفة وراءها دمارا وخرابا لايوصف.. والنخيل والزيتون في الصحراء تسمي أشجار الحياة لما لها من أهمية عظيمة في حياة المواطن هناك فهي عصب الاقتصاد وحتي لو اكتفي الإنسان بتناول ثمارها فقط، يمكن أن يعيش لسنوات طويلة في أحسن صحة وأطيب حال، وأن فناء شجرة نخيل ومثلها من الزيتون يعني القضاء علي حياة إنسان يقتات عليهما، فما بالك إذا كانت تلك الأشجار هي مورد الرزق الوحيد له ولأسرته التي يعولها. ومن أجل الاطمئنان علي أشجار الحياة ومعرفة حجم الخسائر التي نالتها والأسباب التي أدت لذلك.. قمنا برحلة شاقة قطعنا فيها مئات الكيلومترات استغرقت منا ساعات طويلة من السفر في طقس غير عادي ومتقلب مابين أمطار غزيرة ورياح شديدة وبرودة قاسية وشمس مختفية وسحب داكنة. النخيل والزيتون من الأشجار المباركة التي كرمتها جميع الأديان السماوية ودعت للاهتمام بزراعتها ورعايتها.. فهي من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ. في الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الخميس الماضي وبعد حوالي 9 ساعات من السفر المرهق.. وصلنا إلي قرية المراقي والتي تقع علي بعد حوالي 71 كم من واحة سيوة وقبل أن نسأل عن النخيل المحترق حيث إن ذلك عنوان، لمحنا منظرها المخيف من علي بعد رغم أنها تقف شامخة بعد أن تفحمت ونحلت وصارت هيكلا من الفحم الأسود. وعندما وصلنا إلي مكانها وجدنا سيارة سياحة يخرج منها شاب يحمل كاميرا فيديو ولما اقتربنا أكثر وجدنا من سبقنا بكاميرا أخري وضعها علي حامل ليسجل مشاهد ماخلفه الحريق من آثار لإحدي القنوات الفضائية.. كما وجدنا عينا بها مياه راكدة وصورة أشجار النخيل الهزيلة تنعكس علي سطحها قبل الغروب. وهناك التقينا بأحد الشباب الذي جاء لموقع الحريق ويدعي مصطفي يوسف مدرس علوم والذي قال إن ألسنة النيران ارتفعت في عنان السماء لدرجة أن دخانها وصل إلي واحة سيوة البعيدة عنها وأن الأهالي حاولوا إخمادها كالمعتاد في مثل هذه الحوادث، إذ يسارع الجميع لمحاصرة أي نيران تشب ولكن نظرا لأن الرياح كانت عاصفة في ذلك اليوم مما أدي لانتشار الحريق وبذلك خرجت الأمور عن نطاق سيطرة الأهالي وجاءت لهم سيارات الإطفاء من سيوة ومرسي مطروح التي تبعد حوالي 003كم عن حطية مشندت وحطية طعوني المتجاورتين وهما من حطايا قرية المراقي (الحطية هي واحة صغيرة). وعن العين الموجودة في هذه المنطقة.. قال مصطفي إنها إحدي العيون الرومانية المنتشرة في الواحات الصغيرة وكانت تستخدم في مشروعات استصلاح الأراضي قديما.. مضيفا أنه توجد مقابر رومانية عديدة في هذا المكان لكنها مهملة بسبب المياه الجوفية التي تحيط بها. وقد لاحظنا انتشار البوص والهيش والحشائش العملاقة والتي يرجح أنها كانت عاملا مساعدا لانتشار النيران في المنطقة. وفجأة أثناء الحديث مع مصطفي شاهدنا عددا من رجال الإطفاء بين الأشجار المحترقة يقومون بعمليات جس للأرض بأحذيتهم العالية وعندما سألناهم عن مايفعلون قالوا: نحاول اكتشاف أي جذوة نار لايزال يتصاعد منها الدخان حتي نبردها بالمياه مرة أخري لأنه يوم أمس بعد إطفاء الحريق بيوم كامل كان قد أصابنا التعب والإرهاق من عمليات التبريد وبدون إنذار ارتفعت ألسنة النيران لأكثر من 30 مترا مما أدي لاستنشاقنا كميات هائلة من الدخان حتي تم السيطرة علي النيران تماما وكان هؤلاء الرجال العظام يتبعون الدفاع المدني. ثم جاء سيد حبون صاحب مصنع للمياه المعدنية في سيوة وقام بالحديث مع مصطفي وقد تجاذبنا معه بعض أطرافه حيث يؤكد أن أشجار النخيل والزيتون في هذه الحطايا معمرة جدا وقد تعيش لألف سنة لكنها موجودة في هذه المنطقة من حوالي 30 عاما ولحسن الحظ أن بيوت الأهالي تقع خلف هذا الجبل الذي يبعد حوالي 5كم عن مكان الحادث. ولم يذكر لنا مصطفي أو سيد الأسباب وراء اندلاع هذا الحريق وقد سرنا معهما حتي وصلنا إلي مكان آخر يوجد به مسجد يقف بجواره عدد من سيارات الإطفاء وينتشر حولها رجال من الجيش والدفاع المدني كما تقف سيارة إسعاف علي مقربة منهم.. ولما شاهدنا مجموعة من الأطفال الصغار قاموا بمصافحتنا باليد وكأنهم يعرفوننا مثل أهاليهم والذين بدا عليهم آثار الحريق في هيئة رشح وزكام وكحة خاصة مع ارتدائهم لملابس خفيفة لاتتناسب إطلاقا مع هذا الجو القارس من الشتاء. وقداصطحبنا الطفل علي إلي منزل والده ودخل ليحضر لي أمه التي خرجت إلي الفناء برفقة مجموعة من النسوة اللاتي يرتدين زي المرأة السيوية وأخذتني في أهلا وسهلا.. فقد حضرن من سيوة للاطمئنان علي صحة أم علي وأطفالها بعد أن سمعن بهذا المصاب الذي تصفه أم علي بأن ألسنة النيران أحاطت بهم وانتشر الدخان الكثيف والخانق وقد أغمي عليها فور سماع خبر اختفاء صغيرها محمد الذي راح ناحية النار وبعد العثور عليه بسلام، قام الرجال بإخراج النساء والأطفال في سيارات وإبعادهم عن مكان الحادث وتم إيواؤنا حتي الصباح عند بعض الأهالي ثم عدنا إلي بيوتنا ولم نغادرها من ساعتها. وأضافت أم علي أن النخلة تمثل كل شيء في حياتهم.. فمنها مأكلهم ومطعمهم ويأخذون السعف الجاف كحطب يوقدون به أفرانهم والحمد لله محصول هذا العام كان قد تم جمعه ونشره فوق الأسطح لكي يجف. وقد سألناها عن أسباب الحريق فقالت: قضاء وقدر ولا اعتراض علي إرادة الله.. فقد احترق كام غيط في الحطية ونظرا لطول النخيل وجفافه فقد زاد من قوة الاشتعال وأضافت أنه يمكن تنظيف المنطقة ومعرفة إذا كانت الفسائل الصغيرة لاتزال مخضرة أم لا.. لأنها إذا كانت مخضرة فمعني ذلك أنها يمكن أن تنمو من جديد لأنه يتكاثر بهذه الطريقة ولذلك لاينتهي أبدا!! وأثناء حديثنا مع أم علي قامت هي وحماتها بتوديع النسوة اللاتي جئن ليباركن لها علي السلامة وعلي مولودتها الجديدة نيرمين التي كانت تحملها بين يديها في بطانية ناعمة وقد رفعت لي الغطاء عن وجهها لألقي عليها نظرة، فإذا بها مولودة ذات وجه جميل. وقد غادرنا المراقي في طريقنا إلي سيوة وأمام مدينة شالي الأثرية بحثنا عن صديقنا الشيخ محمود عمر الذي كان في انتظارنا لكي يساعدنا في مهمتنا العاجلة وبمجرد وصولنا وبعد الترحيب بنا دعانا لحضور عرس لأحد أقاربه الذي بدأ بعد صلاة المغرب.. وبعد خروجنا منه جلسنا مع بعض أهالي سيوة الذين سردوا لنا قصة منتشرة هنا عن أسباب الحريق الذي اندلع في حقول النخيل والزيتون بمشندت وطعوني وهي أن شيوخ القبائل تقدموا بعدة بلاغات للمنطقة العسكرية والداخلية لمنع تهريب الأسلحة والذخيرة والمخدرات وغيرها عبر الحدود الليبية وعلم بذلك المهربون فقاموا بتهديدهم بحرق الحدائق الخاصة بهم إذا لم يسكتوا عن مايحدث ونظرا لأن هؤلاء من الشباب الذين لايتعدي عمر الواحد منهم ثلاثين عاما وأصبحوا يمتلكون الملايين والنفوذ مما أوغر صدور هؤلاء الشيوخ، فبدأ الصراع فيما بينهم.. وأجمع من التقينا بهم في هذه الجلسة علي أن الجيش قادر علي السيطرة علي الحدود لمنع مافيا التهريب من مزاولة نشاطها بدلا من إقامة عدة أكمنة علي الطريق من سيوة إلي مرسي مطروح وأنها لا تردعهم ولكن يجب أن يتم المنع والضبط من المنبع عند حدودنا مع ليبيا لأن الأمر بذلك سيكون أسهل وأوفر لأن خسائر سيوة لا تقتصر علي حرق المئات من أشجار الحياة. وقد أكد المهندس إبراهيم أحمد مدير الإدارة الزراعية بسيوة أن إنتاج النخيل يختلف من منطة لأخري لكن متوسط إنتاج النخلة في المنطقة التي حدث بها الحريق يتراوح مابين 50 إلي 100 كيلو جرام وبالفعل مشندت وطعوني من المناطق القديمة والأشجار بها معمرة وإنتاج النخلة الواحدة حوالي 50 كيلو جراما وسعر الكيلو حوالي 4 جنيهات والحمد لله أن جمع المحصول قد انتهي قبل الحريق. ونحن دائما ما نحافظ علي أصناف النخيل لدينا وهي السيوي (نصف جاف) والفريحي (جاف) والزاوي يضم عدة أنواع تصنف حسب جودتها والرديء منها يستخدم كأعلاف للثروة الحيوانية. أما الزيتون متوسط إنتاج الشجرة منه مابين 50 إلي 80 كيلو جراما ونظرا لغزارة الإنتاج هذا العام، فقد تدني سعره حتي وصل سعر الصاغ منه حوالي 5 جنيهات (الصاغ 2.25 كيلو جرام) ويضيف المهندس إبراهيم أن النخيل والزيتون هما عصب الاقتصاد للمزارع في سيوة، فهما بالنسبة له المورد الرئيسي للدخل. وعن الحشائش الكثيفة الموجودة في حدائق مشندت وطعوني.. المهندس إبراهيم يقول إن ظاهرة الحشائش منتشرة في سيوة بسبب المياه الجوفية وأن أشجار النخيل من صنف الزاوي رديئة المحصول وارتفاع أجور الأيدي العاملة في الزراعة وراء إهمال أصحاب الحدائق لأطرافها نظرا لأن الخدمة في هذه الأرض مكلفة جدا وأن العملية برمتها اقتصادية.. فالخدمة علي قدر المنتج حتي يمكن لهذا المزارع أن يوازن أموره. وإذا كانت الزراعة هي المصدر الرئيسي للرفاهية علي مستوي مصر.. فإنها في سيوة هي الحياة.. كما يري المهندس إبراهيم مضيفا أن الزيتون والنخيل من الأشجار التي تتحمل الملوحة بصفة عامة والظروف الجوية السيئة. ومن منطلق خبرتنا دائما ما نوصي بزراعتها في أراضي سيوة وأسفلها يمكن لصاحب الحديقة أن يزرع البرسيم الحجازي وإذا أراد أن ينوع يركز علي الرمان والجوافة والتين. ويبوح لنا المهندس إبراهيم بسر وهو أن منتجات سيوة من التمر والزيتون تتميز عن غيرها بأنها عضوية (خالية من المبيدات والكمياويات) نظرا لأن لديهم مشروعا للمكافحة الحيوية قائم منذ عام 2000 وينتهي 2013. وهو من خلالنا يدعو الدولة للاهتمام به ودعمه لكي يستمر في سيوة. ويقدر المهندس إبراهيم خسائر الأهالي الناجمة عن الحريق بما يتراوح مابين 30 إلي 35 فدانا والفدان الواحد منها به مايتراوح بين 60 و70 نخلة أي أن الخسائر ما بين 1800 و2450 نخلة احرقتها النيران هناك، ومن المشاهدة الظاهرية السريعة لنا يجب اقتلاع هذه الأشجار وزراعة غيرها لكن لو دخلنا علي الواقع قد نجد ما يمكن تأهيله منها ليعود للحياة من جديد. أما المهندس شاكر حبون سكرتير عام مجلس مدينة سيوة فيري ضرورة تسجيل شكر الأهالي لقواتنا المسلحة ورجال الدفاع المدني علي ماقاموا به من أجلهم ولكل من اتصل للاطمئنان عليهم.. فرنين التليفونات لم يتوقف عن السؤال ويضيف أنه تم حصر عدد الأفدنة المتضررة وتقدر بحوالي 40 فدانا ينتفع بها حوالي 86 منتفعا وقد سلمت الشئون الاجتماعية مائة جنيه لكل متضرر كما قدمت الجمعية الشرعية عددا من البطاطين والمواد الغذائية و10 أطنان دقيق.. أما المحافظة فستقدم مليون جنيه لإعادة تأهيل تلك المزارع من خلال إقامة بنية أساسية لها من مراو وبئر سطحية تجمع مياهها في خزان ثم يتم توزيعها علي كل الأراضي فلو اكتملت منظومة الري فسنتخلص من الهيش والبوص والمياه المالحة. ويستبعد المهندس شاكر أن استخراج الكبريت من هذه المنطقة كان وراء الحريق لأنه سطحي وليس فورانا من الأرض. كما يؤكد أن هناك العديد من الجمعيات الخيرية والمواطنين تبرعوا للأهالي لدرجة أن هناك (زفة معونات) وكل هذا يثبت أن مصر لاتزال بخير. ومن أجل الاطمئنان علي أشجار الحياة ومعرفة حجم الخسائر التي نالتها والأسباب التي أدت لذلك.. قمنا برحلة شاقة قطعنا فيها مئات الكيلومترات استغرقت منا ساعات طويلة من السفر في طقس غير عادي ومتقلب مابين أمطار غزيرة ورياح شديدة وبرودة قاسية وشمس مختفية وسحب داكنة. النخيل والزيتون من الأشجار المباركة التي كرمتها جميع الأديان السماوية ودعت للاهتمام بزراعتها ورعايتها.. فهي من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ. في الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الخميس الماضي وبعد حوالي 9 ساعات من السفر المرهق.. وصلنا إلي قرية المراقي والتي تقع علي بعد حوالي 71 كم من واحة سيوة وقبل أن نسأل عن النخيل المحترق حيث إن ذلك عنوان، لمحنا منظرها المخيف من علي بعد رغم أنها تقف شامخة بعد أن تفحمت ونحلت وصارت هيكلا من الفحم الأسود. وعندما وصلنا إلي مكانها وجدنا سيارة سياحة يخرج منها شاب يحمل كاميرا فيديو ولما اقتربنا أكثر وجدنا من سبقنا بكاميرا أخري وضعها علي حامل ليسجل مشاهد ماخلفه الحريق من آثار لإحدي القنوات الفضائية.. كما وجدنا عينا بها مياه راكدة وصورة أشجار النخيل الهزيلة تنعكس علي سطحها قبل الغروب. وهناك التقينا بأحد الشباب الذي جاء لموقع الحريق ويدعي مصطفي يوسف مدرس علوم والذي قال إن ألسنة النيران ارتفعت في عنان السماء لدرجة أن دخانها وصل إلي واحة سيوة البعيدة عنها وأن الأهالي حاولوا إخمادها كالمعتاد في مثل هذه الحوادث، إذ يسارع الجميع لمحاصرة أي نيران تشب ولكن نظرا لأن الرياح كانت عاصفة في ذلك اليوم مما أدي لانتشار الحريق وبذلك خرجت الأمور عن نطاق سيطرة الأهالي وجاءت لهم سيارات الإطفاء من سيوة ومرسي مطروح التي تبعد حوالي 003كم عن حطية مشندت وحطية طعوني المتجاورتين وهما من حطايا قرية المراقي (الحطية هي واحة صغيرة). وعن العين الموجودة في هذه المنطقة.. قال مصطفي إنها إحدي العيون الرومانية المنتشرة في الواحات الصغيرة وكانت تستخدم في مشروعات استصلاح الأراضي قديما.. مضيفا أنه توجد مقابر رومانية عديدة في هذا المكان لكنها مهملة بسبب المياه الجوفية التي تحيط بها. وقد لاحظنا انتشار البوص والهيش والحشائش العملاقة والتي يرجح أنها كانت عاملا مساعدا لانتشار النيران في المنطقة. وفجأة أثناء الحديث مع مصطفي شاهدنا عددا من رجال الإطفاء بين الأشجار المحترقة يقومون بعمليات جس للأرض بأحذيتهم العالية وعندما سألناهم عن مايفعلون قالوا: نحاول اكتشاف أي جذوة نار لايزال يتصاعد منها الدخان حتي نبردها بالمياه مرة أخري لأنه يوم أمس بعد إطفاء الحريق بيوم كامل كان قد أصابنا التعب والإرهاق من عمليات التبريد وبدون إنذار ارتفعت ألسنة النيران لأكثر من 30 مترا مما أدي لاستنشاقنا كميات هائلة من الدخان حتي تم السيطرة علي النيران تماما وكان هؤلاء الرجال العظام يتبعون الدفاع المدني. ثم جاء سيد حبون صاحب مصنع للمياه المعدنية في سيوة وقام بالحديث مع مصطفي وقد تجاذبنا معه بعض أطرافه حيث يؤكد أن أشجار النخيل والزيتون في هذه الحطايا معمرة جدا وقد تعيش لألف سنة لكنها موجودة في هذه المنطقة من حوالي 30 عاما ولحسن الحظ أن بيوت الأهالي تقع خلف هذا الجبل الذي يبعد حوالي 5كم عن مكان الحادث. ولم يذكر لنا مصطفي أو سيد الأسباب وراء اندلاع هذا الحريق وقد سرنا معهما حتي وصلنا إلي مكان آخر يوجد به مسجد يقف بجواره عدد من سيارات الإطفاء وينتشر حولها رجال من الجيش والدفاع المدني كما تقف سيارة إسعاف علي مقربة منهم.. ولما شاهدنا مجموعة من الأطفال الصغار قاموا بمصافحتنا باليد وكأنهم يعرفوننا مثل أهاليهم والذين بدا عليهم آثار الحريق في هيئة رشح وزكام وكحة خاصة مع ارتدائهم لملابس خفيفة لاتتناسب إطلاقا مع هذا الجو القارس من الشتاء. وقداصطحبنا الطفل علي إلي منزل والده ودخل ليحضر لي أمه التي خرجت إلي الفناء برفقة مجموعة من النسوة اللاتي يرتدين زي المرأة السيوية وأخذتني في أهلا وسهلا.. فقد حضرن من سيوة للاطمئنان علي صحة أم علي وأطفالها بعد أن سمعن بهذا المصاب الذي تصفه أم علي بأن ألسنة النيران أحاطت بهم وانتشر الدخان الكثيف والخانق وقد أغمي عليها فور سماع خبر اختفاء صغيرها محمد الذي راح ناحية النار وبعد العثور عليه بسلام، قام الرجال بإخراج النساء والأطفال في سيارات وإبعادهم عن مكان الحادث وتم إيواؤنا حتي الصباح عند بعض الأهالي ثم عدنا إلي بيوتنا ولم نغادرها من ساعتها. وأضافت أم علي أن النخلة تمثل كل شيء في حياتهم.. فمنها مأكلهم ومطعمهم ويأخذون السعف الجاف كحطب يوقدون به أفرانهم والحمد لله محصول هذا العام كان قد تم جمعه ونشره فوق الأسطح لكي يجف. وقد سألناها عن أسباب الحريق فقالت: قضاء وقدر ولا اعتراض علي إرادة الله.. فقد احترق كام غيط في الحطية ونظرا لطول النخيل وجفافه فقد زاد من قوة الاشتعال وأضافت أنه يمكن تنظيف المنطقة ومعرفة إذا كانت الفسائل الصغيرة لاتزال مخضرة أم لا.. لأنها إذا كانت مخضرة فمعني ذلك أنها يمكن أن تنمو من جديد لأنه يتكاثر بهذه الطريقة ولذلك لاينتهي أبدا!! وأثناء حديثنا مع أم علي قامت هي وحماتها بتوديع النسوة اللاتي جئن ليباركن لها علي السلامة وعلي مولودتها الجديدة نيرمين التي كانت تحملها بين يديها في بطانية ناعمة وقد رفعت لي الغطاء عن وجهها لألقي عليها نظرة، فإذا بها مولودة ذات وجه جميل. وقد غادرنا المراقي في طريقنا إلي سيوة وأمام مدينة شالي الأثرية بحثنا عن صديقنا الشيخ محمود عمر الذي كان في انتظارنا لكي يساعدنا في مهمتنا العاجلة وبمجرد وصولنا وبعد الترحيب بنا دعانا لحضور عرس لأحد أقاربه الذي بدأ بعد صلاة المغرب.. وبعد خروجنا منه جلسنا مع بعض أهالي سيوة الذين سردوا لنا قصة منتشرة هنا عن أسباب الحريق الذي اندلع في حقول النخيل والزيتون بمشندت وطعوني وهي أن شيوخ القبائل تقدموا بعدة بلاغات للمنطقة العسكرية والداخلية لمنع تهريب الأسلحة والذخيرة والمخدرات وغيرها عبر الحدود الليبية وعلم بذلك المهربون فقاموا بتهديدهم بحرق الحدائق الخاصة بهم إذا لم يسكتوا عن مايحدث ونظرا لأن هؤلاء من الشباب الذين لايتعدي عمر الواحد منهم ثلاثين عاما وأصبحوا يمتلكون الملايين والنفوذ مما أوغر صدور هؤلاء الشيوخ، فبدأ الصراع فيما بينهم.. وأجمع من التقينا بهم في هذه الجلسة علي أن الجيش قادر علي السيطرة علي الحدود لمنع مافيا التهريب من مزاولة نشاطها بدلا من إقامة عدة أكمنة علي الطريق من سيوة إلي مرسي مطروح وأنها لا تردعهم ولكن يجب أن يتم المنع والضبط من المنبع عند حدودنا مع ليبيا لأن الأمر بذلك سيكون أسهل وأوفر لأن خسائر سيوة لا تقتصر علي حرق المئات من أشجار الحياة. وقد أكد المهندس إبراهيم أحمد مدير الإدارة الزراعية بسيوة أن إنتاج النخيل يختلف من منطة لأخري لكن متوسط إنتاج النخلة في المنطقة التي حدث بها الحريق يتراوح مابين 50 إلي 100 كيلو جرام وبالفعل مشندت وطعوني من المناطق القديمة والأشجار بها معمرة وإنتاج النخلة الواحدة حوالي 50 كيلو جراما وسعر الكيلو حوالي 4 جنيهات والحمد لله أن جمع المحصول قد انتهي قبل الحريق. ونحن دائما ما نحافظ علي أصناف النخيل لدينا وهي السيوي (نصف جاف) والفريحي (جاف) والزاوي يضم عدة أنواع تصنف حسب جودتها والرديء منها يستخدم كأعلاف للثروة الحيوانية. أما الزيتون متوسط إنتاج الشجرة منه مابين 50 إلي 80 كيلو جراما ونظرا لغزارة الإنتاج هذا العام، فقد تدني سعره حتي وصل سعر الصاغ منه حوالي 5 جنيهات (الصاغ 2.25 كيلو جرام) ويضيف المهندس إبراهيم أن النخيل والزيتون هما عصب الاقتصاد للمزارع في سيوة، فهما بالنسبة له المورد الرئيسي للدخل. وعن الحشائش الكثيفة الموجودة في حدائق مشندت وطعوني.. المهندس إبراهيم يقول إن ظاهرة الحشائش منتشرة في سيوة بسبب المياه الجوفية وأن أشجار النخيل من صنف الزاوي رديئة المحصول وارتفاع أجور الأيدي العاملة في الزراعة وراء إهمال أصحاب الحدائق لأطرافها نظرا لأن الخدمة في هذه الأرض مكلفة جدا وأن العملية برمتها اقتصادية.. فالخدمة علي قدر المنتج حتي يمكن لهذا المزارع أن يوازن أموره. وإذا كانت الزراعة هي المصدر الرئيسي للرفاهية علي مستوي مصر.. فإنها في سيوة هي الحياة.. كما يري المهندس إبراهيم مضيفا أن الزيتون والنخيل من الأشجار التي تتحمل الملوحة بصفة عامة والظروف الجوية السيئة. ومن منطلق خبرتنا دائما ما نوصي بزراعتها في أراضي سيوة وأسفلها يمكن لصاحب الحديقة أن يزرع البرسيم الحجازي وإذا أراد أن ينوع يركز علي الرمان والجوافة والتين. ويبوح لنا المهندس إبراهيم بسر وهو أن منتجات سيوة من التمر والزيتون تتميز عن غيرها بأنها عضوية (خالية من المبيدات والكمياويات) نظرا لأن لديهم مشروعا للمكافحة الحيوية قائم منذ عام 2000 وينتهي 2013. وهو من خلالنا يدعو الدولة للاهتمام به ودعمه لكي يستمر في سيوة. ويقدر المهندس إبراهيم خسائر الأهالي الناجمة عن الحريق بما يتراوح مابين 30 إلي 35 فدانا والفدان الواحد منها به مايتراوح بين 60 و70 نخلة أي أن الخسائر ما بين 1800 و2450 نخلة احرقتها النيران هناك، ومن المشاهدة الظاهرية السريعة لنا يجب اقتلاع هذه الأشجار وزراعة غيرها لكن لو دخلنا علي الواقع قد نجد ما يمكن تأهيله منها ليعود للحياة من جديد. أما المهندس شاكر حبون سكرتير عام مجلس مدينة سيوة فيري ضرورة تسجيل شكر الأهالي لقواتنا المسلحة ورجال الدفاع المدني علي ماقاموا به من أجلهم ولكل من اتصل للاطمئنان عليهم.. فرنين التليفونات لم يتوقف عن السؤال ويضيف أنه تم حصر عدد الأفدنة المتضررة وتقدر بحوالي 40 فدانا ينتفع بها حوالي 86 منتفعا وقد سلمت الشئون الاجتماعية مائة جنيه لكل متضرر كما قدمت الجمعية الشرعية عددا من البطاطين والمواد الغذائية و10 أطنان دقيق.. أما المحافظة فستقدم مليون جنيه لإعادة تأهيل تلك المزارع من خلال إقامة بنية أساسية لها من مراو وبئر سطحية تجمع مياهها في خزان ثم يتم توزيعها علي كل الأراضي فلو اكتملت منظومة الري فسنتخلص من الهيش والبوص والمياه المالحة. ويستبعد المهندس شاكر أن استخراج الكبريت من هذه المنطقة كان وراء الحريق لأنه سطحي وليس فورانا من الأرض. كما يؤكد أن هناك العديد من الجمعيات الخيرية والمواطنين تبرعوا للأهالي لدرجة أن هناك (زفة معونات) وكل هذا يثبت أن مصر لاتزال بخير.