ثروة ضائعة.. هذا ما يمكن أن نصف به الحريق الهائل الذي التهم أمس الثلاثاء أكثر من 50 فدانا من النخل والزيتون بواحة سيوة، تلك الواحة التي تقع وسط أحضان الصحراء الغربية، كواحة من أجمل واحات العالم، طبيعة ساحرة، ومناظر خلابة، وبيوت طينية ذات أشكال حرة من العمارة التقليدية، وجبال صخرية تستطيع من فوقها أن تكشف الواحة بأكملها، نخيلها أخضر كثيف لم يضاهيه مثيل بين بقاع الأرض، وعيون متفجرة تروي أهلها من المصريين ماءً عذبا من أنقى مياه العالم. إنها واحة سيوة التي تقع على مسافة 820 كيلو متر جنوب غرب القاهرة قرب الحدود مع ليبيا، يمتد عرضها من الشرق إلى الغرب نحو حوالي 50 كيلو مترًا، تحدها من الشرق واحة الزيتون، ومن الغرب "المراقي"، أما طولها فيصل من الشمال إلى الجنوب نحو ثمانية كيلو مترات.
وتحتل الأماكن الزراعية في سيوة ربع مساحتها والتي ترتفع نحو ثلاث أو أربعة أقدام عن الأراضي السبخة، تحاط دائما بسياج من جريد النخيل ليمنع عنها هبوب سفا الرمال الخفيفة المتنقلة، أما باقي الأرض فهي عبارة عن أراضٍ سبخة وتلال رملية وبحيرات مالحة، تتألف الواحة نفسها من مجموعة واحات صغيرة متراصة، أهمها سيوه التي تنقسم إلى سيوة شرق وسيوة غرب، ثم الأغورمي والمراغي وخميسة وأبو الشروف وقوريشت والزيتون.
* آثار سيوة في أمان
وصرح الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار، اليوم الأربعاء، أن المواقع والمناطق الأثرية بواحة سيوة آمنة تمامًا وبعيدة عن موقع اندلاع الحريق الذى شب مساء أمس بكل من عزبة طعوني ومشندت بواحة سيوة، منوهًا إلى أن أقرب موقع أثري يقع بمنطقة المراقي على بعد 500 متر من مكان انلاع الحريق، وبه معبد يسمى الدوري وبقايا معبد آخر، ويعودان للعصرين اليوياني والروماني.
وأشار إبراهيم إلى أنه كان يتابع الموقف لحظة بلحظة مع عبد الحميد معروف، رئيس قطاع الآثار المصرية، وكذلك مع مديري المناطق بسيوة منذ وقت انلاع الحريق وحتى السيطرة عليه صباح اليوم الأربعاء، وأوضح معروف أن هناك خطة تأمين متطورة لتأمين المناطق الأثرية ضد الحريق والسرقة يتم تطويرها حاليًا وفقًا للمتغيرات على أرض الواقع.
* السيطرة على الحريق
قال اللواء مدحت النحاس قائد المنطقة الغربية العسكرية، اليوم الأربعاء، إنه تمت السيطرة الكاملة على الحريق الهائل الذي اندلع في مزارع سيوة أمس، والذي تسبب في تدمير 50 فدانًا من الأراضي الزراعية بقرية "مشندت" والتي تبعد عن مدينة سيوة بحوالي 15 كيلومترًا.
وأكد النحاس استمرار عمليات التبريد الجوية لمنع الاشتعال الذاتي للنخيل من الداخل، مضيفا أنه تم إخماد الحريق بالتنسيق بين وحدات الإطفاء الأرضية ووحدات الإطفاء الطائر فجر اليوم.
وأشار قائد المنطقة الغربية العسكرية إلى أن عدد المروحيات المشاركة في إخماد الحريق بلغ 4 طائرت منها طائرة من طراز "130سي" محملة بالمعدات والأدوات الخاصة التي يتم استخدامها في الإطفاء، وأوضح أن وحدات الإطفاء الأرضية التى شاركت في عملية إخماد النيران بلغت 15 سيارة منها 7 سيارات تابعة للقوات المسلحة و6 للدفاع المدني وسيارتين تابعتين لشركة خالدة للبترول، مؤكدًا أنه تم توفير مناطق إيواء عاجل للمتضررين من الحريق، مضيفا أن غرفة العمليات الرئيسية بديوان عام المحافظة لم تتلق أية إخطارات أو بلاغات عن وقوع أية إصابات أو حالات وفاة من أهالي المنطقة التي تعرضت للحريق، ولم تتلق المستشفيات أي حالات إصابة ناتجة عن الحريق.
من جانبه صرح الدكتور محمد زهران وكيل وزارة الصحة بمرسى مطروح، بأنه تم رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفى سيوة المركزي والمستشفى العسكري وجميع مستشفيات محافظة مرسى مطروح، وذلك تحسبا لأي ظروف أو طوارئ نتيجة للحريق.
* المهربون هم السبب
وفي سيوة قال الشيخ فتحي الكيلاني، شيخ قبيلة "الظناين": إن الحرائق المشتعلة في سيوة بدأت بوادرها منذ ثلاثة أيام، عندما تم إحراق مزرعته الخاصة ومنزله، وأن الحرائق ليست عشوائية، برغم أن الأسباب الفعلية للحرائق لم تتكشف بعد، لكن القضية لها أبعاد أخرى.
وكان عدد من شيوخ قبائل سيوة قد تقدموا في العاشر من فبراير الجاري بطلب لقائد المنطقة الغربية اللواء أركان حرب مدحت النحاس، يفيد قيام بعض شباب سيوة بتنظيم مجموعة من التظاهرات والاعتصامات لنبذ ظاهرة التهريب من خلال الحدود.
وجاء في الطلب المقدم: "رأينا رفع الأمر لسيادتكم لمنع هذه الظاهرة، حيث يقوم بعض الأشخاص بتهريب المخدرات والخمور والسجائر والأسلحة والذخائر وغيرها من المحرمات، ونحن أيضًا ننبذ تلك الظاهرة ونقف بجانب الشباب السيوي الواعد ورأينا رفع الأمر لسيادتكم وتفضلوا سيادتكم بوافر الاحترام".
وقال أحد شباب سيوة إن بعض الشيوخ الذين رفعوا المذكرة تلقوا مكالمات تهديد من بعض المهربين، ثم بدأت بعدها سلسلة الحرائق التي كان أولها حريق مزرعة الشيخ فتحي الكيلاني، فيما امتنعت قبيلتان عن التوقيع، وإحد هاتين القبيلتين تسمى قبيلة الشهيبات والتي تسكن منطقة بهي الدين.
وكان من بين شيوخ القبائل الموقعين على الطلب الشيخ عبد الرحمن محمد شعيب الدميري، الشيخ علي عمر منصور، الشيخ عمر أحمد عتوم، الشيخ محمد علي معرف، الشيخ فتحي كيلاني عمران، الشيخ جمال محمد صالح قدورة، الشيخ السيد عتمان إبراهيم عثمان، الشيخ عمران عبدالله أبو بكر راجح، الشيخ مشيري محمد سعيد، الشيخ مصطفي عليوة سعود.
وأضاف الشيخ فتحي الكيلاني: إن إجراءات الإطفاء تطلبت توفير عين مياه ذات عمق معين لتقوم طائرات الإطفاء بسحب المياه منها.
من جانبه أكد خالد مسلم، محام من سيوة، أن ''المهربين'' الذين يستخدمون مزارع سيوة لتهريب ''السلاح والمخدرات'' عبر الحدود مع ليبيا هم المتهم الأول في حريق مئات الأفدنة من أشجار النخيل والزيتون، وقال: ''المشايخ قدموا مذكرة في فبراير الجاري للقوات المسلحة لتأمين الحدود مع ليبيا، مما دفع المهربين لتقديم تحذير للمشايخ بحرق الحدائق إذا لم يسكتوا عما يحدث''.
وأكد عمر راجح -شيخ قبيلة أولاد موسى- صحة هذه المعلومة قائلا: ''بعدما تقدمنا بمذكرة لتأمين الحدود ومنعناهم من المرور بمزارعنا، حذرونا بعمل وقفة احتجاجية أو حرق مزارع المشايخ''.
وأضاف ''مسلم'' أن الحريق ''قضى على الأخضر واليابس'' في منطقة ''مشندت'' بسيوة، مؤكدا '' مفيش سيارة إطفاء واحدة دخلت مكان الحريق، ومفيش طيارة وصلت، مجرد شو إعلامي بأن وزير الدفاع أرسل طيارة، للأسف تصريحات المسئولين لا أساس لها من الصحة، لا تواجد للشرطة أو الجيش، ولا يقوم بعملية الإطفاء سوى اللجان الشعبية في سيوة''.
* تعويض الحكومة
من جانبه قرر اللواء طه محمد السيد محافظ مطروح تعويض المتضررين بمليون جنيه مصري.