الفلاح رشوان وحاله لايختلف كثير اً عن فلاحى مصر يعاني الفلاح المصري من مشكلات لاحصرلها هي بالأساس نتاج نظام بائد حول حياتهم إلي جحيم .. حتي بعد قيام ثورة ينايرالأمر لم يختلف كثيرا فهيئة الأوقاف المصرية لم تجد غضاضة في تحويل حياة أكثر من ألف أسرة في قرية "سنهوا "بمحافظة الشرقية"يقيمون علي مساحة 30٪ من الوقف المملوك لفايقة هانم عزت إلي جحيم بعد أن طالبتهم بدفع الإيجارات المتأخرة والتي وصلت قيمتها إلي آلاف الجنيهات وهم الذين لايملكون من حطام الدنيا شيئا سوي ستر الله عليهم وأصبحوا مهددين بالطرد من أراضيهم وبيوتهم ذلك السكن الذي لايعرفون سكنا غيره منذ أن تفتحت أعينهم علي الحياة ... كما أن الهيئة لم تكتف بذلك بل مدت مخالبها في صدور المزارعين لتنتزع منهم قلوبهم وتبيع أراضيهم لكبار المستثمرين ورجال النظام البائد دون علمهم ليفاجأوا بالملاك الجدد يطرقون أبوابهم وحقولهم يهددونهم ويتوعدونهم.. فمنهم من خشي علي حياة أبنائه وآثر السلامة ومنهم من ظل صامدا ولم يزل متمسكا بأرضه وبيته بل وطالب بكشف ملفات الفساد المتجذر منذ سنوات عديدة دون أن يلقي بالا إلي ما سيلاقيه. "أخرساعة"لبت دعوة أهالي تلك القرية لزيارتهم وسماع شكاواهم والظلم الذي يتعرضون إليه من قبل الهيئة ورئيسها. بمجرد دخولك إلي تلك القرية البسيطة والتي لاتختلف كثيرا عن مثيلاتها من القري المصرية فأناسها يتمتعون بطيبة خالصة وصفاء نية لايضاهيهم فيها أحد الابتسامة لاتفارق وجوههم حتي ولوكانت ابتسامة باهتة متأثرة بهموم الدنيا ومايلاقونه من متاعب ,ينتابك إحساس وكأنك داخل خلية نحل الكل يعمل ويكد دون كلل أوتعب فهذه سنة الحياة، الكرم شيمتهم لايبخلون عليك بما يملكون حتي ولوكان ضئيلا لايذكر يعشقون أرضهم وينزلونها منزلة الأبناء فلايفرطون فيها أويساورهم هذا التفكير الشيطاني بل يجزلون لها العطاء ويدافعون عنها لآخر قطرة في دمائهم فالأرض عندهم هي العرض وليس بعدالعرض شيء!! تتذكر شخصية محمد أبوسويلم في فيلم الأرض والتي مثلها الفنان القدير محمود المليجي ببراعة يحسد عليها فتشعر وكأنهم جميعا تحولوا إلي تلك الشخصية والتي لم ترتض أن تخطو أقدام غريبة أرضه فمات بين أحضانها ودفن فيها. وعلي الرغم من اتساع مساحة القرية والتي كانت أغلبها تابعة للوقف الخيري المملوك لفايقة هانم عزت إحدي أميرات الأسرة العلوية وابنة الأميرعزت عبد العزيزابن عم الخديواسماعيل وقد من بها الملك فؤاد الأول عليها بأكثر من ألف فدان فأوقفتها للأعمال الخيرية وظلت الأجيال المتعاقبة تزرعها حتي قيام ثورة يوليو والتي ضمت تلك الفدادين لهيئة الإصلاح الزراعي في خمسينات القرن الماضي ثم جاء قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات بإنشاء هيئة الأوقاف في السبعينات لتتحول بعد ذلك اليها . فالقرية لايوجد بها سوي مركز شباب واحد لايرتاده أحد من شباب القرية لضعف إمكانياته فتشعر وكأنه مكان مهجورلاحياة به من الأساس ,أما مركز الشرطة فحدث ولاحرج فما هوإلا مبني مهمل مكون من طابق واحد طاله عبث الزمن فلم يهتم أي من المسئولين بترميمه أومجرد إلقاء نظرة إليه فهل يعقل أن يكون هذا المبني المتواضع أحد قلاع الأمن والأمان في القرية!! وعلي الرغم من وجود عائلات كبيرة تقطن القرية ويحتل أبناؤها مناصب مرموقة في الدولة كعائلات الملا والألفي وغيرها إلا أنهم لم ينظروا إليها نظرة إشفاق واحدة وتركوها فريسة للإهمال والعبث. وبمجرد دخولنا إلي منطقتي "الورشة"و"المنشية"محل النزاع بين الأهالي وهيئة الأوقاف حتي استرعي انتباهنا وجود مكتب هيئة الأوقاف وهو مكتب أقل مايوصف بأنه حقير فلاتوجد أي يافطة أو علامة تعبر عن هويته فالمكتب أنشيء منذ أواخر عشرينات القرن الماض لتحصيل الضرائب والايجارات وتجميع محاصيل الأراضي في شونته من الأهالي ولم يتم ترميمه أوإعادة نيانه مرة أخري كأن الهيئة استقطعت عمدا من حساباتها .... يقول نبيل الملا أحد أهالي القرية: منذ أن تفتحت أعيننا علي الحياة ونحن نعيش علي هذه الأرض ولانعرف سكنا غيرها فقد تملكها أجدادنا في عشرينات القرن الماضي عندما كانت تعاني من البوارو لاقيمة لها فحولوها بأناملهم الذهبية إلي أرض خضراء تنبض بالحياة حتي وصل عددها إلي أكثر من 850 فدانا كانت ملكا لفايقة هانم عزت أعطاها لها الملك فؤاد فأوقفتها لأعمال البر والخير وظلوا يزرعونها دون كلل أوملل وبعد قيام ثورة 1952 تم استبدال ملكيتها وانتقلت إلي الهيئة العامة للإصلاح الزراعي التي قامت بدورها بتوزيعها علينا بنظام الإيجار وظللنا نزرعها منذ أواخرالخمسينات حتي عام 1973. ويستكمل الملا: قام الرئيس الراحل أنور السادات بنقل إدارة الأرض وليس تملكها إلي هيئة الأوقاف المصرية ،واستمرينا نزرع الأرض بنظام الإيجار حتي بعد تولي هيئة الأوقاف إدارتها بقيمة7 أمثال الضريبة ، إلا أن الهيئة قامت بعد ذلك برفع قيمة الإيجار إلي 22مثل الضريبة في عام 1997 ثم إلي 30 مثل الضريبة في عام 2005 ثم إلي 40 مثل الضريبة عام 2007 والآن تريد رفعها إلي 60مثل الضريبة ،يحدث ذلك بالرغم من ارتفاع تكاليف الزراعة ومستلزمات ،الإنتاج الزراعي والضرائب والقروض في الوقت الذي لم ترتفع فيه أسعار بيع الحاصلات الزراعية التي ننتجها بنفس المعدل بل وتنخفض في بعض الأحيان مما يعرضنا لخسائر فادحة إضافة إلي تعنت الجمعية الزراعية في إمدادنا بما نحتاج إليه من أسمدة وحاصلات زراعية،في المقابل فإن هيئة الأوقاف ترفع الايجار كل عدة سنوات بدون ضابط ولا معيار وتتعامل معنا كجابي ضرائب أو ككبارمستثمرين علي الرغم من أن وظيفتها الاساسية هي مساعدة الفقراء ودعم الايتام والمحتاجين ، وبالرغم من أن مستند ملكية الأرض الموقوفة من طرف فايقة هانم عزت لم يفرق بين المساحة المزروعة والمساحة التي بنينا عليها منازلنا إلا أن هيئة الاوقاف أتبعت معنا أسلوباً تجاريا بحتا وقامت برفع ثمن البيع الذي حدده قرارها رقم 113 لسنة 1993 من 30جنيها للمتر للمزارعين ،و40جنيها لغير المزارعين ، إلي 855 جنيها للمتر عام 2010 وهو ما يتنافي مع العدالة والمساواة وقدرتنا علي السداد من جهة أخري . أما صلاح حسين أحد المتضررين فيقول: بعد أن طفح بنا الكيل جراء ممارسات موظفي الهيئة ومطالبتهم لنا بدفع مبالغ خيالية نظير ايجارات بأثر رجعي حتي وصلت قيمتها إلي مايزيد علي 13ألف جنيه وعلي الرغم من أن هذه المساكن كنا قد بنيناها بجهودنا الذاتية دون أن تتدخل الهيئة أو تمد لنا يد العون فلماذا تطالبنا بدفع هذه القيمة مع أن البيوت التي كنا نعيش فيها بنيت بالطوب النيء. ويستنكر صلاح موقف الهيئة ضدهم فيقول: والغريب أن هيئة الأوقاف أرسلت إلينا إنذارات بالطرد ومحاضر تعد علي أملاك للدولة أي أن الهيئة تناقض نفسها .. فكيف تحصل منا الإيجارات بموجب إيصالات وفي نفس الوقت تتهمنا بالتعدي علي أملاك الدولة وتطالبنا بالرحيل عنها!!!! أما الحاج راضي الزيات فيتساءل: من المعروف أن تلك الهيئة قد أنشئت بالأساس لخدمة فقراء المسلمين وصرف ريع تلك الأراضي عليهم الا أننا لم نلحظ ذلك فمصر بها أكثر من 40٪ يعيشون تحت خط الفقر علي الرغم من أن موارد الهيئة تصل إلي مليارات الجنيهات فأين تذهب تلك المليارات؟ ومن المستفيد منها؟ ويروي الزيات قصة لقائهم باللواء ماجد غالب رئيس الهيئة ورده علي تلك الشكاوي فيقول: لقد تعامل معنا غالب وكائننا خدم في عزبته المسماة الأوقاف لدرجة أنه قال لو استطعت إن اؤجر المساجد لفعلت .؟ وقد نبهناه إلي أن تلك البيوت التي نسكن بها هي في الأساس ملك لهيئة الأوقاف فما كان رده علينا سوي أن الهيئة تقوم بزيادة سعر المتر كما تشاء. كما ظل مصراعلي موقفه المعادي لنا وقرر بيع المتر في المباني التي أقيمت عام 1993 بين 30و60 جنيها مع إضافة 5٪ حتي تاريخ الممارسة والمباني المقامة بين عامي 98.93سعر المتر بين 70و90جنيها ،وبين عامي 98و2003 سعر المتر بين 100و120جنيها وسعر المتر بين عامي 2003و2007 بين 130و180 جنيها مع إضافة 10٪ سنويا علي كل هذه التقديرات ،بالرغم من علمه أننا عاجزون تماما عن سداد تلك المبالغ فنحن أسر لاحول لها ولاقوة ولاتمتلك من حطام الدنيا سوي تلك الأرض وبيوتها.. فماذا يريد منا حقا رئيس هيئة الأوقاف .؟ هل نبيع أولادنا في المزاد .؟ أم نسرحهم كبلطجية في الشوارع ؟ من يحم أهالي القرية من هذا المسئول: وأثناء حديثنا مع أهالي القرية اذ فجأة يدخل علينا مندفعا رجل في أواخر العقد الخامس من عمره تحمل قسمات وجهه آلا الثلاثين عاما الماضية يتكلم بتلقائية شديدة يرتدي ملابس بالية ,يداه مليئة بأثار الجير الحي فقد تحول إلي عامل بناء بعد أن سلبت منه أرضه, اسمه صلاح رشوان بمجرد علمه بوجود" أخرساعة "في القرية ترك عمله وجاء علي الفور ليقص علينا قصته التي ماهي إلاحلقة من حلقات فساد رجال النظام البائد. يقول صلاح رشوان: منذ قدوم والدي إلي هذه القرية في أواخر العشرينات من القرن الماضي نازحا من بلدته في جنوب الصعيد واستقراره في البلدة وتمكينه من زراعة قطعة أرض كانت تتبع وقف فايقة هانم عزت الذي تحول فيما بعد إلي هيئة الأوقاف وظللنا نزرع تلك الأرض وندخر لها جهدنا ومانملك في سبيل تربية أبنائي السبعة بالرغم من تعنت موظفي الهيئة وزيادة رسوم الايجارات المبالغ فيها والتي لانقوي علي دفعها ولكننا تجرعنا كئوس المرارة برحب من أجلها. ويستكمل صلاح: وفي أحد الأيام عندما كنت أسدد قيمة الايجار إلي مكتب الهيئة اذ بالموظف يخبرني بأن الهيئة قد باعت الأرض إلي أحد أبناء القرية والذي كان يحتل منصب رئيس جهاز حماية المستهلك سابقا ووكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب المنحل إضافة لكونه أحد أقرب أصدقاء النجل الأصغر للمخلوع والذي جاء أكثر من مرة إلي القرية في زيارات سرية بسعر أربعة آلاف للقيراط الواحد فوقع الخبر علي كالصاعقة فماذا سأفعل أنا وأبنائي فرفضت الاعتراف بهذا البيع وفي ظهيرة أحدي أيام شهر فبراير وأثناء عملي بالأرض هجم علي بعض البلطجية الذين طالبونني بالرحيل عن هذه الأرض وعدم المعاودة إليها مرة أخري وألقوا إلي بحفنة من الأموال هي قيمة تلك الأرض وعندما رفضت الامتثال لهم أبرحوني ضربا وأسمعوني أقذر الشتائم ولم ينته الأمر إلي هذا الحد بل أطلقوا علينا النيران وكادوا يقتلونني فما كان مني إلا أن توجهت إلي مركزشرطة سنهوا وحررت بلاغاً حمل رقم 217 ليوم الثاني من شهر فبراير لعام 2011 يفيد بتلك التعديات وقد كانت هذه هي إحدي حلقات مسلسل الفساد وتزاوج المال بالسلطة وتواطؤ وزير الأوقاف السابق مع رجال النظام البائد وتحديدا ممن كانت تجمعهم علاقات صداقة مع نجلي المخلوع. وبعد استكمال حديثه طالب الشيخ محمود عبد الناصر ضرورة كشف الفساد المتجذر في تلك الهيئة التي تحولت من أداة للخير والبر إلي هيئة استثمارية وتعامل مع فلاحيها بمنتهي الغرور والتكبر ، وقد أثبت الحريق الذي شب مؤخرا في هيئة الأوقاف أن بعض الفاسدين في الهيئة حاولوا بهذا الحريق إخفاء كل الأدلة التي تثبت تورطهم في قضايا فساد، ويكفي أن نعلم أن الهيئة كانت تستحوذ عند إنشائها في عام 1971 علي نحو 55 ألف وقف فماذا تبقي من تلك الأوقاف حتي الآن . وعن رأي المنظمات الحقوقية المهتمة بمشاكل الفلاح المصري يقول عادل وليم المدير التنفيذي لمركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان : مما لاشك فيه أن الفلاح المصري علي مدار تاريخه كان كائنا مهملا في الأنظمة المصرية الحاكمة باستثناء الحقبة الناصرية التي عاملته معاملة أدمية وأعطته معظم حقوقه وتعد قضية مزارعي أراضي الأوقاف إحدي المشكلات الهامة التي تهدد عرش الفلاحين فمنذ عام 1992 ومع صدور قانون رقم 96 الخاص بالعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر والذي تم بموجبه طرد أكثر من 900 ألف مستأجر عند تطبيقه في أكتوبر من عام 1997 والدولة تنتهج سياسة تحرير الزراعة ، وارتفع إيجار الأراضي الزراعية من 600 جنيه في عام 1997 إلي نحو 5 آلاف جنيه في عام 2011 حدث ذلك بالرغم من أن أكثر الدول الرأسمالية مثل أمريكا وألمانيا وفرنسا تقوم بدعم مزارعيها، وكانت النتيجة الحتمية بعد أن رفعت الدولة يدها عن المجال الزراعي أن أصبح الفلاح المصري وجها لوجه أمام سياسة السوق وما تقتضيه من عرض وطلب فازدات خسائر المزارعين وسقط الكثير منهم تحت خط الفقر. ويستكمل وليم: الفلاح المصري مازال مواطنا من الدرجة الثالثة فلاحق له في الأرض والسكن والصحة والتعليم ... هو كائن بلا حقوق، ومشكلة مزارعي أراضي هيئة الأوقاف لا تخرج عن هذا الإطار، ففي ظل سياسة تحرير الزراعة تحولت هيئة الإصلاح الزراعي وهيئة الأوقاف ومصلحة الأملاك الأميرية »أملاك الدولة« وبنك التنمية والائتمان الزراعي من أدوات تم إنشاؤها لتخدم المزارعين إلي أدوات لقهرهم وإذلالهم وإفقارهم، فقد تحالف الإصلاح الزراعي مع ورثه الاقطاعيين ضد الفلاحين وقامت أملاك الدولة بمنح آلاف الأفدنة لرجال الأعمال بأبخس الأثمان في الوقت الذي تحاسب فيه المواطن الذي بني بيته علي 100 متر حسابا عسيرا وتحول بنك التنمية من بنك خدمي إلي بنك استثماري حتي إن أكثر من 450 ألف مزارع عجزوا عن تسديد قروضهم، وتحولت هيئة الأوقاف من هيئة للخير لمساعدة الفقراء والمستضعفين إلي أداة إلي قهرهم وإذلالهم، من هذا الإطار أستطيع أن أؤكد أن الفلاحين لن يستطيعوا انتزاع حقوقهم إلا من خلال اتحادهم في نقابة قوية تجمعهم، ومن المؤكد فإن نقابة الفلاحين التي ستصبح من أقوي النقابات في مصر كفيلة بأن تعيد الأمور إلي نصابها الصحيح وأن توفر بالفعل للفلاحين حياة تليق بالبشر. أما عبد الرحمن عبيد مدير مديرية الأوقاف بالشرقية فاكتفي بقوله :بعد التظاهرات التي قام بها أهالي قرية سنهوا وغيرها من القري قرر رئيس الهيئة خفض القيمة الإيجارية للفدان الزراعي من 1400جنيه إلي 1000جنيه رضوخا لمطالب الجماهير.