»سينما ريفولي».. التي يفوح منها عبق التاريخ.. وشريط سينمائي ممتد لسنوات كثيرة.. هنا وقفت أم كلثوم، وغني عبد الحليم، ودخلها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.. لكنها احترقت وانطفأ بريقها ثم ساد الغموض مصيرها، ليسقط جزء من تاريخ السينما. في يوليو الماضي، هُدمت سينما فاتن حمامة، إحدي أشهر دور العرض السينمائي، لبناء برج خرساني محلها، فيما جدد احتراق سينما ريفولي المخاوف من مصير مماثل لمبناها التاريخي العريق. »سيجارة» تمحو معالم حقبة هامة من تاريخ السينما المصرية شهدت رفع فيلم »عرق البلح» بعد يوم واحد من عرضه في الوقت الذي رفض فيه أشرف زكي نقيب الممثلين، الحديث عن حريق ريفولي، قال الناقد السينمائي طارق الشناوي، إن سينما ريفولي ليست مجرد سينما فقط بل هي تاريخ القاهرة كلها، وسينما ريفولي منذ عام توقفت فيها العروض السينمائية ويجب علينا أن نعيدها مرة أخري، ويجب علي الدولة أن تشارك وتعيد بناء السينما مرة أخري لأن هذه السينما تعتبر جزءاً من تاريخ السينما المصرية. أما الناقدة السينمائية ماجده موريس، فقالت إن لها ذكريات جميلة ورائعة مع سينما ريفولي، وأن سينما ريفولي هي أهم سينما في وسط البلد وتعتبر من أهم المنشآت ولها خصوصية وأن معمارها جميل ورائع ومميز حقيقي وهذا إلي جانب أن بداخلها مبني دائرياً رائعاً وأنها تقع ما بين شارع 26 يوليو وشارع رمسيس وبجانبها أماكن رائعة وعزيزة علي جميع الناس وكان بجانبها المركز الثقافي التشيكي وبنك مصر، وكان يقام بداخلها ندوات كثيرة. وتضيف أن هذه السينما عبارة عن مركز الثقافة المصرية في وسط البلد، وأنها كانت تري جميع الأقلام في هذه السينما، وأسعارها معقولة بالنسبة لجميع الناس، وأنها قريبة من جميع الأماكن والمحلات لشراء أي حاجة سريعة، وأنها من أهم الأماكن في قلب القاهرة. وأن ما نمر به مجرد حلقة من حلقات التراث المصري اللي كل شوية الناس بتمر بيه. الفنان عزت العلايلي، قال إن ذكرياته مع سينما ريفولي عادية زي فيلم الاختيار والكثير من الأفلام، وأن ما حدث شيء مؤسف جداً، وأن نفسه ترجع زي ما كانت، وأنه كان يذهب إلي السينما عادي جداً، وكانت تقليداً جميلاً وللأسف الشديد كل هذه الأشياء الجميلة راحت. عقب سيجارة واحتكاك كهربائي يشعلان نار نظرية »المؤامرة» لسينما ريفولي التي تقع في قلب »القاهرة الخديوية» التي يعرف بها تاريخ القاهرة ويشار إليها للتأكيد علي واحدة من أزهي الحقب التي عاشتها المدينة، هذه السينما كانت شاهدة علي أحداث سياسية وفنية، واقترن اسمها بألمع نجوم الفن والغناء في مصر والمنطقة العربية طوال القرن الماضي. الخسائر الأولية لحريق السينما قدرت بحوالي بمليون جنيه. تقول التحقيقات إن الحريق أسفر عن تآكل صالة العرض كلها، والدور العلوي للسينما، مُرجحةً أن يكون سببه »عقب سيجارة» ألقاه شخص ما أو احتكاك كهربائي أشعل النار في تجمعات أخشاب كانت بداخلها، إلا أن الحادث الجديد استدعي تخمينات البعض حول كونه محاولة تمهيدية للإسراع بهدم المبني من أجل إقامة مول تجاري بحسب شهادات للسكان الذين يعيشون جوارها في منطقة التوفيقية. قبل سنوات، تصاعد نداء المهتمين بالتراث لحماية مبني سينما ريفولي المسجلة كمبني ذي طراز معماري متميز بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ومع حريقها الأخير تجددت المخاوف من احتمالات تعرضها للهدم، خاصة بعد رحلة من المعاناة طوال السنوات الأخيرة، فقد أنشئت سينما »ريفولي» عام 1950، وهي من أملاك الأمير طلال بن عبد العزيز لتنتقل إلي ابنه الوليد بن طلال بموجب حق انتفاع منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتبلغ مساحتها 8 آلاف متر، وتضم 5 قاعات تحوي 2350 مقعدًا، اعتادت فساتين السهرة والألحان الموسيقية المنسابة في خفة بين أركانها، كما عُلقت علي جدرانها العتيقة صور الفنانين العمالقة في هذا الزمن، مثل رشدي أباظة وفريد شوقي وفاتن حمامة. وحسب أرشيف مكتبة الإسكندرية، استأجرها الفنان فريد شوقي في مارس 1990 عبر »اتحاد الفنانين» ليتم عرض الأفلام والمسرحيات فيها، علمًا بأن آخر مسرحية عُرضت فيها هي (شارع محمد علي) عام 1991. إلي أن استأجر رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل المسرح، وقسمه إلي خمس قاعات وحوله إلي دار عرض سينمائية تديرها ابنته »هديل». وظلت في حيازة الشيخ صالح حتي 2003 وهو ميعاد انتهاء العقد، فعادت السينما إلي شركة »جدة» المملوكة للأمير الوليد بن طلال. وبقيت السينما مفتوحة لفترة طويلة إلي أن أغلقت في أواخر 2013 بشكل نهائي، لتعيش رحلة جديدة من المعاناة والإهمال، ويحتل واجهتها الأمامية الباعة ومحال تجارية. وكان فيلم »القط» للفنان عمرو واكد آخر الأفلام التي عرضت فيها، إذ كانت تنظم آنذاك نحو 14 حفلة يوميًا بموجب تعاقد لمصلحة الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي، المملوكة للفنانة إسعاد يونس. كان عبد الناصر وملك المغرب أبرز ضيوفها.. وأم كلثوم وحليم والأطرش أبرز نجومها وبقيمة هذه الحفلة وبقيمة الحضور إليها، وبقيمة المساهمة فيها، حفلة تجمع بين سهرة فنية خالصة وبين مساهمة كريمة يقوم بها شعبنا العربي لإخوة لنا في مدينة أغادير، ورُفع الستار (تصفيق حاد)» قال مقدم الحفل عندما طلت السيدة أم كلثوم علي الجمهور. التاريخ 31 مارس 1960، والحدث فني بصبغة سياسية، والمناسبة حفل غنائي لكوكب الشرق يذهب ريعه لمنكوبي زلزال مدينة أغادير المغربية. وأبرز حضوره ملك المغرب محمد الخامس، حينذاك، قدمت أم كلثوم أغاني عدة، منها »لسة فاكر، الحب كده»، وبدأت السهرة ب»ذكريات» من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، التي تقول مقدمتها »ذكريات عبرت أفق خيالي. بارقا يلمع في جنح الليالي. نبهت قلبي من غفوته. وجلت لي ستر أيامي الخوالي. كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي. إنها قصة حبي. ذكريات». وسجل التاريخ الحريق الأول لسينما ريفولي في 26 يناير 1952، بالتزامن مع ما عرف وقتذاك ب»حريق القاهرة»، حيث كانت بداية الحرائق التي هزت مصر في تلك المرحلة، من دار العرض هذه. وكانت تسير بين قاعاتها واركانها، اعتادت فساتين السهرة والألحان الموسيقية المنسابة في خفة بين أركانها، كما علقت علي جدرانها العتيقة صور الفنانين العمالقة، مثل رشدي أباظة وفريد شوقي وفاتن حمامة. وفي أكتوبر 1955، حضر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع المشير عبدالحكيم عامر حفل أم كلثوم، حيث غنت »قصة حبي»، وعلي خشبة مسرحها، تعرض العندليب عبد الحليم حافظ لحالة إغماء بعد غنائه رائعته »موعود»، نتيجة تعرضه للإجهاد الشديد بعد مطالبة الجمهور له بتكرار مقاطع الأغنية في حفلة عام 1971 قبل أن يسافر بعد ذلك إلي لندن لتلقي العلاج. ومثلما شدا الموسيقار الكبير فريد الأطرش علي مسرح سينما ريفولي في بيروت، كذلك اعتاد تقديم حفلاته لسنوات في أعياد الربيع، علي مسرح ريفولي القاهرة التي تحمل نفس الاسم، وذلك قبل أن يحل مكانه العندليب. ومن ريفولي، تم رفع فيلم »عرق البلح» للمخرج المشاكس رضوان الكاشف من السينما في يونيو 1999، بعد يوم واحد من عرضه، بسبب الضجة التي أحدثها لمناقشته قضية الهجرة للخليج وكشفه عورات وعادات المجتمع إبان تلك الحقبة.