أثار الحكم النهائي، الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بغلق موقع "اليوتيوب" لمدة شهر، وحظر جميع المواقع التي تعرض الفيلم المسيء للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، الكثير من الجدل وانقسم المتابعون للحكم مابين مؤيد ورافض له. فيما حذر الخبراء والمختصون في مجال تكنولوجيا المعلومات من صعوبة تنفيذه علي أرض الواقع في ظل وجود برامج وتطبيقات إلكترونية حديثة يمكن بها اختراق هذا الحظر، ولم يتخذ الجهاز القومي للاتصالات أي خطوة حتي الآن لتطبيق الحكم. الحكم النهائي الصادر من الدائرة الأولي بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد أبوالعزم رئيس مجلس الدولة قضي بعدم قبول الطعون المقدمة من قبل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير لإلغاء حكم أول درجة والخاص بغلق موقع "اليوتيوب" لمدة شهر وحجب وحظر جميع المواقع والروابط الإلكترونية علي الإنترنت التي تعرض مقاطع الفيلم المسيء للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم لصعوبة تنفيذ الحكم. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الدستور المصري كفل حرية التعبير في مدلوله العام ومجالاته المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وجميع وسائل التعبير، وحرية الفكر والتعبير ليست حريات وحقوقا مطلقة وإنما هي مقيدة للحفاظ علي الطابع الأصيل لقيم المجتمع وثوابته وتقاليده والتراث التاريخي للشعب والآداب العامة، والتشريعات المصرية لم تحدد الحالات التي تستدعي حجب المواقع الإلكترونية، إلا أن ذلك لا يخل بحق الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في حجب بعض المواقع علي الشبكة الدولية الإنترنت حينما يكون الأمر فيه مساس بالأمن القومي أو المصالح العليا للدولة. وقالت المحكمة إن الفيلم المسيء وماتضمنه من خرافات هي من نسيج خيال مريض لمصورها إذ إن الاسلام والرسول الكريم ليسا في حاجة للمحكمة أو لغيرها للدفاع عن قدسيتها وسماوية رسالتها، وإنما تراقب تأثير ذلك العمل المثير علي الأمن القومي الداخلي وتماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والمواطنة. وفي تقدير الخبراء القانونيين فإن هذا الحكم غير مسبوق حيث إنه أول حكم قضائي نهائي وواجب النفاذ بحجب موقع إلكتروني، ليضاف فصل آخر ساخن في الدعوي رقم (60693 لسنة 66 ق) التي أقامها المحامي محمد حامد أحمد سالم سنة 2013 وطالب فيها بحجب ووقف موقع "اليوتيوب" داخل مصر لحين حذف الفيلم المسيء للرسول وأي فيلم مناهض للإسلام، وحجب كل المواقع التي تعرض فيديوهات للفيلم المسيء، خاصة أنه يترتب عليها نتائج يتعذر تداركها من استفزاز المصريين والمسلمين واستنفارهم واستدراجهم للفتن الطائفية، واختصم في دعواه كلا من رئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. وقتها صدر حكم الدرجة الأولي في التقاضي في المحكمة الإدارية بغلق موقع "يوتيوب" لمدة شهر، لكن مالبث كل من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير بإقامة طعنين علي هذا الحكم الذي تم إيقاف تنفيذه حتي يتم الفصل في القضية إلي أن انتهي به المطاف بهذا الحكم النهائي الصادر عن المحكمة الإدارية العليا وغير القابل للطعن. وأكد محمد حنفي المستشار الإعلامي لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في انتظار وصول الصيغة النهائية والرسمية للحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ودراسة كيفية تنفيذ هذا الحكم. سألنا،خبراء قطاع الاتصالات والمعلومات المختصين في هذا المجال،عن رأيهم في كيفية تنفيذ هذا الحكم (النهائي).. وهل سيكون له تبعات تؤثر علي مصر في هذا المجال، وما هي الحلول الأمثل لتلافي تكرار مثل هذه الأمور والقضايا. المهندس وليد حجاج، المتخصص في مجال تأمين وحماية الشبكات وتكنولوجيا المعلومات، يقول: إن الحكم بحجب اليوتيوب من الممكن تنفيذه في مصر بالنسبة لمن يلجأ إلي شبكة الإنترنت من خلال الشبكات المحلية، لكن لن يكون الأمر مجديا بأي شكل في ظل وجود برامج مصممة للتصفح الخفي أو ما تعرف باسم (برامج البروكسي) وهي متاحة لدي الجميع بل ويمكن تحميلها بمنتهي السهولة عبر أجهزة الهواتف المحمولة وبأقل جهد ممكن. كما أن حجب موقع اليوتيوب، لمدة شهر، وهي مدة الحكم الصادر بالحجب من الممكن أن يؤثر سلبا علي قدرة البحث باستخدام موقع "جوجل" في مصر وهو المالك لموقع "اليوتيوب" مما يمكنه أن يؤثر علي الكثيرين من المعتمدين علي الموقع في المجالات العلمية والبحثية والثقافية علي سبيل المثال علما بأن الموقع تحتل فيه مصر المرتبة الثانية علي مستوي الشرق الأوسط في استخدامه في عمليات البحث العلمية والاقتصادية والثقافية والدينية والقانونية، إلخ.. من شتي مناحي الحياة، وللعلم ووفقا للإحصائيات فإن 20٪ من حجم استخدامات الإنترنت في مصر يتم من خلال موقع "اليوتيوب" وبالتالي هناك مؤسسات وهيئات تعتمد في جزء من أعمالها عليه سوف تضار بشكل مباشر من هذا القرار مثل الجامعات والمراكز التعليمية. تبقي النقطة الأهم وهي أن موقع اليوتيوب هو موقع مسجل خارج مصر وتابع للولايات المتحدةالأمريكية ويخضع لقوانينها وبالتالي هي وحدها من تلك القدرة علي غلقه سواء من جانب الشركة المالكة له أو بموجب حكم قضائي أمريكي، ونحن وكما قلت لا نملك إلا حجبه من خلال الشبكات المحلية الداخلية فقط، أما غير ذلك فهو نوع من العبث لأن المواقع الكبري مثل "اليوتيوب" يقوم بالبث من عدة دول باستخدام تقنيات توزع المحتوي في عدد من المواقع لضمان كفاءة توصيلها بحيث يستمر البث حتي لو توقفت بعض مواقع البث سواء بالأعطال أو الحجب. الدكتور عبدالرحمن الصاوي، أستاذ هندسة الاتصالات بجامعة حلوان ورئيس اللجنة الشرعية السابق بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يتساءل عن المكسب الذي تم أو سيتحقق من هذا الحكم الذي سيحجب "اليوتيوب" لفترة زمنية، هل سيتم التوقف عن إذاعة هذا الفيلم المسيء أم أن من لم يشاهده سيبحث عنه ليشاهده، ولماذا اللجوء إلي القضاء وهناك آليات موضوعة من قبل إدارة "اليوتيوب" نفسها لحذف أي محتوي إذا ثبت أنه مسيء أو يحض علي العنف، الخ وتم بالفعل حذف محتويات من هذا النوع، وكنت أتمني أن يتم انتداب خبراء من قطاع الاتصالات لمعرفة الرأي الفني قبل الحكم كما حدث في قضايا مماثلة في درجات تقاضي أخري، كما كنت أتمني من القاضي الجليل الذي أصدر الحكم أن يوجه الجهات المعنية مثلا مثل الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بضرورة إنتاج أفلام وبرامج تتحدث عن سيرة الرسول الحقة وعن قيم وأخلاق الإسلام وتنتج مثلا من أموال الزكاة، أليس هذا الأمر في سبيل الله وهو أحد مصارف الزكاة وسوف يكون العائد هنا أفضل ألف مرة من حجب "موقع" لأننا ساهمنا في رفع الوعي وواجهنا الأكاذيب المنسوبة زورا وبهتانا للرسول صلي الله عليه وسلم.. "يوتيوب" لم يخسر شيئا بل نحن الذين خسرنا كثيرًا. ويتفق الدكتور محمد سعيد، رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال، مع وجهة نظر الدكتور عبدالرحمن الصاوي في أنه كان أجدي أن تكون هناك طرق أخري لمواجهة تلك الفيديوهات مثل حملات التوعية، وزيادة وعي الشباب بكيفية التعامل بشكل إيجابي مع هذه المواقع ومواجهة ما قد تقوم ببثه ويحتوي علي إساءة بشكل فني وقانوني، وتعني أن يؤخذ برأي الفنيين والاستماع إليهم لمعرفة وجهة النظر السليمة فنيا قبل إصدار مثل هذه الأحكام والقرارات.