رجل في الخمسين من عمره، يجلس أمام بيته، يدخل عليه شاب في العشرينيات، يوضح له أن لديه مهمة، تقتصر علي تنظيف جدران منزله، ثم الرسم عليها، وتلوينها، كما قال له إنه لن يأخذ مقابلًا، الرجل لم يفكر كثيرًا في حديث هذا الشاب، ليبتسم له: "أبدأ وأنا هعملك شاي". العمل كان جزءًا من مشروع فني، أداره الفنان التشكيلي المصري، عبد الوهاب عبد المحسن، أحد أبناء محافظة كفر الشيخ، بعد أن قرر إطلاق مشروع مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن، وهي منظمة غير هادفة للربح، وكل مُهمتها تنمية المنطقة كلها بالفن والأشكال الجميلة، وهي صاحبة فكرة تغيير شكل المنطقة برسوم الجداريات، وشارك أطفال وشباب القرية في تلوين الجداريات بالمنطقة، مُستهدفين تجميل شوارعهم. 40 فنانًا من 12 دولة، يأتون كل عام، إلي "البرلس" للمشاركة في الملتقي برسمهم علي جدران القرية، كما يشاركون أبناءها بالرسم والتلوين، وهذا ما قاله محمد الشاب العشريني، الذي يسكن في القرية: "طول السنة، المؤسسة بتقدم خدمات كثيرة، منها ورش رسم وجرافيتي، وحينما يأتي موعد الملتقي، الأطفال يجهزون فرشهم ويقفون معهم بالساعات والأيام ليشاركوهم". كل عام، تتحول منازل أهالي القرية إلي لوحة فنية جديدة، مرة تُعبر عن الحضارة المصرية، وأخري عن الطبيعة الساحرة، لكن الأكثر تكون وفقًا للمشروع المتفق عليه في الملتقي، ويقول أحد المشاركين: "كل عام في قضية الملتقي يسلط الضوء عليها لحلها، ويختارها لتكون محور الرسومات". الفنان التشكيلي عبدالوهاب عبدالمحسن، قال: "أردت أن يكون لي دور في تنمية كفر الشيخ التي تستحق الاهتمام بها، حيث لا توجد فيها أي خدمات ثقافية حقيقية، وأردت التأكيد علي أن الفن قادر علي تغيير المجتمعات للأفضل، ونشر السعادة في قلوب المواطنين، وهو أفضل سلاح لمحاربة التطرف، وأنه كلما انغمس أهالي مدينة ما في الأنشطة الفنية فهذا سيقتل أي تطرف من أي نوع"، وشدد علي أنه لا مكان للسياسة في جدارياته أو أهدافه وأن مشروعه يهدف إلي جمع الناس علي حب الفن لا لتفريقهم بشعارات ورسائل سياسية، ونشر الفن لقتل القبح والتطرف في نفوس البشر. المهندس حازم الأشموني، رئيس مدينة البرلس، قال إنه تم توفير جميع الإمكانات اللازمة للفنانين المشاركين بهدف المساهمة في تجميل المدينة من خلال رسم لوحات مستوحاة من طبيعة أهالي المدينة، التي يغلب عليها الطابع الريفي ويمارس الكثير من سكانها مهنة الصيد. أهالي قرية "البرلس" اعتادوا من سنوات، علي تجول الأجانب وسطهم، كما اعتادوا علي المحافظة علي الرسومات، وعدم المساس بها، فقد شعروا بالفرق. الماء والشاي ووجبات الطعام، أمور بسيطة يحاول بها أهالي "البرلس" التعبير عن امتنانهم للمشاركين في الملتقي، الذي حوّل بيوتهم إلي مزار حضاري حقيقي.