أردوغان للقاهرة والتي تعد الأولي لرئيس وزراء تركي منذ 15عاما اكتسبت أهمية خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة حاليا، كما تمثل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين القاهرة وأنقرة.. وقد بدا هذا واضحا من مرافقة أردوغان لعدد كبير من المسئولين الاقتصاديين، و200 من رجال الأعمال الأتراك يمثلون كبري الشركات التركية العاملة في مجال التشييد والبناء والصناعات المغذية لصناعة السيارات والنقل والصناعات الغذائية. اتفق رجال الأعمال من الجانبين علي السير قدما نحو تحقيق الشراكة والتكامل الاقتصادي بينهما، باعتبارهما أكبر قوتين اقتصاديتين في منطقة الشرق الأوسط.. اتفقا علي الاقتراب أكثر وأكثر ومضاعفة حجم التبادل التجاري بين البلدين من 3.1مليارات دولار إلي 10مليارات دولار خلال ال4سنوات القادمة.. وزيادة الاستثمارات التركية من 1.5مليار دولار إلي 5مليارات دولار أيضا، باعتبارها تحتل المرتبة ال47 ضمن قائمة أكبر الدول المستثمرة في مصر. تشابه كبير.. في التاريخ والثقافة المشتركة والحضارات وتطابق في المواقف السياسية يجمع بين مصر وتركيا.. وهو ما يؤكد علي ضرورة زيادة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بشكل أكبر بين الدولتين.. والجغرافيا أيضا تحتم التعاون، حيث يمكن أن تكون تركيا هي بوابة مصر لأوروبا.. وأن تلعب مصر دورا مهما كبوابة لتركيا إلي أفريقيا، وبالتالي يمكن خلق محور جديد للتجارة والتبادل بين الدولتين وبين دول الشمال والجنوب. زيارة أردوغان للقاهرة جاءت في ظل ظروف بالغة الحساسية تعيشها منطقة الشرق الأوسط، بشكل عام بسبب التنافس التركي الإيراني الإسرائيلي علي السيطرة علي المنطقة، وحساسية الأوضاع التي تعيشها خصيصا مصر وتركيا كأكبر دولتين في المنطقة.. لذا فزيارة أردوغان للقاهرة في مجملها لا تأتي عشوائيا.. فقد درس هذا الرجل من قبل دراسات عليا في مصر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وبالتالي فهو يعرف مصر جيدا، ويعرف إمكانياتها.. ويقود هذا التحالف المصري التركي وفق رؤية ووعي ودراسة، والذي سيفيد مصر وبشدة في وقت هي في الحقيقة في أشد الحاجة للتعلم من التجربة التركية في النهوض السريع، كما أنه سيفيد الدولتين في التصدي للدولة الصهيونية في المنطقة بعد أن تحولت علي حد قول الرئيس التركي إلي »ولد مدلل« في المنطقة.. والذي يؤكده تصريحات بعض المسئولين الإسرائيليين من التحالف المصري التركي مشيرين إلي أنه سيؤدي إلي عزل إسرائيلي في المنطقة. فالتجربة التركية.. تجربة مفيدة لابد من التعلم منها.. وهي التي لخصها إرشاد هرمز أوغلو كبير مستشاري الرئيس التركي عبدالله جول بأن تركيا لم تدر وجهها من الغرب إلي الشرق، بل صححت فقط هذا المسار، فهي لا تزال في عضويتها الفاعلة بالعديد من المنظمات كالناتو، ومنظمة التعاون الاقتصادي، ومنظمة الأمن والتعاون الاقتصادي، ومنظمة التعاون للبحر الأسود والبلقان، وتسعي للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت مراقبا في الجامعة العربية، وعضوا فاعلا في المؤتمر الإسلامي ولديها تعاون استراتيجي في مجلس التعاون الخليجي. وبهذه الفلسفة أصبحت تركيا تطير بعدة أجنحة، لا تطغي حسابات منطقة علي حسابات منطقة أخري، كما لخص علاقة حكومة بلاده ذات الجذور الإسلامية بالمؤسسة العسكرية ذات النفوذ السياسي التاريخي في تركيا بأن الجيش والحكومة ليسا طرفين بل أمة واحدة هذان هما طرفا المعادلة الداخلية والخارجية اللذان خاض بهما أردوغان مشروعه لإقامة تركيا القوية العصرية في عصر العولمة والقطب الواحد والشرق الأوسط المتوتر. ولكن هذا المشروع مازال لم يكتمل بعد، وينتظر تدشينه بدستور جديد كما تنتظر مصر بعدما نجح حزب العدالة والتنمية في تمرير 38 تعديلا في الدستور علي مدي سنوات خاض خلالها معارك سياسية طاحنة مع كافة القوي، وتغلب عليها مستندا في ذلك علي إرادة شعبية، وإلي دعم من القوي العظمي في إطار توازنات أجاد أردوغان اللعب علي أوتارها، كان من أهم عناصرها تبرير إصلاحاته بتلبية معايير وضعها الاتحاد الأوروبي لضم تركيا لعضويتها، ومن أهم هذه المعايير تطوير الاقتصاد التركي وتقليص نفوذ المؤسسة العسكرية في صنع القرار السياسي.. من هذا المنطلق جاء القفز إلي الشرق الأوسط بعدما ثبتت تركيا أقدامها في محيطها الإقليمي، وبعدما نفضت يدها المغلولة من بعض القيود الأمنية والاقتصادية والتجارية مع تل أبيب، عقب أزمة »بالمر« الذي ظلم شهداء أسطول الحرية التركي لغزة لصالح العدوان الصهيوني العسكري علي سفينتهم المدنية.. جاءت زيارة أردوغان للقاهرة باحثا عن حليف شرق أوسطي في شرق أوسط ثائر، بهدف البحث عن تحالف بين مصر وتركيا كأكبر دولتين في المنطقة بشكل خاص. ويتوقع الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن تعزز تلك الشراكة الاقتصادية بين مصر وتركيا مساعيهما الرامية إلي قيادة حركة التجارة والاستثمارات في الأسواق الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، ولكن ذلك يتطلب كما يري الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء وزير المالية إلي ضرورة تفعيل أدوات التعاون مثل المجلس الأعلي الاستراتيجي للتعاون الاقتصادي، وتوقيع المزيد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم بين البلدين للعمل علي زيادة التبادل التجاري، خاصة إذا نظرنا إلي حجم الصادرات المصرية لتركيا نجدها رغم أنها تشكل نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها في مجملها تعتبر متواضعة.. حيث كانت حوالي 641مليون دولار خلال عام 2009، زادت إلي 926مليون دولار خلال 2010، كما بلغت قيمة الصادرات المصرية خلال الفترة من يناير إلي يوليو 2011 نحو 842مليون دولار، وذلك بنسبة زيادة قدرها 53٪.. بالمقارنة بنفس الفترة من العام السابق وتتمثل أهم الصادرات المصرية للسوق التركية في »الأرز والنحاس والغزول والأقطان والملابس القطنية والبولي إيثيلين ورمال السيلكا«.. وهو ما يتطلب زيادة حجم الصادرات المصرية للسوق التركية والعمل علي تنوعها خاصة وكما أكد السفير التركي بالقاهرة حسين عوني أن المرحلة الجديدة التي نشهدها حاليا تمثل أساسا قويا لتحويل العلاقة بين البلدين إلي شراكة استراتيجية لتدعيم النمو الاقتصادي في البلدين. فإن موقعي تركيا ومصر المميزين وثقلهما السياسي والجغرافي في المنطقة يؤهل البلدين لقيادة المنطقة اقتصاديا.. حيث يبلغ مجموع السكان في البلدين 160مليون نسمة، ومساحة الأرض 1.7مليون كيلومتر مربع، والناتج المحلي الإجمالي المشترك 800مليار دولار، وحجم التجارة الدولية لهما 400مليار دولار. ولعل أهم ما يميز زيارة أردوغان لمصر أنه يراهن علي استقرار مصر، ويتمسك بتعميق التعاون بين البلدين ليشكل في النهاية ركيزة للاستقرار في المنطقة.