النجوم أصناف وألوان مختلفة بعضهم يبدأ ممثلا عاديا ثم يتألق بمرور الوقت ويصبح حديث الجمهور ومحط أنظار المعجبين والنجم المصري عمر الشريف من أوائل النجوم الذين تركوا بصمات واضحة علي الساحة المصرية منذ أن اكتشفه المخرج يوسف شاهين وقدمه في فيلم «صراع في الوادي» أمام سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة بدلا من شكري سرحان الذي اعترضت فاتن عليه بسبب مشاركتها له في آخر أفلامها وقتها «ابن النيل» ومع بداية الستينات شاء القدر أن تفتح السينما العالمية له أبوابها علي يد المنتج الأمريكي شبيجل والمخرج ديفيد لين حيث اختاراه بدلا من فريد شوقي وسرحان لإتقانه التحدث باللغة الإنجليزية ليلعب بطولة فيلم لورانس العرب. وهناك في لندن وباقي الدول الأوروبية تألق الشريف وظل يواصل إبداعاته في السينما العالمية أمام كل النجمات الشهيرات أمثال صوفيا لورين وجولي كريستي وأنوك إيميه وأفاجاردنر من خلال أفلام عالمية حصل فيها علي جوائز الأوسكار وجائزة الكرة الأرضية عن أفلام د. زيفاجو والخشخاش أيضا زهرة وحدث أن منع من دخول مصر لمدة 13 عاما بسبب تمثيله لفيلم أمام الممثلة الأمريكية اليهودية بارباراسترايسند فترة نكسة 1967.. وبعد فترة تحسنت فيها الظروف نجح المخرج هاني لاشين بإعادته للسينما المصرية من جديد وقدم روائع أفلام منها أيوب والأراجوز والمواطن مصري، ولم يتوقف عطاؤه بل امتد بتعرضه لقضية التطرف الديني في فيلم (حسن ومرقص) مع النجم عادل إمام - وانطلق يقدم تجربة مشابهة لمشوار حياته في مسلسل حنان وحنين ولكنه في الفترة الأخيرة رغم حبه للحياة تعرض لأزمات صحية أثرت عليه وانتهت بإصابته بالألزهايمر.. وتآكلت معه كل الأشياء والذكريات خاصة بعد أن قرر الامتناع عن تناول الطعام والدواء الأمر الذي أدي لارتباك في وظائف الجسم وفي لحظة كتب القدر نهاية لعذابه ورحل عن دنيانا بعد أن فاضت روحه.. تاركا لنا رصيدا ومحطات فنية يمكن أن تدرس في المعاهد السينمائية بكل اللغات. حقا ما أصعب أن يكتب القدر كلمة النهاية والوداع للنجم العالمي عمر الشريف وهو الفنان الحقيقي الذي امتدت مسيرة عطاؤه لأكثر من 60 عاما قدم خلالها نماذج لأدوار فنية تستحق أن تدرس في كل معاهد التمثيل المصرية والعالمية.. خاصة أنها راسخة في وجدان وأذهان عشاق الفن السابع.. وليس هناك أدني شك في أن النجم الراحل نجح في تقديم أدوار متنوعة ومختلفة لنماذج مختلفة من قلب المجتمع المصري. وربما لا يعرف الكثيرون من الجيل الحالي أن النجم عمر الشريف كان اسمه الحقيقي ميشيل ديمتري جورج شهلوب وكان جده لأمه يهوديا ووالده ديمتري شلهوب عاش ومات مسيحيا كاثوليكيا أما ميشيل شلهوب فقد اعتنق الإسلام منذ يوم أن دخل السينما وتعرف علي سيدة الشاشة الراحلة فاتن حمامة - وأطلق عليه صديقه ومكتشفه المخرج يوسف شاهين اسم عمر الشريف. وقد ولد ميشيل شلهوب أو عمر الشريف في 15 فبراير 1931 بمدينة الإسكندرية.. وكان والده من أكبر تجار الأخشاب.. وكانت والدته صاحبه شخصية قوية في محيط الأسرة - خاصة أنها قامت بسحب ابنها من المدرسة الفرنسية التي كان يتعلم بها ليكمل تعليمه بالمدرسة الإنجليزية المجاورة للمنزل وألحقته بالقسم الداخلي. وفي مدرسة فيكتوريا تعلم عمر الشريف اللغة الإنجليزية وتكلمها بطلاقة وتعلم فن التمثيل علي يد أستاذ الدراما والأدب والشعر «مستر أمايلين» الذي كان يتولي في الوقت نفسه إخراج المسرحيات للمدرسة. وبعد تخرجه من فيكتوريا كولدج حصل علي البكالوريا «الثانوية العامة حاليا» وكان زملاؤه في المدرسة صوفيا اليونانية التي أصبحت ملكة إسبانيا الآن وحسين بن عبدالله الذي أصبح ملكا للأردن ويوسف شاهين الذي أصبح مخرجا كبيرا، والأمير طلال بن عبدالعزيز. وحدث أن سافر يوسف شاهين لأمريكا لدراسة التمثيل والإخراج والسينما والدراما وبعد عودته أوائل الخمسينيات قدم أول أفلامه بابا عريس ثم فيلم باب الحديد حتي جاء فيلمه الثالث صراع في الوادي واختار المنتج (جبرائيل تلحمي) الفنانة فاتن حمامة لتلعب البطولة النسائية واختار شاهين شكري سرحان ليقاسمها البطولة - ورفضت فاتن حمامة استنادا لأنها قدمت فيلمها الأخير وقتها «ابن النيل» أمام شكري سرحان وأكدت أنها لاتحب أن تكرر نفسها وقالت من الأفضل أن يكون وجها غير مألوف لأن البطل يجسد الظلم الذي يقع علي الفلاحين. ويبدو أن شاهين كان وش السعد علي عمر الشريف حيث شعر المنتج الكبير رمسيس نجيب بنظرة شاهين الثاقبة واقتنع أنه أمام وجه جديد سيتربع علي عرش السينما، ولذا وقع معه عقدا لمدة خمس سنوات، ويذكر أن فاتن ساهمت في تعليم عمر الشريف وهو الاسم الذي أطلقه عليه المخرج يوسف شاهين بعض مشاهد الأداء التمثيلي ومصداقية الأداء.. ونجح الفيلم نجاحا ساحقا في وقت دبت فيه الخلافات بين فاتن حمامة وزوجها عز الدين ذو الفقار وانفصلا عن بعضهما - وفي خضم هذه الأحداث نشأت قصة حب بين فاتن وعمر الشريف اكتملت بعد طلبه الزواج منها وحتي لاتتعقد الأمور أشهر عمر الشريف إسلامه وتزوج فاتن حمامة في 5 فبراير1955 وانتقل معها للعيش في شقتها، واستثمر شاهين نجاح فيلم صراع في الوادي وأسند إليه بطولة فيلم آخر وهو شيطان الصحراء، ولم تشترك معه فاتن حمامة لانشغالها بتصوير فيلم آخر ثم اجتمع عمر الشريف مع فاتن مرة أخري في فيلم «أيامنا الحلوة» ووقتها كان قد انضم إلي بطولة الفيلم الوجهان الجديدان أحمد رمزي وعبدالحليم حافظ ويذكر أن عبد الحليم وأحمد رمزي كانا في أول طريق الفن وحين التقيا بعمر الشريف أصبحوا أصدقاء وكانوا يلتقون في النادي الأهلي بعد أن تعرفوا علي صالح سليم.. وبعدها اجتمع الثلاثي فاتن وعمر ورمزي في فيلم (صراع في الميناء) من إخراج شاهين تلاه فيلم أرض السلام بطولة عمر وفاتن والنابلسي إخراج كمال الشيخ وبعدها انشغلت فاتن بتصوير أعمال أخري منها فيلم «لا أنام» الذي شارك فيه عمر بدور ثانوي ولكنه محوري إخراج صلاح أبوسيف عام 1957 ثم عاد عمر لأدوار البطولة أمام فاتن في فيلم سيدة القصر مع استيفان روستي إخراج كمال الشيخ عام 1958 وفي نفس العام قام ببطولة أفلام شاطئ الأسرار وغلطة حبيبي وموعد مع المجهول وفضيحة في الزمالك وإحنا التلامذة ومن أجل امرأة ، وفي هذا الفيلم تمسكت ليلي فوزي بطلة الفيلم بأن يكتب اسمها أولا قبل عمر الشريف وتعطل التصوير وتدخلت فاتن وغضبت من المنتج حلمي رفلة وتكررت نفس المشكلة مع المخرج كمال الشيخ في فيلم حبي الوحيد عندما أصرت نادية لطفي وكمال الشناوي علي كتابة اسميهما قبل عمر الشريف، وتكرر نفس الموقف مع عمر الشريف في غالبية أفلامه إذ تمسكت سعاد حسني بأن يكتب اسمها قبله في فيلم «إشاعة حب» مع أنها كانت ممثلة جديدة وقتها وأيضا لبني عبد العزيز في فيلم غرام الأسياد وزبيدة ثروت في فيلم في بيتنا رجل. وحدثت المفاجأة عندما كان عمر الشريف مشغولا بتصوير فيلميه في بيتنا رجل وغرام الأسياد فوجئ بصديق يخبره بأن المنتج الأمريكي من أصل ألماني «سام شبيجل» منتج فيلم «جسر علي نهر كيوان» موجود بالقاهرة ويريد مقابلته حيث تم ترشيحه للمشاركة في فيلم «لورانس العرب» من إخراج البريطاني ديفيد لين وللعلم يجب أن تعرف أن الاختيار أصلا لم يكن لعمر الشريف فعندما حضر شبيجل للقاهرة طلب مشاهدة صور لكبار النجوم في مصر للقيام بأداء شخصية الشيخ في فيلم لورانس العرب وعند الحوار اكتشف المنتج أنهما لايتحدثان الإنجليزية «فريد شوفي وشكري سرحان».. والبطل لابد أن يتكلم الإنجليزية باتقان فتم استبعادهما.. وعليها اتصلوا بالمخرج يوسف شاهين وكان زميلا للمخرج بأمريكا فاختار لهم عمر الشريف وبالفعل أعجبهم بعد إجراء اختبار الكاميرا بخلاف إجادته للغة الإنجليزية لكن المنتج والمخرج اعترضا علي الحسنة الكبيرة الموجودة بجوار أنفه فأجروا له عملية جراحية في إنجلترا. وهكذا دخل الممثل المصري عمر الشريف التاريخ والسينما العالمية من أوسع أبوابها.. بعد لورانس العرب مثل عمر فيلما فرنسيا بعنوان سقوط الإمبراطورية الرومانية ثم فيلمين أمريكيين هما (الحصان الشاحب) و«ماركوبولو» وجاءت النقلة الكبري عام 1964 عندما تألق عمر الشريف أمام النجمة الإيطالية صوفيا لورين في فيلم «الرولز رويس الصفراء» وحقق نجاحا عالميا في فيلم دكتور زيفاجو لنفس المخرج الذي اكتشفه ديفيد لين وهذا الفيلم رشحه مرة أخري لجائزة الأوسكار ويذكر أن عمر الشريف خلال وقوفه أمام العالمية جولي كريستي حصل علي جائزة الكرة الأرضية كأحسن ممثل وفي نفس العام عرض له فيلم أمريكي آخر بعنوان (الخشخاش أيضا زهرة) - ومنذ أن سافر انقطع تماما عن مصر لكن صديقه المخرج عاطف سالم أقنعه بالعودة ليشارك في بطولة فيلم «المماليك». ووسط هذه الأحداث أعلنت امرأة فرنسية اسمها «باولا» في مؤتمر صحفي أن لها ابنا من عمر الشريف اسمه روبين وطلبت أن يقوم المختصون بعمل تحليل دمائه للتأكد من أنه أبن عمر الشريف الذي تعرفت عليه وتوطدت الصداقة بينهما لدرجة المعاشرة وأنجبت منه الطفل روبين ولم ينف عمر الشريف هذه الواقعة - مما زاد الفجوة بينه وبين زوجته فاتن حمامة وطلبت منه الطلاق وبالفعل تم عام 1971. ويتوقف عمر الشريف لفترة ويعود بعدها لمصر ليشارك في فيلم أيوب للمخرج هاني لاشين أمام مديحة يسري - ثم المواطن مصري مع عزت العلايلي والأراجوز مع ميرفت أمين وفيلم حسن ومرقص وضحك ولعب وجد وحب مع عمرو دياب والمسافر وأخيرا مسلسل «حنان وحنين».