طريقة تنظيم "داعش" الذي يمارس الإرهاب في سوريا والعراق ضد البشر والحجر، سار المسئولون في وزارة الآثار علي الدرب ذاته، بارتكابهم جريمة بشعة بحق الثقافة والتراث في مدينة الإسكندرية، وهي ردم مسرح العبد الذي يحكي فصولاً من التاريخ الروماني واليوناني، وتبدو الجريمة طمسا واضحا لمعلم أثري مهم، في وقت أجبر فيه الأثريون علي توقيع بيان يقضي بمنع أي موظف يعمل في الآثار من الإدلاء بأية تصريحات لوسائل الإعلام إلا بعد موافقة الوزير، لتتحول أي مخالفة أو كارثة من هذا النوع إلي حالة من الصمت الرهيب! مونيكا حنا: الوزارة مسئولة عن ضياع التراث السكندري خبير: لجنة أثرية قالت «لا مانع من استغلال الموقع» مسرح العبد يقع ضمن منطقة أثرية في "كامب شيزار" وللأسف قامت وزارة الآثار بردم هذه المنطقة الأثرية ليتم البناء علي أرضها، علي الرغم من أن هذا الموقع يحوي قطعاً أثرية فريدة من الألباستر والفخار ترجع إلي العصر الهيلينستي، وتحتوي علي مقابر رومانية ويونانية. تقول الدكتورة مونيكا حنا، أستاذ علم الآثار المصرية بجامعة برلين، إن هذه المنطقة تحكي تاريخا رومانيا حديثا وأسفل منها مقابر يونانية، وهذه المنطقة خاضعة لقانون حماية الآثار، لكن أحد المقاولين قام بردم المنطقة عندما حصل بطرق ملتوية علي تصريح من وزارة الآثار وبالتحديد من يوسف خليفة رئيس قطاع الآثار المصرية الذي أُقيل قبل أسابيع. تتابع: هذا الموقع الأثري متفرد ولا يقارن بمواقع أخري في البحر المتوسط، وقد أرسلت صور الموقع إلي خبير آثار يوناني وروماني يعيش في انجلترا وقال إنه لم ير مثله في منطقة حوض المتوسط، محملة رئيس قطاع الآثار المصرية ومدير آثار وجه بحري ومدير آثار منطقة الإسكندرية ضياع هذا التراث السكندري المهم. فيما وصف إبراهيم مصطفي مفتش آثار بمنطقة الإسكندرية، هذه الواقعة بأنها كارثة حلت بالآثار الرومانية واليونانية خصوصاً أن منطقة أرض العبد بني عليها مسرح العبد المشهور وقامت الشركة الأولي المالكة للأرض ببيع الموقع إلي شركة البارون لاستغلال الأرض كمشروع سكني، وبدأنا نعمل حفائر في الموقع وكشفنا عن جبانتين من العصر الروماني المبكر وتحتها جبانة من العصر الهلينستي، وهذه المقابر مبنية من الحجر الجيري والطوب بطراز مميز، لكن عندما وجدت شركة البارون أن المنطقة أثرية خافت وقامت ببيعها إلي شركة طيبة التي اشترت الموقع بثمن بخس. وأضاف: منذ ذلك الوقت بدأت المشاكل تظهر بسبب هذه الشركة خصوصا أنها اشترت الموقع وهي تعلم أنه منطقة أثرية وعملنا تقريرا لرفع الحفائر التي تمت بالموقع الي المسئولين في وزارة الآثار حتي نحتفظ بالموقع كمنطقة سياحية أو نقل الحفائر المكتشفة إلي منطقة أخري بعد قطعها واعدة تجميعها، وفعلا التقرير ذهب إلي يوسف خليفة رئيس قطاع الآثار المصرية السابق وكان المفروض أن يرفعه إلي اللجنة الدائمة لكن هذا لم يحدث وشكل لجنة برئاسة محمد صلاح رئيس الإدارة المركزية لآثار وجه بحري الذي زار الموقع وقال في تقريره إن الموقع ليس مهما ولا مانع من استغلاله. وأوضح إبراهيم مصطفي - الذي توقع أن يتم التحقيق معه بسبب تصريحاته الإعلامية بخصوص هذا الموضوع - أن هذا الموقع قام بزيارته مجموعة من الأثريين الأجانب الذين انبهروا به وقالوا إنه موقع فريد من نوعه وهذا الموقع تم استخراج 1900 قطعة أثرية منها تماثيل وأوانٍ وأسلحة من بين 1700 قطعة صالحة للعرض في المتاحف. ويوضح أن محمد صلاح طلب منهم التوقيع علي محضر يقول بأن الآثار التي نقلت هي الآثار المميزة لكن الأثريين الذين يخافون علي تراث بلدهم رفضوا وطالبوا بأن يكون هناك لجنة هندسية تري العناصر المكتشفة وفعلا التقرير رفع للإدارة الهندسية وكان من ضمن اللجنة الدكتور غريب سنبل رئيس الإدارة المركزية للترميم رفض قرار اللجنة وقال سوف يعد مشروع انتزاع ملكية الأرض من الشركة واستغلال الموقع سياحيا وفعلا سار في الإجراءات وكانت هناك مقابلة مع الوزير يوم الخميس الماضي لكن الشركة المالكة للأرض قامت بهدم الموقع بالكامل وردمة عن طريق البلدوزرات. أهمية الموقع كانت الجبانات تحد مدينة الإسكندرية من الشرق والغرب وكان يطلق عليها الجبانة الشرقية والجبانة الغربية. وكان الأجانب الذين يقيمون بالمدينة وبخاصة اليونانيون يفضلون دفن موتاهم في الجبانة الشرقية منذ بداية العصر البطلمي، كان المصريون يفضلون دفن موتاهم في الجبانة الغربية وفق عادتهم في دفن الموتي في الجهة الغربية، اجتاح التوسع العمراني خلال العصور الحديثة مدينة الإسكندرية وتعرضت جبانتاها الشرقيةوالغربية للسلب والنهب العمراني علي مدي العصور المختلفة، وقد قام "بريتشيا" بالتنقيب في الجبانة الشرقية الهلينستية التي تعتبر مقبرة الشاطبي أقدم أجزائها حيث ترجع إلي حوالي نهاية القرن الرابع ق.م وامتد استعمالها حتي النصف الثاني من القرن الثالث ق.م. بالإضافة إلي مقبرة الشاطبي فقد قام بريتشيا بالحفر في مناطق أخري من الجبانة الشرقية كمنطقة الحضرة، وبعض المناطق التي تقع بالقرب من شارع أبي قير وأجزاء من منطقة المنارة الحالية ومستشفي المواساة، ولقد تمت عمليات الدفن والحرق في هذه المقابر ويرجع معظمها إلي العصر البطلمي وامتد استعمالها حتي العصر الروماني. وفي منطقة أخري من الجبانة الشرقية عثر علي مقبرتين تحتويان علي العديد من الأواني الخاصة بالدفن، إحداهما كانت تخص الجند المرتزقة بالجيش البطلمي إلي جانب مقابر أخري كشفت في الإبراهيمية والحضرة والمنارة وعزبة مخلوف ومقبرة شارع تيجران إلي الجبانة الشرقية. وتتميز العناصر الأثرية المكتشفة بالموقع بأنها تمثيل رائع لتطور العقائد الجنازية بالإسكندرية خاصة لدي الأجانب المقيمين بها والذين فضلوا الدفن في الجبانة الشرقية حيث استخدم الموقع كجبانة طوال الفترة التي تبدأ بالعصر البطلمي وتنتهي بأواخر العصر الروماني، وتتميز هذه العناصر المكتشفة بكونها تمثل مجموعات جنازية متفردة كل منها علي حدة ومجتمعة في جبانة كبيرة. وترجع القيمة الأثرية في الإعلان عن هذا الكشف والحفاظ عليه إلي تكوين صورة كاملة من خلال الاكتشافات الحديثة والمصادر الكلاسيكية والحفائر السابقة حول الحياة الدينية في الإسكندرية بوجه عام والمعتقدات الجنازية بوجه خاص حيث يجسد الموقع صورة واضحة لتطور هذه المعتقدات بمراحله كجبانة طوال الفترة بداية من العصر البطلمي وحتي أواخر العصر الروماني. آثار الموقع وبالنسبة للعناصر الأثرية الثابتة: يحتوي الموقع علي جزء هام من الجبانة الشرقية لمدينة الإسكندرية يتمثل في: الجبانة الهلينستية وهي مقابر منحوتة في الصخر ترجع إلي العصر البطلمي تحديدا القرن الثالث قبل الميلاد، وهي عبارة عن فتحات Loculi نقرت في الحجر الجيري وتم تغطية واجهاتها بطبقة من البلاستر الأبيض وتظهر عند فتحات الدفن بقايا ألوان كانت تزين الألواح المخصصة لغلق فتحات الدفن، كما تشتمل هذه الجبانة علي تابوت بنظام الأسرة الجنازية حيث تظهر الوسائد الجنازية بوضوح والزخارف الملونة التي تمثل أجزاء السرير واستخدام زخرفة المربعات في ملء الفراغات بين أجزاء السرير، كما تظهر بقايا سلالم منحوتة في الصخر في طرفي الموقع الشرقي والغربي وكلاهما يتجه نحو حدود الحفائر، وتمتد هذه المقبرة في أغلب مساحة الموقع شمالا وشرقا وغربا وجنوبا وتمثل أقدم مراحل استخدام الموقع. أما الجبانة الرومانية فهي مقابر مقبية ترجع إلي العصر الروماني وتتركز في النصف الشرقي من الموقع وتتوزع علي ثلاثة مقابر رئيسية تم الكشف عن اثنين منها بالكامل فيما لا يزال العمل جاريا نحو الكشف عن الثالثة، ويمكن وصف طراز تشييد هذه المقابر علي أنه طراز واحد علي الرغم من وجود اختلافات طفيفة بينها فيظهر من خلال الشواهد الأثرية أنها مقابر تم الحفر لها في مكان تشييدها بعمقها بالكامل ثم تم تشييد الطابق السفلي منها والمخصص للدفن تحت الأرض باستخدام العقود المتوالية في صفين أحدهما فوق الآخر يطلان علي صالة مستطيلة ذات سقف مقبي يلي ذلك سلم يؤدي إلي الدور العلوي من المقبرة الذي كان مخصصا للاحتفالات الخاصة بأعياد الموتي وبه مدخل المقبرة ويرجح أن كل مقبرة كانت تمثل جزءا من مجموعة جنازية تضم المقبرة وسورا محيطا بها ومكانا لتخزين المياه حوض أو صهريج وأماكن تخزين والدور العلوي من المقبرة للاحتفال بأعياد الموتي.