لا تقبل الشك أو التأويل قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي: "أوعوا تفتكروا إن فيه حد مُنصف وعاقل وبيحب بلده يكون راضي عن مبارك ونظامه"، وزاد عليها خلال لقائه بشباب الإعلاميين، بقول آخر: "لا يوجد أحد محسوب علي، ولا يوجد أحد يتحدث باسمي"، لتنزل الكلمات برداً وسلاماً علي الحاضرين، وليغلق الرئيس الباب أمام المنافقين وكذابي "الزفة"، الذين صدعوا رءوسنا ليل نهار بالحديث نيابة عنه، والتمجيد في عهد مبارك، الذي وإن كانت المحكمة الجنائية قد برأته ورموز نظامه، فإن محكمة الشعب قد قالت كلمتها في حقه، وأصدرت ضده حكماً بال"خلع" حينما خرجت بالملايين لتطالب برحيله في ثورة 25 يناير المجيدة. الرئيس السيسي، استوعب غضب الشباب، وحول مرارة الكلمات في حلقهم إلي دعوات للتفاؤل، حينما أخبرهم أنه بصدد الموافقة علي صدور قانون يُجرم الإهانة لثورة «25 يناير - 30 يونيو»، هنا التقط الشباب أنفاسهم، وخرجت عبارات الترحيب والسرور فرحة بإصدار قانون يحمي ثورتهم، التي طالما دافعوا عنها، وسعوا جاهدين للحفاظ علي مكتسباتها من فلول مبارك واتباعه الذين كانوا ينتوون التهامها، كما فعلت جماعة الإخوان «الإرهابية» قبل ذلك. القانون، الذي مازال في طور الإعداد والتجهيز، قوبل بعاصفتين متضادتين، الأولي ترحيب، ويقودها شباب الثورة وغير المنتفعين من نظام مبارك، والثانية رفض، ويقودها زمرة من أصحاب المصالح الخاصة، وهواة الإساءة ل25 يناير ممن يعتبرونها مؤامرة، وما بين هؤلاء يقف خبراء القانون يحللون القانون، ومدي دستوريته. مصادر كشفت ل»آخرساعة» عن البنود المقترحة في نص القانون الجديد، مؤكدة أنه يتضمن إضافة مادة إلي الباب ال14 والخاص بجرائم النشر، وحبس الصحفيين من قانون العقوبات برقم 174 مكرر «1» لتجريم الإساءة إلي أي من مبادئ أو مقومات الدستور بشكل عام علي اعتبار أن الثورات الشعبية، وعلي رأسها ثورتا 25 يناير، و30 يونيو من مبادئ الدستور، ومقوماته الأساسية. وينص القانون الجديد علي: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من ارتكب بإحدي طرق العلانية قولاً أو فعلاً يشكل إهانة أو ازدراء لأحد مبادئ الدستور أو مقوماته السياسية أو حرض علي ذلك، ويعد من مبادئ الدستور ومقوماته الأساسية في حكم هذه المادة احترام الثورات الشعبية المصرية، وشهداء الوطن ومصابيه، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تجاوز 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 10 آلاف جنيه، إذا ترتب علي ذلك أعمال عنف أو تخريب أو إتلاف للمنشآت والممتلكات العامة أو الخاصة أو قطع الطرق أو تعطيل لوسائل المواصلات أو أي أعمال من شأنها ترويع المواطنين أو تكدير السلم العام». المصدر، أكد أن وزارة العدالة الانتقالية انتهت من إعداد القانون، ومن المقرر إرساله إلي لجنة الإصلاح والتشريع، خلال أيام لمناقشته تمهيداً لرفعه إلي مجلس الوزراء، والتصديق عليه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأن القانون تضمن مادة أخري خاصة بنشر القانون في الجريدة الرسمية، والعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ النشر، مشيراً إلي أن القانون الجديد يتضمن تعريفاً دقيقاً لثورتي 25 يناير و30 يونيو، بالاستناد إلي ما جاء في ديباجة الدستور، الذي ينُص علي أنهما «ثورتان فريدتان بين الثورات الكبري في تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين». حول إصدار القانون، وطبيعة بنوده، اختلف السياسيون، فعبر رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، عن ترحيبه بالقانون، مؤكداً أنه بمثابة وثيقة احترام للدستور وللشهداء ولشباب مصر المناضل من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وطالب بسرعة صدوره وتطبيقه، مشدداً علي أنه يغلق الباب أمام المتحدثين عن أن ثورة يناير كانت مؤامرة، وأن من شاركوا فيها خونة وعملاء للخارج. السادات قال: «الرئيس السيسي يُقدر تماماً دور شباب الثورة، وحريص أشد الحرص علي عدم النيل من الثورتين (25 يناير و30 يونيو)، باعتبارهما ثورتين عظيمتين اندلعتا بإرادة شعبية لتحقيق أهداف مشروعة واقتلاع جذور الفساد». متفقاً مع السادات في رأيه، شدد رئيس تيار الاستقلال، رئيس حزب السلام الديمقراطي، أحمد الفضالي، علي ضرورة إصدار القانون، وتجريم إهانة ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مؤكداً أنه احترام حقيقي من الرئيس السيسي للدستور الذي نص علي الثورتين، وقال الفضالي، إن الشعب بجميع انتماءاته السياسية والحزبية والشعبية علي دراية كاملة بأن ما حدث في 25 يناير، وأيضاً 30 يونيو، ثورة حقيقية قام بها الشعب وسانده فيها قواته المسلحة، والآن الرئيس السيسي يحميها بصدور ذلك القانون، الذي اعتبره «تاريخياً» - علي حد تعبيره -. في المقابل، شن المستشار يحيي قدري، نائب رئيس حزب الحركة الوطنية، الذي أسسه الفريق أحمد شفيق، أحد رموز نظام مبارك، هجوماً كاسحاً علي قانون تجريم الثورة، واصفاً إياه ب»غير الدستوري»، وأنه لا يكفل الحريات، ويتعارض مع مبادئ الدستور التي تتيح للجميع حرية التعبير. قدري، قال: «القانون المزمع إصداره يكمم الأفواه، ويمنع التعبير عن الرأي، ويعد انحيازاً لفئة صغيرة ضد الشعب بأكمله». قانونياً، لم يختلف الحال كثيراً بين فقهاء القانون والدستور، صحيح أنهم اتفقوا علي حتمية صدوره، إلا أنهم اختلفوا حول عقوبة الحبس في بنوده، فقال أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة، الدكتور صبري السنوسي، أنه حق أصيل لرئيس الجمهورية، باعتباره المشرع حالياً في غياب البرلمان أن يسن القوانين، وأن يصدر قانونا وجد أن المجتمع في حاجة لصدوره، لافتاً إلي أن القانون جاء لحماية الثورتين (25 يناير، و30 يونيو)، ليقف ضد المُغرضين الذين يريدون الفرقة بالتشكيك في ثورة 25 يناير واعتبارها مؤامرة، والمشككين في ثورة 30 يونيو، المدعين بأنها انقلاب عسكري، مشدداً علي أن الدستور نص علي الاعتراف بالثورتين كأساس للتعامل مع الدولة، ومن الطبيعي تجريم إهانتهما. «ليس هناك ما يمنع رئيس الجمهورية من إصدار قانون يحظر إنكار ثورتي 25 يناير و30 يونيو»، هكذا اتفق الدكتور محمود كبيش، عميد كلية حقوق جامعة القاهرة، مع الرأي السابق، مشدداً علي أن الدستور اعترف في ديباجته بهاتين الثورتين، وبالتالي فمن الطبيعي والمنطقي أن يتم حمايتها، غير أنه اختلف مع بنود القانون التي كشفت عنها المصادر، بقوله إنه من الخطر أن يتم تجريم القانون بعبارات عامة سواء الإساءة إلي الثورة أو إهانة الثورة، لأنه يتنافي مع المبادئ الدستورية في تحديد أفعال معينة في التجريم والعقاب، مشيراً إلي أن الغرض من إصدار القانون هو عدم إنكار دور الثورتين، وبالتالي كان يجب أن تكون عقوبتها «الغرامة فقط» وليس «السجن»، وألا تكون غير سالبة للحريات، أو تؤدي للحبس في أي قضية رأي.