قدري أن أدفع ثمن أخطاء لم أرتكبها. أن يتحدد مصيري بقرارات لم أشارك في اتخاذها. أن يرسم الآخرون خطوط مستقبلي دون أن يخطر ببالهم حتي مجرد استشارتي. ألهذا الحد كنت سلبية. أعترف أنني كنت كذلك وإن لم أدرك وقتها قدر الضعف الذي كانت عليه شخصيتي. كنت أتعامل مع قرارات أهلي كأنها أمر مسلم به بيقين أن أحدا لن يحبني أكثر منهم وأن أحدا لايريد لي الخير أكثر مما يريدونه لي. وأن حكمتهم تتجاوز حدود عقلي وحكمتي فاستسلمت لرؤاهم وقراراتهم ورغباتهم، وتركت زمام أمري لهم. مخطئة كنت لكنني للأسف لم أدرك ذلك إلا متأخرا وربما بعد فوات الأوان. قبل ذلك لم أكن أتوقف كثيرا عند انتقادات شقيقاتي الأصغر وصديقاتي وجاراتي ممن يرونني مثالا ممقوتا من الطاعة العمياء. كانت كلماتهم تحثني علي التمرد أو علي الأقل الاحتجاج أو حتي مجرد التعبير عن الرأي بقوة لكنني للأسف لم أستجب لتضيع مع سلبيتي ملامح محددة لشخصيتي وأصبحت دمية مشوهة خطتها أيادي أبي وأمي وساهم أخي أيضا بدور كبير فيها. كان علي النقيض مني تماما. كانت له الكلمة العليا النافذة علي كل أفراد أسرتنا كل آرائه محل تقدير واحترام وكل رغباته مجابة دون مناقشة أو اعتراض. وكذلك قراراته. لا أعرف ما السبب الذي جعله يحظي بهذه المكانة رغم أنه ليس الأكبر. ربما لأنه الإبن الوحيد وسط مجموعة من البنات أو ربما لأنه الأقرب لوالدي وربما لقوة شخصيته التي اكتسبها من معاملة خاصة حظي بها دوما. علي الأرجح كانت جملة الأسباب جميعها وراء هذه المكانة لأخي الذي حظي بتدليل مبالغ فيه كان من المتوقع أن يفسده لولا نجاحه الدراسي الذي حماه من فشل في الحياة العملية وإن لم يجنبه إخفاق علي المستوي الإنساني. بفضل صفاته الذميمة التي اكتسبها من ذلك التدليل المفسد. كان متعاليا مغرورا غليظ الطباع يمارس غطرسته علي الجميع وأولهم أنا. فرض عليّ وصايته الكريهة وأخذ يتحكم في كل تفاصيل حياتي بدءا من إرغامي علي الالتحاق بالقسم الأدبي علي عكس ماكنت أرغب فيه مرورا باختيار كلية معينة قرر إلحاقي بها وانتهاء برفضه لشاب جمعتني به مشاعر حب جميلة انتهت بمأساة طرده بشكل غير لائق بكلمات غليظة من أخي الذي وصل تعنته لعدم إعطائي فرصي حتي لمجرد الحزن عما أصاب قلبي من انكسار فأسرع بقرار خطبتي من شقيق زوجته الذي كثيرا ما ألمح عن رغبته في الزواج مني وكانت أسرتي تؤجل الموضوع لحين انتهائي من الدراسة. والحق لم أكن أشعر بنفور منه فقد كان هادئا حنونا متواضعا علي نقيض أخي وكذلك كانت أخته زوجة أخي لاتختلف عنه كثيرا كانت تتحلي بصفات جميلة حظيت بحبنا جميعا لدرجةأننا كنا نتعجب كيف لهذا الملاك أن يتحمل رجلا حاد الطباع كأخي. كانت تبتسم بهدوء علي تهكمنا وترد بأنه " النصيب ". وأعترف أنها لعبت دورا كبيرا في تقريبي من شقيقها فتعاملت معه بنفس المنطق الذي تعاملت هي مع شقيقي. فاعتبرته " قدري " ويالحظ من تضحك له أقداره. عوضني خطيبي الذي صار زوجي فيما بعد عن سنوات القسوة والشقاء التي تجرعتها علي يد أخي المستبد. أصبحت مع زوجي أشعر بحريتي وبسعادة حرمت منها كثيرا. لكنها لم تدم طويلا بعدما عاد أخي ليتدخل في حياتي مرة أخري ويقلبها رأسا علي عقب. حدث ذلك بعد سلسلة من الخلافات بينه وبين زوجته طلبت بعدها الطلاق بعد أن فقدت كل قدرتها علي تحمله. كنت بالطبع ألتمس لها العذر بل وأري أن ما فعلته هو عين الصواب فأخي من الصعب أن يتحمله أحد. كنت أري أنها تستحق من هو أفضل منه وإن كنت لم أصرح بذلك أبدا لها. لم يكتف أخي بتدمير بيته لكنه أراد أن أتجرع فشلا مماثلا وكذلك زوجي. أراد أن يهدم المعبد علي كل من فيه فأخذ يحرضني علي طلب الطلاق من زوجي ويدفعني لكراهيته. الغريب أن والديّ كانا يرقبان محاولاته تلك في صمت مستفز. أشعر بالعجز لا أستطيع الوقوف في وجه أخي وفي نفس الوقت أشعر بالخطر علي حياتي الزوجية مع الإنسان الذي منحني السعادة. لاأدري ماذا أفعل؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول: كم أشفق عليك ليس بسبب الأزمة التي تمرين بها وإنما بسبب هذه الحالة من السلبية والضعف التي تعودت عليها. لاأستطيع أن أمنع نفسي من الغضب منك بعدما تركت حياتك تحت رحمة أهواء ورغبات الآخرين حتي لو كانوا أهلك. لاأقتنع أن حبك لوالديك كان السبب وراء ذلك فكلنا نحب والدينا وأشقاءنا إلا أن ذلك لم يمنعنا من أن نتمسك بحقنا في الاختيار وألا نترك أنفسنا في مهب ريح يفتعلها آخرون فلا شك أن ذلك يعذ أقصي حالات السلبية المرفوضة. عليك أن تتعلمي أن تكوني نفسك وأن تعتزي بشخصيتك. قفي بحزم أمام تعنت شقيقك واستمدي من حبك لزوجك قوة تعينك علي ذلك. دافعي عن حياتك وثقي أن بداخل كل إنسان قدرا من العزيمة والقوة لايستهان بها فقط عليه اكتشافها وتوظيفها وقتها يدرك صورة جديدة لنفسه سيراها أفضل كثيرا مما كان يبدو عليها.