فى الحقيقة كنت دائما مشتاقة إلى دراسة القانون ودخول كلية الحقوق، كنت - ومازلت - أرى أن "الفقر" ليس القضية، وإنما "الظلم". ومن المؤكد أننى كنت سأصبح متميزة جداً لأن عشقى للعدالة أكبر من حجم الكون ولا شىء يغضبنى مثل ضياع الحقوق واختفاء العدالة وهروب الجناة. أنا أومن أن هناك بعض المجالات فى الحياة ينطبق عليها وصف "مهنة" أو "وظيفة" مثل بائعة السمك، أو محصل فواتير التليفون، أو شيالين الشنط، وغيرها كثير ومتعدد. وفى المقابل هناك مجالات أرفض أن أنظر إليها باعتبارها "مهنة" لها سلم ترقيات وحوافز وعلاوات، وبالطبع مرتب أو أجر ثابت. وهناك مجالات "أتعفف" أن أسميها "وظيفة" مكافآتها الفلوس. مثل هذه المجالات أسميها "رسالة" فى الحياة أو "دور فى الوجود". على رأس هذه المجالات "الطب" و"القانون" و"الكتابة" و"التدريس" و"الفن" و"الإبداع". عفوا، أنا لا أقصد ترتيب مجالات الحياة بشكل الأهم فالمهم، أو الأعلى والأدنى، هذا ليس مقصدى ولا شخصيتى. إننى إنسانيا وأخلاقيا لا أفرق بين "مدير" مؤسسة كبيرة فى مصر الجديدة وبين "حامل قمامة" فى حارة من حوارى مصر القديمة يجر عربية مهكعة وماسك مقشة حتى يحين أجله. كل دور فى الحياة "مهم" و"ضرورى" وله "قيمة" وله "احترامه" وله "تقديره"، وإذا لم يشرف الإنسان عمله فليشرفه هو بإخلاصه وإتقانه. لكننى دائما تصورت - ومازلت على هذه القناعة - أن ما أسميه "رسالة" فى الحياة ينطبق على "المجالات" التى تحدث "فرقا" أو "اختلافا جذريا" فى الحياة. حينما تمنيت دخول كلية الحقوق كنت مقتنعة أن "البحث عن العدالة" "إعادة الحقوق لأصحابها"، "تبرئة شخص مظلوم"، "تحدى الحصول على الدلائل" تحدث "فرقا" أو "اختلافا" جذريا فى الحياة، كما أننى أملك موهبة فطرية أو "ملكة" ترشدنى إلى الأماكن التى تختبئ فيها العدالة، وهذا يسمى ب "الحدس"، وهو فى كل مجال، ومعناه أننى بدون أى دليل، أشعر بيقين أن هذا الواقف هو الجانى مثلا والأدلة مجرد تدعيم للحدس. وهذا "الحدس" هو أحد الأشياء الأساسية التى تفرق بين إنسان وآخر، فى المجال نفسه. و"الحدس" لا غنى عنه للنبوغ والتميز، لكنه مع الأسف لا يكتسب، إما أن يكون بداخلنا أو لا يكون. كم أكره هذا العالم المزدهر على "جثث" نساء مظلومات، و"جثث" رجال مظلومين، لا يملكون "ثمن" العدالة. رأيى الشخصى أن العدالة، لا يجب أن يكون لها "ثمن" يعنى إيه، أدفع فلوس عشان أجيب حقى المسلوب؟! ما هذا العالم، الذى يشترط الفلوس "حتى تأخذ العدالة مجراها"؟ ما هذا العالم الذى يحدق فى جيوبى قبل أن يحدق فى أوراق قضيتى؟! "تأخذ العدالة مجراها".. يا له من تعبير جميل، وكأن العدالة نهرا متدفقا لابد من الحفاظ على جريانه وسريانه دون عراقيل. وكثيرا ما أتساءل: إشمعنى بسطاء الناس الذين لا يقرأون الكتب المقدسة يقولون لنا: "ربنا هو "العدل" عرفوه بالعقل"، ما أجمل من العدل والعقل معا! إشمعنى يعنى "العدل" الذى اختاروه؟ أليس فى هذا دلالة؟! إن العالم معوج ومقلوب وقبيح وأحمق وفاسد وذكورى وعنصرى ومتعصب وكاذب ومزيف ليس بسبب وجود "الفقر"، كما يحاول إقناعنا، لكن بسبب غياب "العدل". "ربنا هو العدل، عرفوه بالعقل"، ونحن بلاد فى عداء مع الاثنين.. العدل والعقل. إن حامل القمامة إذا أخطأ يوما بأى شكل ستواجهنا بالطبع مشكلة، لكنها تحل فى لحظات معدودة، وعواقبها لن تغضب الكون. لكننى إذا كنت قد أصبحت "محامية" وأخطأت يوما، لن تكون هناك مشكلة، تغضب الكون. رأيى الشخصى أننى لن أكون قد ارتكبت خطأ مهنيا، لكننى سأصف نفسى بالصفة الوحيدة الملائمة أننى "فاسدة" ولا أصلح للأمانة التى أحملها، وتم ائتمانى عليها، ولابد أن أستقيل، وأعتذر وربما أنتحر. فالخطأ الذى ارتكبه حامل القمامة لا يُقارن بخطئى الذى ستدفع ثمنه امرأة فقيرة بريئة من تهمة القتل، المنسوبة إليها مثلا أو عامل غلبان اتهم بالاختلاس أو الرشوة لإبعاده عن فضح الكبار. والخطأ الذى يرتكبه محصل الفواتير لا يقارن بأن يقتل طبيب مريضة أو مريضا نتيجة صرع الفلوس أو الجهل أو الإهمال الجسيم أو تشوش التفكير أو سوء التشخيص أو عدم التشخيص. لو دخلت كلية الحقوق كنت سأفعل أمرين: الأول أن أجد لنفسى مصدرا للرزق غير المحاماة، وهكذا لابد أن يكون الحال مع المجالات التى تعتبر "رسالة" فى الحياة، لأن "اللى عينها مليانة" لن تختلس، واللى متربى على العز "لا يقتل من أجل لقمة عيش؟! القانون ليس شيئا للعبادة والتقديس الأعمى. إنه فعل بشرى فى زمن معين وربما، بل فى أغلب الأحيان، لا يصلح للحياة المتغيرة، فى بعض بنوده وفقراته. كما أن قوانين العالم كلها كتبها "ذكور"، وبالتالى فإن هناك احتياجا لاشك فيه، لدخول النساء مرحلة كتابة القوانين، وليس فقط دراستها وتطبيقها فى بيئة غير التى كتبت فيها وتأثرت بها. هذا الشهر أهدى "وردة الشهر" إلى "محامية" استطاعت إحداث فرق فى العالم بأن تجعله أقل ظلما رغم تحدى الجميع لها. هذا الشهر أهدى "وردتى" إلى "محامى" كبلوه بجميع أنواع الضغوط، وأرعبوه من خصوم القضية، وتلقى تهديدات بالموت لترك قناعته وقرائنه و"حدسه" الإنسانى وينسحب من القضية، لكنه لم يفعل واستطاع إحداث اختلاف فى العالم بجعله أقل ظلما، وأثبت أن هناك بشرا ليس لهم ثمن. ما أجمل شعار العدالة.. امرأة غير محجبة تحمل الميزان فى يديها، "معصوبة العينين" كم من الإيحاءات نستلهمها من شعار "العدالة". لكن مَنْ يفهم ولو معنى واحدا؟! ومَنْ يستلهم ولو إيحاء واحدا! من بستان قصائدى أحضروا فى خطة محكمة "بلدوزر" متوحش! هدم "بيتى".. دمر "بستانى" قتل زهور أحشائى راح كل شئ كالعمر الهدر ابتسموا لى قائلين إنه القضاء والقدر