د. بطرس غالى الدكتور بطرس غالي واحد من مهندسي السياسة الخارجية المصرية في العصر الحديث.. عاصر خروج الاتحاد السوفيتي في السبعينات واتفاقية السلام واتجاه مصر إلي التحالف مع الولاياتالمتحدة.. ثم توجه إلي الأممالمتحدة أمينا عاما ليصبح أول أمين عام للأمم المتحدة من الشرق الاوسط. دخل الدكتور غالي في صدام شهير مع الولاياتالمتحدة عقب إدانته لمذبحة قانا التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان.. ثم حاول إصلاح الخلل القائم في الأممالمتحدة لكنه لم ينجح لأن الدول الكبري لم ترغب في الاستغناء عن مميزاتها وسيطرتها علي مقاليد الأمور داخل المؤسسة الدولية الأهم في العالم . عاد غالي للحياة السياسية المصرية حينما ترأس المجلس القومي لحقوق الإنسان في دورته الأولي وصنع له وزنا دوليا كبيرا خاصة بعدما انحاز المجلس القومي منذ يومه الأول لصناعة بنية قوية وأرضية فكرية لثقافة حقوق الإنسان في البيئة المصرية. بعد الثورة شعر غالي بالغضب الشديد بتولي الإخوان المسلمين مقاليد الامور في مصر. ولذلك يري غالي في حواره مع »آخر ساعة« أن مصر تحتاج إلي رئيس قوي يستطيع العبور بها من كبوتها. بعد ثورة 30 يونيو تعرضت مصر لحملة دولية شرسة من الهجوم لم تتعرض لها في 25 يناير رغم تشابه الحدثين.. كيف قرأت ذلك ؟ - أرسلت برسالة شخصية إلي الأمين العام الحالي، بان كي مون، أكدت فيها أن ما جري في مصر يوم "30 يونيو" كان "ثورة متكاملة الأركان" بإرادة شعبية كاسحة ونبهته إلي أن دور المنظمة الدولية بجميع آلياتها ومكوناتها هو »تحقيق السلم والأمن الدوليين والتعاون بين الدول« وأن ما يصدر عنها يجب أن يأتي "محققا لمبادئها وميثاقها من أجل خدمة السلم والأمن والعدل والتصدي للإرهاب. بعد ثورتين.. هل نحتاج إلي إصلاح أم إلي تأسيس جديد للدولة المصرية؟ - مصر تحتاج إلي شخصيات تأسيسية، واستلهام تجارب مثل جنوب أفريقيا.. نحتاج إلي نموذج نيلسون مانديلا لأنه شخصية عرفت كيف تفرض شخصيتها علي الرأي العام، لكن للأسف مصر لم تعرف هذه النوعية من الشخصيات باستثناء سعد زغلول وطه حسين. كيف يمكن مواجهة تأثيرات حكم الإخوان علي مصر؟ - مصر تحتاج إلي أكثر من سنة لإصلاح مشاكل الفترة الانتقالية الأولي، وخمس سنوات لإصلاح ما أفسده الإخوان، يكفي ما فعلوه في قطاع السياحة الذي يعمل فيه أكثر من مليون مصري، فرنسا تستقبل 70 مليون سائح ونحن إذا زارنا مليوناً نكون سعداء، وإصلاح الاقتصاد المصري يبدأ عبر قاطرة السياحة، فعائد السياحة أسرع من بناء مصنع جديد، لأن أدواتها موجودة، ويمكن أن نستقبل ملايين السياح لرؤية آثارنا، ولا تنسَ أننا علي بعد 4 ساعات من أوروبا. كيف يمكن تحسين صورة مصر في الخارج؟ - العمل لتحسين صورة مصر في الخارج عن طريق الجاليات المصرية، وهناك أكثر من وسيلة لتشجيعهم علي التواصل مع الوطن الأم، بدلا من الهجرة والانفصال ممكن أن يكون لهم تمثيل في البرلمان، أو برلمان منفصل لهم يجتمعون فيه مرة في السنة وتكون هناك انتخابات لممثليهم، وتُناقش طلباتهم في البرلمان.. نحتاج تفكيرًا وعقلية منفتحة، يجب أن نتعامل مع المهاجرين علي اعتبارهم مواطنين من الدرجة الأولي، وأن نحرص علي التواصل الدائم معهم، لأنهم يمكن أن يساعدوا البلاد في مجالات عديدة. عاصرت خروج روسيا من مصر في السبعينيات.. كيف تري التقارب المصري الروسي بعد أكثر من 40 عامًا؟ - العلاقات مع روسيا أساسية لمصر، ويجب أن ننفتح علي جميع دول العالم، في آسيا مثل الصين والهندوكوريا الجنوبية، أو دول أوروبا، وذلك لعدة أسباب وهي: أولا أن مصر في حاجة للسياحة، وثانيًا للاستثمارات الأجنبية، وثالثًا لكي أستفيد من الظاهرة الجديدة، وهي العولمة، والتي تتطلب منا الاتصال مع جميع الدول والمنظمات الدولية، وأخطر ما يمكن أن يواجهنا في العصر الحديث هو الانغلاق. وعلاقتي بروسيا لم تنقطع، فكانت إما عن طريق أساتذة زملاء في جامعة موسكو، ورئيس الوزراء الأسبق بريماكوف الذي يجتمع معي مرة في السنة بنادي موناكو الذي أنشأته لنجتمع مع رؤساء الدول والحكومات الصديقة، كما استمرت اتصالاتي في إطار الأممالمتحدة أو ثنائية بيني وبينهم كمواطن، وكعضو في منظمات غير حكومية. هناك ما هو أخطر علي مصر من الانغلاق، فهناك محاولة العودة إلي الماضي كما يخطط الإخوان لعودة مصر إلي عصر الخلافة، كيف يمكن مواجهة هذا الخطر الذي لايزال قائما؟ - مصر عانت طويلا من أحلام العودة للماضي، والخوف من الاتصال بالأجنبي، انظر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكيف تتبني أي مهاجرٍ أجنبي قادمٍ إليها، وهذا حدث في مصر خلال عصر محمد علي، فمن أسس الجيش المصري الحديث كان فرنسيًا، وهو سليمان باشا الفرنساوي، الذي أسلم في مصر، كما كان لدينا نوبار باشا الأرمني رئيس وزراء مصر، وواحدٌ من الذين أسهموا في انفتاح مصر علي العالم الخارجي. البلاد تعاني للأسف من الانغلاق، والانفتاح الذي أقصده هو الانفتاح الفكري، بمعني عدم الخوف من التعامل مع الأفكار الأجنبية أو غير المصرية، أو غير الإسلامية، وعلي الأوساط الأكاديمية أن تدرس والإعلام أن يهيئ الرأي العام لقبول العالم. العلاقات المصرية الأمريكية.. كيف تراها في المرحلة المقبلة؟ - أري أنها ستظل مهمةً جداً، والولاياتالمتحدة ما زالت أقوي دولة في العالم علي الأقل خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة، لأن المنافس الوحيد الجديد هو الصين ولكن تعوقها اللغة الصينية لأنها ليست منتشرة عالمياً مثل الإنجليزية، كما أن السياسة الخارجية بالنسبة للصين ستكون جديدة، لكن الولاياتالمتحدة تعلمت في الحرب العالمية الأولي والثانية، أصابت وأخطأت. كيف تري خطأها مع مصر؟ - أمريكا أخطأت في مصر، لأنها أرادت أن تفرض نظام الإخوان، علي أمل أن النظام الإخواني، يستطيع أن يسيطر علي الإرهاب الدولي، الغرب خائف من الإرهاب وهو المقصود به، واحد يدخل وينتحر بتفجير نفسه في الناس، وهم لا يقدرون علي معالجة ذلك، وبالتالي هم خائفون، هذا سبب من الأسباب، وطبعًا هناك أسباب أخري. ما تفسيرك لموقفهم المعادي ل30 يونيه وما يبثه إعلامهم من عداء ضد الثورة المصرية علي الإخوان؟ - كثرة الخبراء جعلت الغرب يخطئ في هذا الموقف، وأنا ناقشت مع قيادات أوروبية قالوا عندك حق.. وأعتقد أنهم فهموا حقيقة الموقف في مصر، وكان لابد أن يأخذوا وقتًا للفهم، تغيير فكر الدول الكبيرة ليس عملية سهلة، حوض النيل والعلاقات الإفريقية. كيف يمكن حل أزمة سد النهضة مع إثيوبيا؟ - الحل يبدأ بتحسين العلاقات مع أثيوبيا، وأن تتوقف نظرة العداء إليها، ويمكن أن نتغلب علي العداء بإقامة المصالح المشتركة، فلماذا لا نفكر في ربط كهرباء أسوان مع سد "إنجا إنجا" في الكونجو، مثلما فعلت أمريكا، ربطت الكهرباء مع كندا، يجب أن نطالب بربط الكهرباء بين الدول الإفريقية وهذه هي الخطوة الأولي. آسيا أنشأت منظمة تتولي الإشراف علي نهر الميكونج الذي يطل عليه خمس دول، فلماذا لا نفكر في إنشاء منظمة للإشراف علي نهر النيل؟ لما فيه من فوائد مثل توفير طرق للمواصلات والكهرباء والري، وفي ذلك مصلحة لجميع الأطراف. هل الدبلوماسية المصرية قادرة علي تحسين العلاقات الإفريقية ؟ - حاولت وأنا وزير علي مدي أكثر من 20 سنة، تحسين العلاقات الإفريقية ولم أنجح، لأن الرأي العام في مصر مهتم بالقدس وبالقضية الفلسطينية، أو النظر إلي الشمال أو نحو الغرب، حتي أنني حاولت أن أربط بين القضيتين في كتابي" بين النيل والقدس" وهذه قضية تحتاج اهتمامًا حقيقيًا من الدبلوماسية المصرية والرأي العام المصري لأنه لايزال مهتمًا بأوروبا، حينما كنت وزيرًا أرسلت الدكتور مصطفي الفقي للهند وكان رافضاً، وقال لي "إنت زعلان مني وأنا كنت تلميذك وفي مكتبك، فلماذا ترسلني إلي الهند " وطلب أن يذهب إلي دولة أوروبية فقلت له بكرة "تيجي وتقولي أنا استفدت من الهند" وهو ما حدث. أؤكد لك أن تفكير الدبلوماسية المصرية لايزال منحصرا في فرنسا وإنجلترا ودول الشمال، ونحن لا نفكر في الهند والصين.. يجب أن نتواصل مع هاتين الدولتين، وأندونيسيا وماليزيا، ومع كوريا الجنوبية التي أصبحت أهم ثالث أو رابع دولة في العالم رغم الانقسام. ترأست مؤخرا جلسة نقاش حول مواجهة العشوائيات في القاهرة ضمن أنشطة المجلس القومي لحقوق الإنسان.. ما هي رؤيتك للحل؟ - يجب أن تنتبه الحكومة لعلاج المشاكل الداخلية وأخطرها الانفجار السكاني فالقاهرة زاد سكانها من مليون إلي 20 مليونا الآن، وهناك أفكار جديرة بالدراسة مثل نقل العاصمة إلي مكان آخر، لتخفيف حدة التزاحم عليها، وهذا حدث من قبل في دولة إفريقية، فمثلا نيجيريا نقلت العاصمة من لاجوس إلي أبوجا والبرازيل نقلت العاصمة من ريو دي جانيرو إلي برازيليا، ممكن أن نفكر في ذلك. ما تقييمك لموقف السعودية من رفض مقعد مجلس الأمن.. وهل الأممالمتحدة تحتاج لإصلاح؟ - الأممالمتحدة تحتاج إلي تجديد، بعد انتهاء الحرب الباردة بين روسياوالولاياتالمتحدة، وبعد انتخابي كأمين عام لها، أخطأت حين تصورت أنني مكلف بتجديد الأممالمتحدة، فقد تبين لي أن الدول الكبري لا تريد ذلك، وكل دولة تريد الاحتفاظ بامتيازاتها، وأنا لم أكن مطيعًا للولايات المتحدة وهم هددوني لكني لم أتأثر وعرض عليّ وزير خارجيتهم آنذاك، التجديد في منصب الأمين العام لمدة سنة، قلت لهم اسمع أنا لا آخذ "بقشيش" باللغة العربية، وطلبت من المترجم أن يترجمها لهم.. أعتقد أن ما فعلته السعودية أنها نبهت العالم إلي ضرورة تجديد الأممالمتحدة، لكني لا أعرف إذا كان ذلك أثر أم لا. ما رأيك في التقارب الإيراني الأمريكي.. وهل تري أنه يمكن أن يبعد شبح الحرب عن الشرق الأوسط؟ - أعارض أي تدخل "عسكري"، والحل الذي يأتي من خلال التفاوض مع إيران، أفضل من الحل العسكري السريع ذي التكاليف الباهظة. ما المواصفات التي تراها واجبة في الرئيس المصري القادم؟ - مصر تحتاج إلي رئيس قوي، يفرض علي الناس تضحيات ولا يخشي تقلبات الرأي العام.