أتصور بعد التعديلات الدستورية وانتهاء الدورة البرلمانية أن يدعو الرئيس السيسي إلي حوار شامل بين الأحزاب الوطنية هذه الأيام نقف عند مفترق طرق سياسي، وسوف يختار الشعب الاتجاه الصائب والمسار الصحيح، ليجتاز المفترق الصعب، ويبدأ رحلته الممتدة علي درب الإصلاح السياسي المنشود. كتبت في هذا المكان 4 مقالات عن الإصلاح السياسي، وقلت إن محطة البداية هي تعديلات دستورية اقترحت عددا منها، وصادفت رؤية نواب الشعب أفكاري والتقت معها في عديد من مواد التعديل. ثم توقفت عامدا حين انتقل ملف التعديلات إلي اللجنة التشريعية للنقاش ثم إلي البرلمان للمداولة والتصويت. والآن أعود لأكتب عن الإصلاح السياسي وأقول مجدداً إن تعديل الدستور هو نقطة البدء وليس علامة المنتهي، وظني -وليس كل الظن إثما- أن إصلاح الحياة السياسية بجانب الإصلاح الاقتصادي والبناء الاجتماعي، هو البوابة التي نفارق عندها مرحلة الانتقال وندلف إلي مرحلة استقرار طال انتظارها. • حتي ليل الغد، سيتوافد الناخبون علي لجان الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول تعديلات تجري علي دستور 2014. أتوقع إقبالاً عالياً، لا يقل عن نسبة 38٪ التي سجلها الاستفتاء علي الدستور عام 2014، وربما يقترب من نسبة 40٪ التي سجلتها الانتخابات الرئاسية الماضية. سندي في التوقع أن صلب هذا الاستفتاء وجوهر التعديلات الدستورية هو المادة (140)، بحيث تنص علي مد سنوات المدة الرئاسية من 4 إلي 6 سنوات، بأثر مباشر يسري علي المدة الحالية للرئيس الحالي، واستحداث مادة انتقالية تعطيه الحق في الترشح بعد ذلك لفترة رئاسية واحدة. أي أن هذا الاستفتاء لا يتعلق فقط بالتصويت علي تعديل واضافة واستحداث وحذف 24 مادة من الدستور، إنما هو استفتاء بطريقة مباشرة علي الرئيس السيسي، لمد موعد نهاية فترته الحالية من عام 2022 إلي عام 2024. لذا استغرب الدفوع الخائبة التي أبداها البعض علي مدي أيام وأسابيع مضت، وتقول بأن المادة (140) ليست هي كل التعديلات (وهذا صحيح)، وليست هي الغرض من التعديلات (وهذا محل شك)، وليست أهم المواد المعدلة (وهذا كذب صريح). كأنما من العيب أن نبوح بأولوية تعديل المادة (140) وإضافة مادة انتقالية تصحح عواراً في دستور 2014، كان ينهي رئاسة السيسي عام 2022 إلي الأبد، ولا يسمح له بالترشح بعد ذلك حتي ولو بعد انتخاب رئيس آخر أو أكثر. أي أن سيناريو (بوتين/ ميدڤيديڤ) الذي كان يتهامس به البعض، وصاروا يجاهرون به في المنتديات السياسية ولو علي سبيل الرياضة الذهنية، غير قابل للتنفيذ أو للتحقق وفقا لما كانت تنص عليه المادة (140) في دستور 2014، وأرجو الرجوع لمداولات لجنة الخمسين! علي كل حال.. المادة (140) وشقيقتها الانتقالية هما المحرك علي إقبال الناخبين. الناس لن تتدافع للنزول إلي اللجان من أجل زيادة حصة المرأة -مع احترامي- في مقاعد مجلس النواب إلي الربع، ولا من أجل إنشاء مجلس الشيوخ، أو تعديل بعض مواد السلطة القضائية. الناس ستنزل وهي تنزل، وستقبل علي اللجان بكثافة، لتقول »نعم.. نحن نريد أن يبقي السيسي في مدته الحالية حتي عام 2024، وأن تتاح له فرصة الترشح لمدة رئاسة تالية قوامها 6 سنوات»، أو لتقول: »لا.. كفي ثماني سنوات تنتهي عام 2022». توقعي أن نتيجة الاستفتاء ستسفر عن نسبة تأييد للتعديلات الدستورية تتخطي 95٪، وهذه نظرتي لمجريات الأمور في الشارع المصري. إذن.. لو أراد الشعب، سيبقي السيسي -أمد الله في عمره- في ولايته الحالية حتي عام 2024. ولو رغب السيسي سيترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد 5 سنوات، لمدة رئاسة تالية وأخيرة، تنتهي عام 2030. عندما تعلن نتيجة الاستفتاء في غضون أيام معدودة، سيكون أمام مجلس النواب -إذا وافق الشعب علي التعديلات الدستورية- حزمة أخري من تعديلات تشريعية وقوانين جديدة، أهمها ما يتعلق بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، وبانتخابات مجلس الشيوخ، والقانون الخاص باختصاصات المجلس، ولست أظن الوقت يسمح بوضع تلك التشريعات ومناقشتها وإقرارها قبيل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، أي في غضون شهرين من الآن يتخللهما شهر رمضان المبارك وإجازة عيد الفطر المبارك. فإذا استطاع مجلس النواب -وهذا مستبعد- إقرار التشريعات الخاصة بالدوائر ومجلس الشيوخ في هذه الدورة البرلمانية، فسوف تجري انتخابات مجلس الشيوخ في الصيف المقبل وربما مطلع الخريف. وإذا لم يتمكن المجلس من ذلك -وهو الأرجح- وأقر تلك التشريعات في دورته البرلمانية المقبلة، فسوف تجري انتخابات مجلس الشيوخ العام المقبل وهو عام إجراء انتخابات مجلس النواب. وفي هذا السياق.. هناك أفكار عديدة تطرح منها اقتراح جاد بإجراء انتخابات المجلسين معا، سعيا لضغط النفقات، وتلافياً لتحول العام المقبل كله إلي حالة انتخاب مستمرة. ويظن أصحاب هذا الطرح أنه بالإمكان في هذه الحالة، عقد الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في افتتاح الفصل التشريعي الجديد في مبني البرلمان بالعاصمة الإدارية في مطلع أكتوبر من عام 2020. وفي أعقاب انتخاب مجلسي البرلمان، من المتوقع أن تجري انتخابات المحليات ربما في مطلع عام 2021، وهذه الانتخابات بالذات تحتاج إلي يقظة أمنية وشعبية للحيلولة دون تسلل المنتمين لجماعة الإخوان إلي المجالس المحلية ومن ثم الحياة السياسية، مثلما تحتاج انتخابات النقابات ومراكز الشباب إلي يقظة من أعضائها لسد أي ثغرات تنفذ منها جماعة المخربين من جديد. وإذا كنت بكل صراحة أعيب علي التعديلات الدستورية أنها لم تتضمن إلغاء المادة المريبة (241) الخاصة بالعدالة الانتقالية وهي الباب الخلفي الموارب لعودة جماعة الإخوان إلي الحياة العامة، فإنني أتوقع من مجلس النواب إقرار تشريع واضح يسد أي منفذ علي ما يسمي ب»المصالحة» مع هذه الجماعة ويجرم الاتصال بها بوصفها جماعة إرهابية. دارت العجلة إذن، وانطلق الإصلاح السياسي من محطة التعديلات الدستورية، في رحلة ممتدة، نخرج في نهايتها من مرحلة انتقال طالت وتعددت وقفاتها، إلي مرفأ استقرار تاقت إليه الحياة السياسية وتطلعت طويلاً. وليست الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشيوخ والنواب في العام المقبل هي كل الإصلاح السياسي ولا حتي أهم مراحله. الأحزاب في رأيي هي قلب الحياة السياسية، فلا تعددية بدونها، ولا انتخابات حقيقية بغيرها، ولا تداول سلطة في غيبتها. لدينا في مصر 104 أحزاب. لكن ليست لدينا أحزاب قوية ذات قواعد جماهيرية راسخة غير مصطنعة، تستطيع الصمود في مواجهة الأنواء السياسية، تقود الجماهير ولا تنقاد لنزعات غير عقلانية أو نزوات وقتية. وظني أن فترة العام المحتملة التي تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، هي الأنسب لحرث التربة السياسية، وإعادة تشكيل الحياة الحزبية، بمبادرة صادقة من الأحزاب، ولتكون المبادأة من حزب الوفد العريق وحزب مستقبل وطن، لإدارة حوار شامل بين الأحزاب يستهدف دمج المتشابه منها في البرامج والأفكار والتوجه السياسي، لتشكيل كتل سياسية تعبر عن اليمين واليسار والوسط، قادرة علي الفرز وانتقاء العناصر ذات الكفاءة وتأهيل الكوادر القيادية لخوض الانتخابات بدءا من المحليات وحتي رئاسة الجمهورية. وأتصور أن يدعو الرئيس السيسي في صيف هذا العام بعد انتهاء شهر رمضان والدورة البرلمانية إلي حوار شامل جامع تحت مظلة رئاسة الجمهورية ورعايته شخصيا، بين الأحزاب الشرعية، بغية الوصول إلي نتائج عملية، وتشكيل تحالفات أو كتل أو أحزاب قوية مندمجة من التيار السياسي الواحد، وهذه بلا شك الخطوة الأهم علي طريق الإصلاح السياسي المنشود. الإصلاح السياسي ليس فقط عملية منظمة ذات خطوات متتالية علي مسرح الحياة السياسية، إنما لابد أن يصحبه مناخ موات، يسمح باستصلاح أرض حياتنا السياسية التي وصفتها أكثر من مرة بأنها بور جدباء، ويهييء لها الأجواء الملائمة لتربو وتنبت وتزهر. حرية الرأي والتعبير والإعلام -وهذه قناعتي التي لا تتزعزع- هي السياج الحافظ لأي عملية إصلاح، والضامن لصون استقرار البلاد، وهي أيضا المحفز للجماهير علي المشاركة في معارك الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وأظن بعد التعديلات الدستورية، واستقرار الأوضاع الأمنية ومع اقتراب الحسم النهائي للمعركة ضد الإرهاب، وانتهاء المراحل الصعبة للإصلاح الاقتصادي، حان الوقت لفتح نوافذ والارتفاع بأسقف في المجال السياسي العام، وبالذات في الصحافة والإعلام. حان الوقت لأن تتقدم السياسة وتأخذ مسارها وتقوم بمهامها وأدوارها، وأن يتراجع الأمن بعد أن أدي دوره في مهمة طارئة ليست في صلب مهامه الحيوية والرئيسية. حان الوقت لأن تمتد ثقة المواطن من شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي النظام السياسي، وألا تنحصر فقط في هذا البطل الوطني دون سواه. إذا جرت الأمور كما نشتهي، وسارت الأمور كما نروم، سنصنع مصراً جديدة بحلول عام 2030. اقتصاد ناهض ضمن أقوي 20 اقتصاداً في العالم. ونظام سياسي مستقر، قائم علي التعددية الحزبية وتداول السلطة بين أحزاب قوية. سيكون الوطن قد فارق مرحلة الانتقال إلي الاستقرار المنشود، عبر أوسع باب، حيث مكان أعلي ومكانة أرفع.