لا يستطيع أي عاقل الادعاء بأن الحكومة كانت في موقع المفاجأة أو الصدمة، لحظة إعلان قرار تحرير سعر الصرف وتحديد توقيت تعويم الجنيه،..، والقول بذلك إن حدث يعد نوعا سخيفا وغير مقبول من الهزل في موقع الجد. لماذا؟،..، لأننا جميعا نعلم ان الحكومة هي الطرف الأساسي والفاعل الرئيسي، في تحديد موعد التحرير والتعويم، بالاتفاق والتشاور والمشاركة مع محافظ البنك المركزي. وفي هذا الإطار، كان المتصور والطبيعي لدينا جميعا، ان تكون الحكومة قد أعدت للأمر عدته، وأن تكون قد بحثت ودققت في كل التطورات والتداعيات والتأثيرات الناجمة عن تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه. ويساعد علي هذا التصور، ان الساحة كانت قد شهدت طوال الشهور الماضية ضجة كبيرة وعالية حول التعويم، تابعنا خلالها العديد من الآراء والرؤي التي تؤكد ضرورة هذا القرار، بوصفه العلاج اللازم للنهوض بالاقتصاد المصري المريض. ولكننا للأسف اكتشفنا بعد التعويم وتحرير سعر الصرف ان تصوراتنا لم تكن صحيحة، وان الحكومة رغم معايشتها للضجة الهائلة التي كانت مثارة طوال الشهور الماضية، وبالرغم من متابعتها لكل الآراء والرؤي المؤكدة لضرورة التعويم والتحرير، إلا أنها لم تعد للأمر عدته بالقدر الواجب واللازم. كان مفترضا ان تقوم كل وزارة في الحكومة ببحث دقيق ووافٍ للتأثير المتوقع لتعويم الجنيه، علي كل ما يتصل بأعمال ومسئوليات الوزارة التي لها صلة بالمواطنين وعموم الناس من قريب أو بعيد. يدخل في ذلك بالقطع ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة للتصنيع والمستوردة من الخارج، وارتفاع أسعار جميع المنتجات والسلع غير المتوافرة محليا والمستوردة أيضا،..، سواء كانت منتجات غذائية لازمة وضرورية، أو كانت مواد وسيطة، أو كانت أدوية ومستلزمات طبية، أو غيرها. كان من المتصور والمفترض أن تكون الحكومة قد ألزمت كل الوزارات بفعل ذلك،..، ولكنها للأسف لم تفعل، أو انها فعلت ولكن الوزارات تقاعست،..، بدليل ما نشهده الآن من أزمة في الأدوية وبعض السلع الأساسية بالإضافة إلي مظاهر أخري كثيرة، تشير كلها الي ان الحكومة لم تستعد بالقدر الواجب لتداعيات القرار وانعكاساته علي السوق وتأثيره علي المواطنين وخاصة محدودي الدخل.