القول بأن جشع التجار وغيبة الرقابة علي الاسواق من الاسباب الرئيسية وراء الارتفاع العشوائي للأسعار في كافة السلع،...، هو قول صحيح يعبر عن حقيقة الحال علي أرض الواقع، ولكنه رغم صحته قول منقوص، حيث أن هناك سببا آخر أدي الي الارتباك الذي نراه في الاسواق حاليا. هذا السبب هو غيبة الدراسة المسبقة، للتأثيرات المحتملة والمتوقعة لقرار تحرير سعر الصرف علي أسعار كل السلع وكافة المنتجات،..، بالاضافة الي غياب الدراسة المسبقة والضرورية، لكيفية تلافي وعلاج التأثيرات الاجتماعية السلبية المتوقعة لهذا القرار علي محدودي الدخل والفقراء وغير القادرين. والمؤكد أن غياب هذه الدراسات أدي الي ظهور حالة من الارتباك من جانب الحكومة، وحالة من الفوضي في الاسواق، وحالة من العشوائية في زيادة الاسعار،...، وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في المحاولات الجزئية والمشوشة التي بذلتها الحكومة لمعالجة الموقف ومواجهة التداعيات والسلبيات بأثر رجعي وبعد أن وقعت الواقعة. والحقيقة التي يجب أن تدركها الحكومة في هذا الشأن هو أنها أخطأت بالتأخير في التعامل مع هذه القضية، حيث من المؤكد أنها كانت تدرك حتمية اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه، وكان ذلك ضرورة لابد منها في مواجهة الحالة المتردية علي المستوي الاقتصادي والنقدي،...، ولذا فقد كان واجبا ولازما أن تعد مسبقا كافة الدراسات الخاصة بالآثار المترتبة علي هذا القرار. وكان واجبا ولازما أن تشمل هذه الدراسات المسبقة، التأثيرات المتوقعة لهذا القرار علي السلع المستوردة والمواد الخام أو الوسيطة الواردة من الخارج أيضا،..، ويدخل في ذلك الارتفاعات المتوقعة علي أسعار الدواء المستورد والمنتج محليا، وكذلك كافة السلع والمنتجات التي يدخل في انتاجها مواد وخامات مستوردة، وايضا المنتج المحلي الذي سيتأثر بالضرورة بزيادة الاسعار العامة وجشع التجار. كما كان واجبا ولازما أيضا ان تعد الحكومة خطة واضحة لمواجهة ذلك كله وعلاج انعكاساته وتأثيراته السلبية علي المواطنين بصفة عامة.. ومحدودي الدخل وغير القادرين بصفة خاصة. ولكن ذلك لم يحدث مسبقا.. بل تأخر دون سبب ودون مقتضي.
