على الرغم من اعتقاد المدرسة الكلاسيكية بأن الأقتصاد ذات النظام الرأسمالى ،المتحرر من أى دور للدولة فى النشاط الاقتصادى، تميل إلى التوازن الكلى فى مستوى التشغيل الكامل، إلا ان وضع التشغيل الكامل يعد إلى حد كبير أمراً نادر الحدوث، وقد جاءت أزمة الكساد الكبير التى اصابت الاقتصاد العالمى فى عشرينات القرن الماضى لتضرب بفرضية التشغيل الكامل عرض الحائط، حيث ارتفعت معدلات البطالة فى تلك الفترة بصورة غير مسبوقة حيث تسببت الأزمة فى ارتفاع معدلات البطالة فى الاقتصاد الأمريكى خلال الفترة من (1929-1933) حتى وصلت 25.2%. و من هنا كان حديث الاقتصادى الكبير "كينز" عن أن التوازن الاقتصادى لا يحدث بالضرورة عند حالة التشغيل الكامل ، وعلى ذلك فإن مشكلة البطالة هى إحدى المشكلات التى تواجهها معظم دول العالم سواء النامية منها أو المتقدمة و إن اختلفت حدتها من دولة لأخرى حسب ظروفها الديموغرافية والأقتصادية. و تاريخياً بدأت مشكلة البطالة فى الظهور مع الثورة الصناعية التى انتشرت فى إنجلترا فى القرن الثامن عشر وسرعان ما انتقلت إلى باقى دول أوروبا و أمريكا الشمالية نظراً لما احدثته تلك الثورة الصناعية من تحولاً جذرياً فى اساليب الانتاج إذ انتقلت العمليات الانتاجية التى كانت تتم يدوياً إلى الآلة و بالتالى تقليل الاعتماد على الأيدى العاملة فى مواجهة الآلات الحديثة. وارتبط حجم البطالة فى المراحل اللاحقة لتطور النظام الرأسمالى إلى حد كبير مع الدورات الاقتصادية بحيث ترتفع معدلات البطالة فى فترات الركود و تنحسر تلك المعدلات فى فترات الانتعاش الاقتصادى، و تجلى ذلك بوضوح خلال الأزمة المالية العالمية التى ضربت الاقتصاد الأمريكى فى عام 2008 وانتقلت منه لباقى دول العالم، حيث ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة إثر حالة الركود التى سادت العالم ، فالولاياتالمتحدة وحدها فقدت ما يقرب من 6.7 مليون وظيفة فى عام 2009 ، و بذلك ارتفعت معدلات البطالة بها من حوالى 5.8% فى عام 2008 إلى ما يقرب من 9.4% فى عام 2009، و لم تكن منطقة اليورو بأحسن حال من الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث بلغت معدلات البطالة بها نحو 9.4% فى عام 2009 ، مقارنة بنحو 7.6% فى عام 2008 ، ايضاً ارتفعت معدلات البطالة فى اليابان لتصل إلى نحو 5.4% فى عام 2009، مقارنة بنحو 4% فى عام 2008. و تعد البطالة أحد أهم أركان تركة الفشل الاقتصادى التى خلفها النظام السابق بمصر، حيث تفاقمت البطالة فى عهده بصورة كبيرة حتى وصلت إلى معدلات غير مسبوقة بلغت فى عام 2010 طبقاً للبيانات الرسمية نحو 9% و هى بيانات كان النظام السابق يقوم بالتلاعب بها فى محاولة لتحسين صورته و التفخيم من انجازاته ، مما يعنى ان معدلات البطالة قد تفوق كثيراً هذه البيانات المعلنة ، بما ينطوى عليه ذلك من اهدار فج للموارد البشرية فى مصر، تلك الموارد التى اعتبرتها دول العالم التى اختبرت تجارب تنموية ناجحة اساساً للنمو فأهتمت بتنميتها وتطويرها بدلاً من اهدارها كما حدث فى مصر، بالاضافة الى البعد الاجتماعى الذى تتسبب فيه ازمة البطالة من انتشار لأمراض مجتمعية كالجريمة و العنوسة وغيرها . ويرجع تفاقم البطالة إلى عدة أسباب أولها بعض السياسات الاقتصادية مثل سياسة الخصخصة التى تم تطبيقها فى إطار برامج التثبيت والتكيف الهيكلى التى أوصى بها صندوق النقد الدولى والتى نتج عنها تسريح أعداد كبيرة من العمالة المصرية التى وجدت نفسها بين عشية وضحاها ضمن العاطلين عن العمل، ايضاً ادى تدهور التعليم وعدم اتصاله بمتطلبات سوق العمل إلى تخريج دفعات كبيرة غير مؤهلة لتلبية حاجات سوق العمل، بالإضافة إلى تطور وسائل الإنتاج التى اصبحت اكثر اعتماداً على الآلات التى حلت محل الأيدى العاملة وعمقت من مشكلة البطالة. وفى هذا السياق يجب الإشارة إلى أن اى استراتيجية للتعامل مع تحدى البطالة يجب ان تبدأ بإصلاح منظومة التعليم وربط البرامج التعليمية والتدريبية بمتطلبات سوق العمل، بالإضافة إلى إعادة توجيه الاستثمارات إلى القطاعات كثيفة العمالة كالقطاع الزراعى، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ويمكن ان يتم ذلك من خلال تنفيذ المشروع الذى طالما نادى به كبار اقتصادي مصر كخطوة هامة لا غنى عنها على طريق حل مشكلة البطالة ألا وهو مشروع إنشاء حضانة قومية مركزية وحضانات محلية فى كل قرية ومركز ومحافظة لرعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية، يتركز دور تلك الحضانات فى مساعدة الراغبين على إقامة مشروعات صغيرة على اختيار المجال الذى سيعمل مشروعهم فيه، من خلال تلقى دراسات الجدوى الاقتصادية الخاصة به وتقييمها ،كما تقوم تلك الحضانات بتوفير التمويل الميسر للمشروعات الصغيرة كما تساعد تلك الحضانات على رقابة ورعاية التزام المشروعات الصغيرة بالمواصفات القياسية لإنتاجها لضمان سهولة التسويق الداخلى والخارجى لهذا الإنتاج، وربطها بمشروعات كبيرة محلية وخارجية لتنتج سلعا وسيطة أو نهائية لها، وربطها بسلاسل تجارية محلية وخارجية أيضا لضمان التسويق والاستمرار، ومتابعتها خطوة بخطوة لضمان نجاحها وعدم تعثرها، وذلك بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المحلية فى الأماكن التى يتم إنشاء تلك المشروعات فيها.