تشهد الساحة السياسية المصرية نشاطًا ملحوظًا للقوى والأحزاب السياسية استعدادًا لثانى انتخابات برلمانية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد بدأت الأحزاب فى البحث عن شركاء للتحالف معهم أو الائتلاف عبر تشكيل قائمة انتخابية واحدة، وهو أمر تشترك فيه كل الأحزاب من مدنية وذات مرجعية دينية، فالأحزاب المدنية بدأت تبحث عن تحالفات بين عناصرها الرئيسية، فطرحت أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والمصريين الأحرار، والعدل، والجبهة، والكرامة، والناصرى والتحالف الشعبى، فكرة تأسيس التيار الثالث وضم حزب الدستور -تحت التأسيس- إلى هذا التيار، فى المقابل طرح المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى فكرة التيار الشعبى الذى يتشكل على أساس من حملته للانتخابات الرئاسية، ويضم إليه بعد ذلك عددًا من الأحزاب المدنية لتشكيل جبهة عريضة يمكنها منافسة الأحزاب ذات المرجعية الدينية فى الانتخابات، وأيضا طرح حزب الوفد تشكيلًا سماه تكتل «الأمة المصرية» ليضم حملة المرشح الرئاسى السابق عمرو موسى مع عدد من الأحزاب المدنية، منها «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» و«المصريين الأحرار» و«الجبهة». وعلى صعيد الأحزاب ذات المرجعية الدينية بدأ حزب الحرية والعدالة فى محاولة إحياء التحالف الديمقراطى من أجل مصر الذى خاض به الانتخابات البرلمانية السابقة، مع توسيعه من خلال ضم حزب النور السلفى وحزب مصر القوية الذى يمثل الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسى السابق سليم العوا، وبينما بادر حزب النور السلفى برفض دعوة «الحرية والعدالة» لخوض الانتخابات معا، فإن حملة الدكتور العوا وحزب الوسط أبديا استعدادهما للنظر فى خوض الانتخابات معا، وهو أمر إذا ما تحقق سوف يحسّن من فرص تيار الإسلام السياسى فى حصد غالبية المقاعد، ففى هذه الحالة ستخوض قوى الإسلام السياسى الانتخابات بأكثر من قائمة، منها قائمة التحالف الديمقراطى التى يقودها «الحرية والعدالة»، وهى الأقوى، ومعها قائمة يقودها حزب النور السلفى، ويمكن أن تتشكل قوائم أخرى محدودة. على صعيد القوى المدنية نجد أنفسنا أمام ثلاثة توجهات، هى التيار الثالث والشعبى والأمة المصرية، وهى توجهات بين غالبية أعضائها قواسم مشتركة، كما أن الأحزاب الرئيسية فيها يمكن أن تعمل معًا وتشارك فى قائمة انتخابية واحدة. وعند النظر إلى القائمة النموذجية للتيار المدنى نجدها تتشكل من عناصر التيارين الثالث والشعبى، فالتيار الثالث يضم أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والمصريين الأحرار، والجبهة، والتحالف الشعبى، والعدل، والناصرى، وهى أحزاب ذات قدرات متوسطة، وتمثل القطاع العريض من الطبقة الوسطى المدنية التى تؤمن بالدولة المدنية الحديثة، ولكنها أحزاب مدينية، بمعنى أنها توجد بقوة فى الحضر وليس لها وجود قوى فى الريف المصرى، عكس حال التيار الشعبى الذى أسسه حمدين صباحى، فهذا التيار له وجود قوى فى الريف المصرى، وتحديدًا ريف الدلتا، الأمر الذى يعنى أنه يمكن أن ينافس الأحزاب ذات المرجعية الدينية على أصوات الفلاحين وفقراء المصريين. أيضا للتيار الشعبى وجود ملموس فى أوساط الطبقة العاملة المصرية، نظرًا إلى أطروحات حمدين صباحى ذات الجذور الناصرية، وهو أمر يمثل إضافة إلى التيار الثالث الذى توجد فيه أحزاب يسارية، على رأسها التحالف الشعبى. من هنا يبدو واضحًا أن الأحزاب المدنية أمامها فرصة تاريخية لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية المصرية ولإنقاذ مصر من الوقوع تحت هيمنة قوى الإسلام السياسى من جديد، وهو الأمر الذى بات يمثل خطرًا شديدًا على مستقبل مصر، فقوى الإسلام السياسى اليوم تسيطر على منصب الرئيس ومعها الحكومة، وإذا ما حصدت غالبية مقاعد البرمان تكون بذلك قد سيطرت على مواقع السلطة الثلاثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وهنا يمكن أن تقوم بما تريد القيام به من تغيير فى هوية البلد وبنيته القانونية على النحو الذى تريد، وإذا تحقق ذلك يتوقع أن تحدث تغييرات جوهرية فى طريقة حياة المصريين، وربما تركيبة سكان مصر وتوجهاتها الإقليمية والدولية. من هنا أمام الأحزاب والقوى المدنية فرصة تاريخية، وأخيرة لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية فى مصر والحفاظ على هوية البلاد واستمرارية مصر كدولة مدنية حديثة، معتدلة وسطية، هذه الفرصة تتطلب تعاون التيارين الثالث والشعبى معًا وخوض الانتخابات بقائمة انتخابية، واحدة وهو ما يتطلب سرعة انفتاحهما على بعضهما البعض وقدرا من التواضع لدى قادة التيارين ودفع الحسابات الشخصية إلى الخلف ربما هذه المرة فقط لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية المصرية والحفاظ على مصر التى نعرفها، وبعد أن يتحقق ذلك يمكن لكل حزب وتيار أن يعمل وفق رؤيته الخاصة.