سنودس النيل الإنجيلي يستقبل مطران الكنيسة اللوثرية بالأردن والأراضي المقدسة    رئيس جامعة سوهاج يشهد حفل تخرج الدفعة الثالثة من الفريق البحثي لطلاب كلية العلوم    تثبيت أم تخفيض سعر الفائدة؟ خبير يكشف اتجاه البنك المركزي (فيديو)    إيطاليا تحتفل بيوم الغذاء العالمي    واشنطن تطالب إسرائيل بإثبات عدم اتباع سياسة التجويع في غزة    بتكلفة 190 مليون جنيه، أشرف صبحي يشهد التشغيل التجريبي ل مركز شباب الجزيرة 2    نبروه يقيل جهازه الفني عقب جولتين فقط من دوري القسم الثاني ب    البنك الأهلى يفوز على طلائع الجيش وديا استعدادًا للموسم الجديد (صور)    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الخميس 17-10-2024    مصرع طفلين وإصابة 4 آخرين فى حادث تصادم بالشرقية    آية سماحة تتهم كلية طب بيطرى جامعة القاهرة بتعذيب الحيوانات    قبة الغوري تستضيف فرقة "الحضرة المصرية" الجمعة    أكثر الثعابين سمية في العالم، هندي يذهب للمستشفى حاملا أفعى سامة لدغته    أسباب تكرار الرشح عند الأطفال وعدم شفائه    يعاني مشاكل كبيرة بالفك، فيتو تحصل على التقرير الطبي للحالة الصحية ل أحمد سعد (مستند)    محافظ الدقهلية: معاينة مواقع تنفيذ 15 مشروعا لخدمة الإنتاج الزراعي والداجني    رئيس جامعة بنها يكرم الطلاب الفائزين والمتميزين في الألعاب الرياضية    نائب محافظ قنا يتفقد أنشطة مبادرة "بداية جديدة" بقرية أبودياب    اتفاقيات تعاون تمهيدا لتشغيل خط الرورو بميناء دمياط    «الري» و«إدارة المياه» يبحثان دعم «التكيف مع التغيرات المناخية»    4 ظواهر جوية تضرب البلاد خلال ال72 ساعة المقبلة.. اعرف حالة الطقس    «يونيفيل»: ليس لدينا أي نية للانسحاب من الجنوب اللبناني    السيسي يشهد أداء حسن محمود رشاد اليمين القانونية رئيسا للمخابرات العامة    الرقابة المالية: نعمل على تطوير حلول تأمينية تناسب احتياجات المزارعين    مصطفى مدبولي: المتحف المصري الكبير هدية للعالم ويسهم في جذب السياح    «الأسد» يستمتع بدبي.. إلى أي مدينة تسافر حسب برجك؟    محطة قطارات الصعيد الجديدة.. هل تكون نواة لمشروعات جديدة مستقبلًا | خاص    وزير الشباب الرياضة يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين مركز التنمية الشبابية و ادفانسد أكاديمي (صور)    حملات تفتيشية مكثفة تضبط 7 آلاف قضية سرقة كهرباء و435 قضية ضرائب    دوري أبطال إفريقيا - هوبير فيلود مدربا جديدا للجيش الملكي    فيلم بنسيون دلال يحقق مليون و243 ألف جنيه في أول أسبوع عرض    زيلينسكي: "خطة النصر" الأوكرانية تتضمن الانضمام للناتو    ماس كهربائي وراء نشوب حريق ورشة بمنطقة بولاق الدكرور    كل أشكال المخدرات.. تطورات جديدة ضد 3 عناصر إجرامية في السلام    توتر وإحراج.. قصة رفض نيكول كيدمان التقاط صورة مع سلمى حايك    عاجل.. الأهلي يقرر تجديد عقود 3 لاعبين    الوطني الفلسطيني: تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا خروج عن القيم الإنسانية وشرعنة للإبادة الجماعية    تعليم الأقصر يشارك في المبادرة الرئاسية «بداية»    طب أسيوط تنظم المؤتمر السنوي الرابع لقسم الأمراض الباطنة والكُلى    قبل الشتاء.. كيفية حماية طفلك من الأمراض المعدية    وزيرة التضامن تقرر تشكيل لجنة لتطوير الوحدات الاجتماعية بالجمهورية    إعدام 15 طن أسمدة مغشوشة وضبط 5 أطنان فول صويا يشتبه فى صلاحيتها بالغربية    برغم القانون الحلقة 24.. تقرير الطب الشرعي يثبت عدم نسب الأبناء لأكرم    حكم إخراج الزكاة على ذهب المرأة المستعمل للزينة.. الإفتاء تجيب    الأزهر للفتوى محذرا من تطبيقات المراهنات الإلكترونية: قمار محرم    يويفا يكشف موعد قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026    نائب وزير الإسكان يبحث مع شركة عالمية توطين صناعة المهمات الكهروميكانيكية    عاجل - الحكومة توافق على تعديل تنظيم هيئة الطرق والكباري لتعزيز تنفيذ المشروعات القومية    علي ماهر يطمئن على خالد صبحي بعد إصابته مع المنتخب في مواجهة موريتانيا    المستشار الألماني: لن نقبل بأن تهاجم إيران إسرائيل بالصواريخ وطهران تلعب بالنار    عضو لجنة الفتوى بالأزهر يوضح صيغة دعاء نهى النبي عنها.. احذر ترديدها    الولايات المتحدة لا تزال أكبر سوق تصدير للاقتصاد الألماني    تهديد الأمن الإقليمى    دقيقة حداد بمدرسة صلاح نسيم في السويس على أرواح ضحايا حادث الجلالة    أبرزها تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية.. نتائج زيارة ولي عهد السعودية لمصر    «نعمة الماء» من خلال ندوات برنامج المنبر الثابت بمساجد سيناء    البرازيل تسحق بيرو برباعية وتقترب من التأهل إلى مونديال 2026    الإفتاء: الأمن فى القرآن ذكر فى الجنة والحرم ومصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| خطة حرب أكتوبر فى «كراسة» الجنرال النحيف المخيف
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 16 - 10 - 2024

سوف تتوقف كثيرًا المحاضرات والندوات التى يتم تدوينها فى الكتب والموسوعات ويتم تداولها فى الكليات الحربية ومراكز البحوث العسكرية أمام اسم القائد العسكرى الفذ المشير محمد عبد الغنى الجمسى الذى صنفته مجلة عسكرية أمريكية ضمن أقوى 50 قائدًا عسكريًا فى التاريخ وفق ما تم تدوينه فى أشهر الموسوعات العسكرية العالمية، ووصفته رئيسة وزراء العدو جولدا مائير بالاتفاق مع وزير خارجية الولايات المتحدة هنرى كيسنجر بالجنرال النحيف الصامت المخيف الذى كان له ملف خاص لدى جيش العدو يتتبعه من بداية حياته العسكرية والحروب التى خاضها والمناصب القيادية التى تولاها.
ومن أهم النقاط التى رصدها العدو فى ملفه اللحظة التى قدم فيها استقالته من القوات المسلحة عقب هزيمة 5 يونيو 1967 التى كان يشغل فى أثنائها منصب رئيس أركان الجيش الثانى الميدانى، لكن الرئيس جمال عبد الناصر رفض قبول استقالته إدراكه لكفاءة الجمسى العسكرية، ويقول الجمسى فى مذكراته إنه عندما تم استدعاؤه لمقابلة الرئيس فى حضور الفريق عبد المنعم رياض، لم يستطع أن يتمالك نفسه عندما أصبح فى مواجهة الرئيس فدمعت عيناه عندما خرج عن شعوره محملًا الرئيس والمشير عبد الحكيم عامر المسئولية الكاملة عما حدث.
وفوجئ بالفريق عبد المنعم رياض يبلغه فى لهجة عسكرية صارمة بأنه قد تم اختياره مع آخرين للإشراف على إعادة تدريب القوات المسلحة والاستعداد لجولة ثانية من المعركة لإزالة آثار نكسة يونيو، جفف الجمسى دموعه واستدار للفريق عبد المنعم رياض ليقدم التحية العسكرية فى إشارة واضحة على التزامه بالتكليفات العسكرية التى أداها بصرامته وجديته على أفضل ما يكون لإعادة بناء الجيش.
اقرأ أيضًا| كنوز| جندى فى جيش عرابى يروى قصة الخيانة فى التل الكبير
عقب وفاة الرئيس عبد الناصر عينه الرئيس السادات رئيسًا للمخابرات الحربية ثم رئيسًا لهيئة عمليات القوات المسلحة وكلفه بدراسة الأوضاع العسكرية ووضع خطة الحرب، عكف الجمسى على دراسة جميع الظروف، وحدد وقت المد والجذر فى القناة، ووضع الشمس فى مواجهة جنودنا ومواجهة جنود العدو، وفتحات النابالم وسبل سدها، ووضع القوات البحرية وإغلاق المضايق، ولم يترك الجنرال الصامت أى شيء للظروف، وعندما اكتملت الخطة فى رأسه لم يجد أمامه سوى «كشكول» ابنته منى الذى دون فيه خطة الحرب كاملة بالتوقيت الأنسب على الجبهتين المصرية والسورية، وقدم للرئيس السادات كشكول ابنته منى الذى دون على غلافه «كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة»، فقرأه السادات مداعبًا: «خطة وافية.. ياه مَن يصدق أن كشكول طالبة فى الابتدائية يضم خطة حرب العبور».
وفى صباح السادس من أكتوبر وقف الجنرال الجمسى بغرفة عمليات القوات المسلحة بجوار الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى وبقية قادة حرب أكتوبر وهو ينظر للساعة، وفى الثانية تماما صاح باسم الخطة التى شارك فى وضعها مع قيادات بالقوات المسلحة «بدر.. بدر.. بدر».
وعقب الصدام الذى حدث بين الرئيس السادات والفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة بسبب الثغرة التى أحدثها العدو فى منطقة الدفرسوار، عينه الرئيس السادات رئيسًا لأركان القوات المسلحة، وعلى الفور وضع الجنرال الجمسى خطة تصفية الثغرة التى عرفت باسم «شامل» لكنها لم تنفذ بسبب وقف إطلاق النار، واختاره الرئيس السادات بعد ترقيته لرتبة الفريق أول ليكون رئيسًا للوفد المصرى فى عملية التفاوض على فض الاشتباك بما عرف بمفاوضات الكيلو 101 فى يناير 1974، ورفض أثناء التفاوض تقديم أى تنازلات للجانب الإسرائيلى، وأمام صلابة موقفه التفاوضى نجح هنرى كيسنجر الذى كان يرعى المفاوضات بنفسه فى إقناع الرئيس السادات بسحب ألف مدرعة من الضفة الشرقية لقناة السويس وسحب 70 ألف جندى مصرى، وعندما أبلغه كيسنجر بموافقة السادات على ما يرفضه، اتصل الجنرال الجمسى بالرئيس الذى أكد له موافقته وطالبه باستكمال المفاوضات، وكتب كيسنجر عن هذه الواقعة فى مذكراته قائلًا: نظرت للجنرال الجمسى فوجدت عينه تدمع، وسألت نفسى متعجبًا: «أهذا الذى يدمع هو الذى أكد لى جميع جنرالات إسرائيل أنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من الجنرالات العرب؟، أهذا الذى تسميه جولدا مائير بالجنرال النحيف المخيف؟!».
ويعترف هنرى كيسنجر فى مذكراته بأن الجنرال الجمسى رد له صفعة تحايله عليه بإقناع السادات بسحب بعض المدرعات والجنود المصريين من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية عندما تعمد إغفال ذكر المدافع المضادة للطائرات والمدافع المضادة للمدرعات فى اتفاق فض الاشتباك وقام بنقل عدد منها للضفة الشرقية، وشهد الجنرال الإسرائيلى عيزرا وايزمان أحد كبار مفاوضى الجانب الإسرائيلى للفريق الجمسى بأنه كان صارمًا وحازمًا ولا يقبل المناورة لدرجة أنه كان يدخل خيمة المفاوضات دون أن يصافح أحدًا من الوفد الإسرائيلى أو يلقى التحية عليهم، وعندما خرج فى إحدى المرات من خيمة التفاوض أسرع وراءه عيزرا وايزمان قائلًا: «سيادة الجنرال بحثنا لك عن صورة وأنت تضحك فلم نجد..
ألا تبتسم أو تسلم علينا»، فرد عليه الجنرال الجمسى بنظرة ازدراء وانصرف من المكان، وقال عايزرا وايزمان عن الجنرال الجمسى فى مذكراته: «الجنرال الجمسى حازم جدًا..
قدمنا اقتراحًا أثناء التفاوض بالانسحاب من سيناء مع الاحتفاظ بمطارات فى رفح والعريش وإنشاء محطات إنذار مبكر لمتابعة النشاط العسكرى المصرى»، فكان رده: «لو بقى الإسرائيليون فى رفح فإن ذلك سيكون الشرارة التى تشعل نار الحرب القادمة، لا يوجد مصرى واحد يوافق على التخلى عن سنتيمتر واحد من الأراضى المصرية، وليكن واضحًا أننا لا نستطيع الاستجابة لاقتراحاتكم بشأن تغيير الحدود».
وعقب وفاة المشير أحمد إسماعيل عينه الرئيس السادات وزيرًا للحربية ورقى لرتبة المشير وظل فى منصبه حتى أقاله الرئيس من منبصه عندما اعترض على قرار نزول الجيش لقمع مظاهرات 17 و18 يناير 1977 وعينه الرئيس مستشارًا له، ومما يذكر أن الرئيس السادات قال له عندما كرمه بوسام نجمة الشرف العسكرية عام 1974: «أنت تصلح لقيادة جيش مصر لمدة مائة عام»، وقد حصل المشير الجمسى على 24 نوطًا وميدالية ووسامًا من مصر والدول العربية والأجنبية، منها وسام التحرير عام 1952.
ووسام ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة 1958، ووسام نجمة الشرف العسكرية 1974، ورحل عن عالمنا بعد معاناة مع المرض فى 7 يوليو 2003 عن عمر يناهز 82 عامًا وتم تشييعه فى جنازة عسكرية مهيبة تكريمًا لقائد من خيرة قادة الجيش المصرى الباسل، وكان المشير الجمسى يعتز بأنه شارك فى كل الحروب التى خاضتها مصر وتكللت بانتصارات أكتوبر 73 التى وصفها قبل وفاته بأنها أهم وسام على صدره، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
عاطف النمرمن «مذكرات الجمسى»
«محفوظ» يستخلص الدروس من روح أكتوبر والعبور
بقلم: نجيب محفوظ
قدمنا الأسبوع الماضى أول مقال فى سلسلة المقالات التى نشرها أديب نوبل نجيب محفوظ فى الزميلة «الأهرام» عن فرحته بالعبور التى وصفها بأنها تجاوزت فى حياته كل الأفراح، واليوم نقدم المقالين الثانى والثالث، فقد نشر محفوظ المقال الثانى فى 19 أكتوبر بعنوان «ثورة 6 أكتوبر» الذى قال فيه :
- «إنها ثورة وليست معركة فحسب، المعركة صراع بشرى ينتهى بالنصر أو بغيره، أما الثورة فوثبة روحية تمتد فى المكان والزمان حتى تتحقق حضارة، وهى ثورة لأنها لم تكن مجرد تدبير محكم وتنفيذ متقن، ولكنها رمز لثورة الإنسان على نفسه وتجاوزه لواقعه وتحديه لمخاوفه ومواجهته لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا، والثورة قد تتعثر ولكن جذوة روحها لا تطفئ، فثورة 1919 كفت عن القتال المادى بعد عامين من قيامها ولكن روحها ظلت تناضل وتبدع فى مجالات السياسية والاجتماع والاقتصاد والثقافة، لذلك أقول إن 6 أكتوبر ثورة وليست معركة فحسب، فتحت لنا الطريق بلا نهاية، وليست معركة التحرير إلا أول دقة على بابه، وليس العبور إلا أول قفزة فى تيار تحدياته، وليس النصر إلا أول نصر على عقبة من عقباته، وهو طريق يصادف الماضى فيه النجاح والفشل، والنصر والهزيمة، والتقدم والتقهقر، ولكن كل أولئك مواقع وعلامات، نمر بها ونتعلم منها، ولا نتوقف عن التقدم أبدًا، هذه هى ثورة 6 أكتوبر، ثورة بطل تحرير مصر الحديثة، ثورة الإرادة والعقل والروح.
ونشر نجيب محفوظ المقال الثالث فى 26 أكتوبر بعنوان «الدرس الأول» ويقول فيه :
- «الدرس الأول المستخلص من 6 أكتوبر هو الدور الذى لعبه الإيمان فى الصراع، الإيمان عنصر جوهرى فى روح الأمة، إنها تستيقظ وتنام، تأكل وتشرب، تجتهد وتجاهد، تتحدى وتقاتل، تخاصم وتهادن، باسم الله، بمناجاة الله، وفى سبيل الله، لذلك فإن مسئوليتها حيال هذا الإيمان خطيرة باعتباره جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها، عليها أن تدعمه، أن نقيمه على أسس راسخة مضيئة، عليها أن تنقيه من الخرافات، تصونه من الانحرافات، وتسمو به إلى الدرجات العليا من الصفاء والنقاء، الإيمان رسالتها الذاتية فى وطنها الذى كان أول وطن يُدعى فيه إلى عبادة الواحد الأحد منذ عهد إخناتون، وطنها الذى كان بعد ذلك مهد الرسالات السماوية، وميدان جهاد الأنبياء والمرسلين، فرسالتها هى رسالة الحب والإخاء لجميع عباد الله، لا نفرق فى ذلك بين أغلبية وأقلية، ولا تعيش فيها الأقلية بفضل حماية الأغلبية وتسامحها ولكن بصفتهم أعضاء متساوين فى الحقوق والواجبات فى وطن مقدس واحد، وحّد أهله حب الأرض والشوق إلى ذى الجلال، جميعهم مواطنون مؤمنون من درجة واحدة، لا تمييز بينهم إلا بالكفاءة والخلق، وبذلك تتحدد رسالة العالم العربى الإنسانية الأخلاقية فى هذا العصر، يضرب بها المثل الأعلى للعنصريين فى جنوب إفريقيا، ومضطهدى الزنوج فى الولايات المتحدة، والمتعصبين فى إيرلندا والفلبين وإسرائيل، هذا ما يطالبنا به الإيمان، وهذا ما تطالبنا به أرواح الشهداء.
حكايات الأبطال فى الذكرى التاسعة لجمال الغيطانى
فى ظل احتفالاتنا بانتصارات أكتوبر تحل علينا غدًا الذكرى التاسعة لرحيل الكاتب جمال الغيطانى الذى غادرنا فى 18 أكتوبر 2015 بعد أن خط بقلمه قصص الأبطال الذين رفضوا الهزيمة وأذاقوا العدو ضربات موجعة فى حرب الاستنزاف، نقلها للقراء عندما عمل مراسلًا حربيًا لجريدة «الأخبار»، ست سنوات قضاها فى تغطية ما يجرى على الجبهة، إلى أن أتت اللحظة المنتظرة فى السادس من أكتوبر ليسجل بقلمه فيض المشاعر لحظة عبور طائراتنا للقناة لتدك حصون العدو ومراكز قيادته ومطاراته، وسجل الغيطانى فيض المشاعر الوطنية لحظة عبور جنودنا بالقوارب المطاطية للقناة، بعد ملحمة المدفعية التى دكت خط بارليف، وأعقبتها ملحمة سلاح المهندسين فى إقامة رءوس الكبارى التى عبرت عليها الدبابات والمصفحات والمجنزرات والمدافع بعد نجاح جنودنا فى تسلق الساتر الترابى بأسلحتهم الثقيلة وهم يصيحون «الله أكبر» ونجحت العسكرية المصرية فى فتح الممرات فى الساتر الترابى بمضخات المياه المصرية الفكرة والصنع.
كل هذه الأحداث العظيمة كان الغيطانى يسجلها بقلمه ويصورها مكرم جاد الكريم لجريدة «الأخبار» وكافة مطبوعات مؤسسة «أخبار اليوم»، وأرشيف مؤسسة «أخبار اليوم» خير شاهد على المهنية التى كان يتمتع بها المراسل الحربى جمال الغيطانى فى نقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية الجياشة لجنودنا الأبطال، ويروى لنا حكايات كثيرة عن بطولات حرب الاستنزاف فى كتاب «المصريون والحرب - من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر» من خلال الفترة التى قضاها مراسلًا حربيًا لمؤسسة «أخبار اليوم»، فتعرفنا من خلاله على حكايات الموت الذى ينتظره المقاتلون كل لحظة، وكان الغيطانى ينقل للقارئ تلك المشاعر الجياشة بأسلوب أدبى فياض، ويغوص بنا الغيطانى أكثر فى كتابه «على خط النار - يوميات حرب أكتوبر» لكشف معدن الجنود الذين نالوا تدريبات عملية لمحاكاة العبور، ومعنوياتهم المرتفعة التى حولت الإنكسار لعزيمة وإصرار على تحقيق النصر وفق الخطة التى رسمها القادة، فخاضوا معارك أذهلت العدو والعالم كله، وفى مجموعته القصصية «حكايات الغريب» ينقل لنا قصة حقيقية لسائق بمؤسسة صحفية يدعى عبد الرحمن محمود قيل إنه استشهد فى فترة حصار السويس، وتحولت القصة لفيلم تليفزيونى.
وفى روايته «الرفاعى» نتعرف على حكاية العميد البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال التى اقترب منها الغيطانى وتدرب معها وعايش أفرادها وكان شاهدًا على أعمالهم القتالية فى فترة صعبة واستثنائية، ويروى لنا الغيطانى فى «يوميات الأخبار» حكاية الست البسيطة الخمسينية «أم رفاعى.. بطلة من الجبهة» التى كانت أمًا لتسعة أبناء كان أحدهم فى ساحة القتال وقت اندلاع الحرب، ما جعلها ترى ابنها فى وجوه كل الأبطال على الجبهة، وأخفت فى بيتها بفايد مجموعة من الجنود حتى يستعيدوا قوتهم وأسلحتهم ويواصلوا الحرب ضد العدو، وعندما أرادوا أن ينصرفوا، قالت لهم: «أنتم ولادى.. حتروحوا فين.. يا نموت سوا.. يا نعيش سوا.. خلوها على الله».
تتسم حكايات جمال الغيطانى عن الأبطال، التى صاغها بأسلوبه الروائى بالمصداقية والسلاسة والشجن الإنسانى لأنه عاش معهم فى الخنادق والدشم وشاركهم طعامهم، وقال إن لحظة ارتفاع العلم المصرى فوق حطام خط بارليف كانت من أسعد لحظات حياته.
لهذا استحق جمال الغيطانى الجوائز التى نالها ومنها «جائزة الدولة التشجيعية، ووسام الاستحقاق الفرنسى بدرجة فارس، وجائزة سلطان العويس، وجائزة الصداقة المصرية الفرنسية، وجائزة لورا باتليون بفرنسا، وجائزة جرينزانا كافور بإيطاليا، وجائزة الدولة التقديرية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ووسام جوقة الشرف الفرنسية برتبة قائد، وجائزة النيل للآداب».
«كنوز»
شهادات الهزيمة على لسان قادة العدو
اعتراف المجرم بشهادته أمام المحكمة هو خير دليل على ارتكابه للجريمة، واعتراف قادة العدو بالمرارة والانكسار هو خير دليل على الهزيمة فى حرب السادس من أكتوبر 1973:
وزير الدفاع موشى ديان يعترف فى ديسمبر 1973 بالهزيمة قائلًا: «حرب أكتوبر كانت زلزالًا، كنا نظن أننا أقوى والهزيمة ستلحق بالعرب لو فكروا فى الحرب، أرسلنا الدبابات للجبهة لإيقاف تقدمهم وكلفنا ذلك ثمنًا غاليًا».
فى كتاب «حياتى» تقول جولدا مائير: «المصريون عبروا القناة وضربوا قواتنا بشدة فى سيناء وتوغل السوريون فى عمق مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين، وظل السؤال المؤلم.. هل نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيئ أم لا؟، حرب يوم الغفران كابوس مروع قاسيت منه وسوف يلازمنى مدى الحياة».
وقال حاييم هيرتزوج رئيس الكيان الصهيونى الأسبق فى مذكراته: «لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل 6 أكتوبر، تعلم المصريون كيف يقاتلون، وتعلمنا نحن كيف نثرثر بالكلام، كانوا يعلنون الحقائق فوثق العالم الخارجى فى أقوالهم وبياناتهم».
وقال أهارون ياريف مدير المخابرات الأسبق فى ندوة بالقدس فى 16 سبتمبر 1974: «العرب خرجوا من الحرب منتصرين، بينما نحن خرجنا ممزقين وضعفاء».
وفى كتاب «إلى أين تمضى إسرائيل» قال ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية الأسبق: «حرب أكتوبر وضعت حدًا لأسطورة إسرائيل، وكلفتنا خمسة مليارات دولار، فخرجنا من حالة ازدهار التى كنا نعيشها قبل عام، والأخطر هو الحالة النفسية التى أصبحنا عليها».
وفى كتاب «زلزال أكتوبر» قال المعلق العسكرى زئيف شيف «أغلب جنودنا خرجوا من الحرب فى حالة انهيار ويحتاجون لعلاج نفسى، لقد دفعنا ثمنًا باهظًا، والحرب هزت إسرائيل من القاعدة إلي القمة».
استشهاد ابنها منحها لقب «أم البطل»
تلقت سلطانة الطرب شريفة فاضل صدمة قاسية عندما استشهد ابنها الطيار «سيد السيد بدير» أثناء حرب الاستنزاف، وتوقفت عن الغناء لست سنوات، لكنها عندما شاهدت مشاهد العبور اتصلت بالشاعرة نبيلة قنديل لتكتب لها كلمات تعبر عن فرحتها بالنصر، دخلت نبيلة لغرفة ابنها الشهيد، وخرجت بعد نصف ساعة بورقة دونت فيها كلمات «أم البطل»، ترقرقت الدموع فى عين شريفة عندما استدعت صورة ابنها الشهيد وهى تستمع للكلمات التى تقول:
«ابنى حبيبى يا نور عينى.. بيضربوا بيك المثل.. كل الحبايب بتهنينى.. طبعا ما انا أم البطل.. يا مصر ولدى الحر.. اتربى وشبع من خيرك.. اتقوى من عظمة شمسك.. اتعلم على إيد أحرارك.. اتسلح بإيمانه واسمك.. شد الرحال شق الرمال.. هد الجبال عدى المحال.. زرع العلم.. طرح الأمل.. وبقيت أنا أم البطل.. يا مصر ولدى الحر.. العالم وصلت أخباره.. وشجاعته وتحريره لأرضه.. اتلموا اخواته واعمامه.. من كل بلد عربى.. والكل قال باسم النضال.. وقفة رجال صدق اللى قال.. زرعوا العلم طرحوا الأمل.. وبقيت انا أم البطل».
شريفة فاضل قالت فى لقاء تليفزيونى: «عندما سمعت كلمات الأغنية اهتز قلبى وشعرت أنها تعبر عن كل أم استشهد ابنها، كان يجلس معنا زوج الشاعرة الموسيقار على إسماعيل.
وفى اليوم التالى جاءنى بأهم لحن فى حياتى، غلبتنى الدموع فقال «احنا هانعيط ولا نغنى؟»، فقلت «لازم نغنى لانتصارات جيشنا على العدو اللى ابنى استشهد وهو بيحاربه» واتصلت برئيس الإذاعة محمد محمود شعبان لتسجيل الأغنية بدون مقابل، فقال «يا مدام شريفة استديوهات الإذاعة فى انتظارك»، وأصعب شيء أن تغنى أم لابنها الشهيد، والحمد لله الأغنية أثرت بشكل كبير جدًا لأنى كنت أؤديها بدموع قلبى، وحصلت على المركز الأول فى استفتاء مجلة «صباح الخير» وأصبحت معروفة بلقب «أم البطل»، بعد أن كنت معروفة بلقب «سلطانة الطرب».
هناك أرض عربية احتلتها إسرائيل بالقوة، ونحن نصر على الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية.
الرئيس أنور السادات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.