ما حدث يوم الاثنين الماضي، الذى أطلق عليه البعض «الاثنين الأسود»، يضع - أمام كل عاقل غير مغرض- صورة حقيقية لما يمكن أن تفعله الأزمات العالمية باقتصادات الدول شرقًا وغربًا. على مدار عامين، يتحدث المسئول المصرى والإعلام الوطني، عن أثر الأزمات الخارجية بدايةً من كورونا ووصولًا إلى الاضطرابات الإقليمية الحالية، على الاقتصاد المصري، وتحديدًا على روافد النقد الأجنبي، وهو طرح يُقابل بسخرية تنطلق من نوايا بعضها حسن، وأغلبها سيئ. كل مَن تابع الأخبار الاقتصادية على مستوى العالم يوم الاثنين الماضي، وجد أن بورصات العالم شرقًا وغربًا تلونت بالأحمر، حيث الهبوط والخسائر هى المُسيطرة على الموقف. كيف حدث ذلك؟ ومن أين بدأ؟ الجمعة الماضية، صدر تقرير التوظيف الأمريكى بأرقام أقل كثيرًا مما كان متوقعًا، حيث عدد الوظائف غير الزراعية التى أضيفت للاقتصاد فى يوليو بلغت نحو 114 ألف وطيفة، مقارنةً ب179 ألفًا فى يونيو، ونحو 186 ألفًا كانت متوقعة، مع ارتفاع للبطالة إلى 4.3%. كانت هذه الأرقام مؤشرات كافية على اقتراب شبح الركود الذى كان العالم يخشاه كنتيجة لمعركة الفيدرالى مع التضخم باستخدام أسعار الفائدة. حالة الإحباط والقلق انعكست سلبًا على بورصات العالم، فما بدأ غربًا فى الولاياتالمتحدة انعكس على أوروبا وآسيا والدول العربية، دون أن تعانى هذه الدول من أى ركود اقتصادى أو مؤشرات سلبية تمثل سببًا منطقيًا لخسائر أسواق المال لديها. السؤال الآن، أليس هذا نموذجًا لما تفعله الأزمات الخارجية بالاقتصاد؟ لماذا يقبل البعض أن يتأثر العالم كله ببيانات التوظيف الأمريكية، بينما يرفض أن تؤثر أزمات سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع أسعار العديد من السلع، فضلًا عن تخارج الأموال الساخنة قبل عامين، على الاقتصاد المصري؟ مشكلة كبيرة أن يتصدى للتحليل الاقتصادى بعض الأصوات التى تحلل بانحيازاتها وأفكارها وأحكامها المسبقة وليس بالمعطيات الواقعية، لكن، ولأننا لا نعيش بالمدينة الفاضلة، فالطبيعى أن يحدث ذلك، والطبيعى أيضًا أن يكون فى المقابل مَن يحلل بدوافع وطنية تحليلًا موضوعيًا منطقيًا مستندًا لحقائق وأرقام، وهذا ما نحاول فعله. خلاصة القول: المشهد الاقتصادى على مستوى العالم متأزم بشدة، وما يحدث فى منطقتنا التى توشك على الانفجار فى أى لحظة، يمكن أن يحمل آثارًا كارثية على الاقتصاد العالمى كله. ما تفعله الإدارة المصرية على مدار 10 سنوات، هو الاستعداد لتلك اللحظة، لحظة الفوضى الكاملة وخروج الأمور عن السيطرة، حينها تتطلب غريزة البقاء قدرةً على التكيف فى خِضّم متغيرات شديدة العنف، وهو تكيف لن يكون وليد اللحظة، وإنما نتاج استعداد مسبق لسنوات. الإصلاح الاقتصادي، تطوير البنية التحتية، الإصلاح الإداري، تعزيز منظومة الردع عبر تطوير القوات المسلحة، التصدى لأى خطاب إعلامى منفلت، تعزيز الروابط السياسية المتوازنة شرقًا وغربًا، زيادة مساحة المعمور من أراضى الدولة المصرية خصوصًا فى المناطق التى عانت هشاشة أمنية مزمنة مثل «سيناء»، دفع مخطط التنمية بمعدلات أكبر من المعتاد انتهازًا لفرص قد لا تتكررعلى المدى المنظور.. إلخ كل هذه الخطوات وغيرها كانت تستهدف تعزيز المناعة المصرية استعدادًا للمجهول القادم، وهى خطوات منطلقة من رؤية قيلت واضحة فى مسلسل من ملفات المخابرات العامة «هجمة مرتدة»: «اللى هيعدى سليم ل2030 هو اللى هيكمل».. واحنا بفضل الله هنكمل.